لكل السوريين

الحرب في الشرق الأوسط.. صراعات متعددة وقضايا معقدة

حاوره/ مجد محمد

مع اندلاع ما عرف بالربيع العربي بات الحديث عن شرق أوسط جديد يتكرر باستمرار، ومع ذلك فأن هذه الفترة التي تميزت بالديمقراطية والتطبيع كانت قصيرة الأجل، ليتبدل الحال إلى أزمة في سوريا وضهور الإرهاب والاحتلال وتدخل إقليمي وصعود جماعات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة اللتان حولتا مسار الشرق الأوسط الجديد بعيداً عن مسار الديمقراطية، ونتيجة لذلك أصبحت الديمقراطية والاستقرار قوتين متعارضتين.

وللحديث عن هذا الموضوع بشكل أوسع عقدت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع السياسي المستقل الأستاذ كنف البرهوش، ودار الحوار الآتي:

*أستاذ كنف مرحباً بك بداية، في ظل هذا الازدحام في المشاريع والإيديولوجيات والقضايا المتعددة والحروب المتعددة والمعقدة، إلى أين يمضي المشهد؟

أهلاً بك، منطقة الشرق الأوسط على مرّ التاريخ هي منطقة تنازع النفوذ والسيطرة من لدن الدول الكبرى على هذه المنطقة، ومن يكون له النفوذ على هذه المنطقة يستطيع أن يتحكم في مجريات الكثير من أمور العالم، خصوصاً الموارد النفطية، والموارد النادرة وكذلك الممرات الاستراتيجية البحرية والبرية والجوية، ورأينا قضية التنافس بين الصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، الصين أوجدت الحزام والطريق عام ٢٠١٣ والآن تحتفل في مرور عشر سنوات وانضمام أكثر من ١٥٥ منطقة ودولة اقتصادية إليه، بينما الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماع نيودلهي اقترحت طريق تجاري استثماري من الهند إلى الإمارات فالسعودية ثم الأردن مروراً بالكيان الإسرائيلي وصولاً إلى أوروبا وهذا متضاد مع الحزام والطريق الصيني.

وبالتالي هذه المنطقة حيوية إذا نظرنا إلى خطوط العالم الجيوستراتيجية سنجد أن أمريكا الشمالية والجنوبية مستقرة الأوضاع بها، وإذا نظرنا للاتحاد الأوروبي الأوضاع مستقرة وكذلك إذا نظرنا للاتحاد الروسي أيضاً الأوضاع مستقرة، وفي الصين والدول الاوراسيوية ايضاً الوضع مستقر، فالدول الغير مستقرة هي الدول التي فيها حروب أهلية وقلاقل مدنية وربيع عربي وغيره الدول الإفريقية انقلابات وتنافس الروسي الفرنسي الأمريكي والدول العربية بين التنافس الصيني الأمريكي والروسي في نفس الوقت، وانخفاض أو تدني مستوى النفوذ الأمريكي لحساب النفوذ الصيني لكن مع انطلاق عملية ٧ تشرين الأول/ أكتوبر في غزة تريد الولايات المتحدة إعادة تموضعها في منطقة الشرق الأوسط بعدما تخلت عن إدارة نفوذها فيه وفضلت الإدارة من الخلف، وهذه الإدارة من الخلف فشلت، ومن ثم افسحت المجال للصين والروس للتواجد ونتج عن ذلك إعادة العلاقات السعودية الإيرانية عبر بكين وأيضاً الصين لها دور فاعل في قضية المطالبة بوقف إطلاق النار وحل الدولتين وحماية المدنيين وكذلك الاتحاد الروسي يطالب بنفس الشيء، لكن الكتلة الغربية ممثلة بفرنسا وبريطانيا التي دائماً ما تصوت ضد القرارات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، في الشرق الأوسط هناك دول كثيرة غير مستقرة حتى الآن ولم تؤسس مؤسساتها السياسية والثقافية والاجتماعية ومؤسسات الدولة بطريقة مؤسساتية فاعلة.

*ما هي أبرز الملامح التي رُسمت في الشرق الأوسط بعد كل هذه المشاريع وهذه الصراعات التي تدور على هذه الرقعة الجغرافية الحيوية من العالم؟

طبعاً المشهد اليوم في منطقة الشرق الأوسط متعلق تماماً بالمسألة والقضية الأساسية التي تمحور عليها الشرق الأوسط منذ عام ١٩١٩، أي منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى والتي هي المسألة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، ونحن رأينا كل هذا التخبط الذي حدث في الشرق الأوسط والعالم العربي لأن هناك مسألة أساسية في المنطقة لم تحل، وهذه المسألة هي مسألة الشعب الفلسطيني ومسألة فلسطين، ولذلك نحن اليوم نرى أن كل محاولات الاستقرار ومحاولات الديمقراطية ومحاولات بناء الدول كلها كانت تصطدم في هذه المسألة، لأن الدول الغربية والدول التي تحاول أن تفرض نفوذها على هذه المنطقة لا تساعد على بناء هذه الدول ولا تسمح لها ببناء نفسها وتعرقل ذلك، وتأتي بالمسؤولين والأنظمة التي لم تساعد لأنها تريد بقاء السيطرة على هذه المنطقة عبر المسألة الأساسية التي هي المسألة الفلسطينية وفرض كيان غاصب ودولة محتلة في هذه المنطقة، ولذلك اليوم بعد ٧ تشرين الأول/أكتوبر رأينا أن كل ما جرى في الشرق الأوسط وكل الأوراق تم خلطها وإعيدت الأمور إلى ما كانت عليها إلى سنة عام ١٩٤٨ وما قبل، لأن القضية الفلسطينية هي التي عادت إلى الواجهة وعادت إلى الطاولة ولذلك نرى أن الجميع اليوم يركض لمحاولة إطفاء ما يجري وإلا ما يجري سوف ينتشر كحرب كبرى في المنطقة وحرب سوف تكون مدمرة وحرب على شاكلة هلوكوست كبير يضرب جميع شعوب المنطقة.

*شكل التوازنات المقبلة في ظل كل ما يحدث، كيف سيكون برأيك؟

العرب وحتى الدول الإقليمية كانت تعتقد بأن الكيان الإسرائيلي لدية قوة خارقة ويعتبر من أقوى الجيوش على مستوى العالم وأقوى الجيوش على مستوى التجسس الاستخباراتي وكل هذه الأمور العملياتية، لكن ٧ تشرين الأول/أكتوبر أوضحت للعالم أجمع وللدول العربية ولعلها تستفيق من بعض ما تعتقده بأن هذا الكيان لديه القوة الكبرى في هذا المنطقة بأن مجموعة من المقاتلين والمقاومين في غزة أوضحت زيف هذه الاعتقادات وهشاشة الكيان الصهيوني، وباعتقادي الخارطة السياسية لن تكون لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ولا حتى لمصلحة الكيان الإسرائيلي، وباعتقادي أيضاً إن هذه الحرب في غزة وضعت القضية الفلسطينية على واجهة القضايا في العالم، ومن ثم في البداية شاهدنا أن جميع صناع القرار في الغرب توافدوا على الكيان الإسرائيلي لدعمه لأنه عاش اللحظة العدمية وكأنها عام ١٩٤٨.

وبالتالي أحتاج إلى هذه القوة المساندة والدعم المعنوي والعسكري والسياسي والمالي حتى يقف على قدميه، لأن الولايات المتحدة الامريكية والغرب يعتقدون بأنه أي فشل لهذا المشروع الغربي في هذه المنطقة هو فشل لهم جميعاً، ومن ثم لنرى كيف الولايات المتحدة الأمريكية دعمت هذا الكيان وكذلك دول حلف شمال الأطلسي وفشلوا بتحقيق أي نصر ولو جزئي في أوكرانيا.

وبالتالي يريدون أن يعوضوا ذلك، إذا نظرنا فحماس ليست دولة وليست قوة نووية وليست ذات جيش نظامي ومحاصرة منذ ١٧ عام فلماذا تأتي البوارج العسكرية البحرية والغواصات والسفن وقوات النخبة الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية وغيرها لتقاتل مع جيش الكيان الإسرائيلي، والإدارة الفعلية للجيش في هذا الجانب المحتل إدارة أمريكية بحتة إضافة إلى الكثير من المرتزقة، وهذا يدل على إنه هناك يوجد إفلاس في قوة الدفاع للكيان الإسرائيلي، ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان يحتاج إلى إعادة ترتيب وتجييش كتيبة من الاحتياط لتعمل في الدبابات ميركافا٣ التي تقرر شطبها وإخراجها من الخدمة، إذا ما علمنا أن مجموع خسائر الكيان الإسرائيلي في غزة بالتوغل المحدود الذي قام به في بعض المناطق الرخوة والتي سمحت لهم المقاومة بالدخول إليها لأنها لا تستطيع الحرب لمسافات بعيدة فخسائره بلغت أكثر من ١٥٥ دبابة وآلية مدرعة وعسكرية ولو افترضنا أن كل آلية يوجد بها ٨ او ٩ من العسكر فأن عدد العسكر الذين أصيبوا إصابات بالغة وأخرجوا من الخدمة فأنهم أكثر من ١٥٠٠ جندي أو قائد مع اعتراف الكيان بعدد محدود، إلا أن الرقم الذي يذكره غير صحيح وذلك خوفاً من ارتفاع وتيرة الرأي العام المنقسم في الكيان الإسرائيلي والمطالبة باستقالة نتنياهو.

*ختاماً، في ظل هذا الطرح هل ستمتد الحرب أو الصراع إلى سوريا أو العراق أو لبنان، وإذا وقع هذا الأمر هل ستكون بداية لشرق أوسط جديد أم ستكون نهاية فكرة الشرق الأوسط الجديد؟

انا أرجح الفكرة الثانية إلا وهي نهاية الشرق الأوسط الجديد، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح بخطتها في فيتنام ولا في أفغانستان ولا في العراق وسوريا وإن كانت موجودة بواقعها في قواعد محددة لا تستطيع الخروج منها، وأنا باعتقادي أن مشاغلة حزب الله في الجنوب وكذلك الجنوب السوري والضفة الغربية وعرب ٤٨ والميليشيات التي ضربت القواعد الأمريكية في سوريا وفي العراق هذا يعتبر توسع محدود، والولايات المتحدة الأمريكية لا تنوي أن تتوسع في هذا الجانب كذلك إيران لا تنوي التوسع في هذا الجانب ومن ثم كلا الطرفين يريد أن يبقيه ضمن حدوده الدنيا.