لكل السوريين

تفجير خط الغاز العربي وقلق من انقطاع الكهرباء الشامل

تعرض خط الغاز الرئيسي في سوريا إلى انفجار فجر الرابع والعشرين من الشهر الماضي، بين منطقة الضمير وعدرا في ريف دمشق، وهز الانفجار العاصمة دمشق وريفها، ونجم عنه خروج محطات توليد الكهرباء الجنوبية عن الخدمة تباعاً، وغرقت البلاد كلها في ظلام دامس، استمر نحو تسع ساعات متواصلة.

وقال وزير الكهرباء إن الانفجار، هو السادس من نوعه الذي يتعرض له هذا الخط في المنطقة نفسها، أدى إلى هبوط ضغط الغاز الموجود في محطة توليد دير علي، وفقدان كمياته وخروج باقي المحطات عن العمل بالتتابع، ما أدى إلى حدوث انقطاع في الكهرباء.

وأوضح وزير النفط والثروة المعدنية أن هذا الخط ينقل 7 ملايين متر مكعب من الغاز بصورة يومية، ويغذي محطات دير علي وتشرين والناصرية في المنطقة الجنوبية التي خرجت عن الخدمة نتيجة الانفجار.

ومع أن الورشات الفنية في الشركة السورية للغاز، وفرق الإطفاء والدفاع المدني، تمكنت من إخماد النيران الهائلة التي اندلعت في الخط، وتم إصلاحه، لتبدأ الكهرباء بالعودة بشكل جزئي إلى بعض المنشآت الحيوية المهمة في العاصمة دمشق كالمشافي وبعض الأحياء السكنية، ثم إلى محافظتي حمص وحماة والمنطقة الساحلية، وإلى المحافظات السورية الأخرى، إلّا أن التفجير أثار قلق المواطنين من انقطاع الكهرباء الشامل نتيجة لعمل تخريبي في مكان واحد.

عمل إرهابي.. ورسالة

وصفت السلطات السورية التفجير بأنه عمل إرهابي، وقال مصدر أمني مطلع “ما حدث ليس شيئاً عادياً، بل هو أمر مدروس، ولا سيما أن المفجّر كان يعلم حساسية الخط، وقدرته على إغراق سوريا في العتمة”.

واعتبر رئيس الوزراء السوري تفجير الخط رسالة موجهة إلى جلسة محادثات اللجنة الدستورية السورية التي انعقدت في جنيف.

وفي تصريح له لوسائل إعلام محلية، قال “العصابات المجرمة أعطت رسالة للمحادثات الدستورية” مضيفاً أن “الإرهابيين أرادوا أن يوجهوا رسالة واضحة في تمام الساعة الثالثة والنصف فجراً”.

وقال وزير النفط والثروة المعدنية السوري: “بعد تقييم الوضع، تبين أن الانفجار الذي تعرض له خط الغاز العربي الذي يغذي محطات الكهرباء في جنوب سوريا ناجم عن اعتداء إرهابي”.

ولم يذكر أي مصدر من السلطات السورية الجهة تعتقد بأنها نفذت هذا العمل الإرهابي.

بينما اتهم المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري تنظيم داعش بتفجير خط الغاز، وقال للصحافيين في جنيف إن بلاده لا تزال تبحث في الأمر لمعرفة المسؤولين عن التفجير، وأضاف “لكن من شبه المؤكد أن يكون ناجماً عن ضربة نفذها تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينشط عناصره في البادية السورية بعدما خسر كامل مناطق سيطرته على وقع عمليات عسكرية عدة”.

ومن جانب آخر، قال جيفري “إن الانفجار الذي وقع صباح الاثنين أكد فقط على الحاجة إلى حل للصراع السوري، الذي قتل أكثر من 400 ألف شخص ودمر البنية التحتية للطاقة في البلاد”.

خط الغاز العربي

خط الغاز العربي الذي تم تفجيره في ريف دمشق، ينقل الغاز الطبيعي المصري إلى دول المشرق العربي، وكان مخططا له الوصول الى أوروبا.

وتم تنفيذه على عدة مراحل.

أنجزت مرحلته الأولى، عام 2003 من مدينة العريش في شمال سيناء إلى العقبة في جنوب الأردن.

وبدأت مرحلته الثانية من من العقبة وصولا إلى منطقة الرحاب الأردنية على الحدود مع سوريا، بطول 390 كم، وأنجزت عام 2005.

والمرحلة الثالثة بدأت من الأردن وصولا إلى منطقة دير علي بريف دمشق في سوريا،

وكان من المقرر أن يمتد إلى مدينة كلس التركية، وأن يتم توصيله بخط غاز نابوكو ومن ثم وصله بالقارة الأوروبية.

استهدافات الخط

منذ عام 2011 تعرّض خط الغاز العربي لتفجيرات عديدة أثرت على الإمدادات وخلفت آثاراً كارثية على الدول التي يمر بها. وكان آخرها تفجيره في ريف دمشق.

في 5 شباط 2011، تم تفجيره عند منطقة الشيخ زويد شمالي سيناء، وتم إيقاف ضخ الغاز لمنع استمرار الحرائق الناجمة عن التفجير.

وفي 7 تمّوز 201

3، فجر مجهولون خط الغاز جنوبي العريش، شمال سيناء.

وفي 31 أيّار 2015  فجره تنظيم “أنصار بيت المقدس”  بمنطقة السبيل جنوب شرق العريش، بمحافظة شمال سيناء، وتبنى التنظيم التابع لداعش على حساب منسوب له على تويتر مسؤوليته التفجير.

وفي 7 كانون الثّاني 2016، تم تفجير الخط بمنطقة الميدان غرب العريش، ما أدى إلى تصاعد كبير للنيران، وقد شاهد سكان مدينة العريش الدخان يتصاعد منه إلى السماء.

وفي 2 شباط من العام الحالي، فجره مسلحون مجهولون يستقلون سيارة رباعية الدفع بمنطقة التلول، الواقعة على بعد حوالى 80 كلم غرب مدينة العريش.

استهدافات النفط والغاز

ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها مسلحون خطوط نقل الغاز والنفط.

فقد كان أول استهداف من هذا النوع قرب تلكلخ في ريف حمص في شهر تموز عام 2011، تبعه استهداف آخر في حي بابا عمرو في حمص في الثامن من كانون الأول من العام نفسه.

وفي الشهر الأول من العام  2017

فجر تنظيم داعش محطة لإنتاج الغاز في سوريا، وبث التنظيم فيديو يظهر قيام أحد عناصره بتفخيخ أنابيب للغاز في شركة “حيان”، إحدى أهم محطات إنتاج الغاز في سوريا، والواقعة شرق مدينة حمص بمئة كيلومتر.

كما ظهرت في الفيديو عملية التفجير عن بعد، وتدمير الشركة بشكل كامل إثر اشتعال النيران فيها.

وتعد شركة حيان للغاز كبرى شركات إنتاج الغاز في سوريا، وإحدى أكبر المحطات التي تغذي محطات توليد الكهرباء في المنطقة الجنوبية من البلاد.

ورأى المراقبون آنذاك أن التنظيم قام بهذا التفجير، رغم أنه يسبب الضرر في بعض مناطق تواجده، محاولة استباقية للقاء أستانة الذي سيعقد بعد أيام هذا التفجير، وقد يفضي إلى فرض انسحاب داعش من ريف حمص.

وفي الشهر الأخير من العام الماضي أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية أن هجمات “إرهابية” متزامنة استهدفت ثلاث منشآت نفطية وهي مصفاة حمص، وكل من معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى، ومحطة الريان للغاز في البادية في شرق المحافظة.

ولم تحدد الوزارة كيفية وقوع الهجمات، فيما رجّح المراقبون أن يكون تنظيم الدولة الإسلامية من قام بهذه الهجمات بواسطة طائرات مسيرة.

وقبل ساعات من ذلك، شن التنظيم هجوماً عنيفاً على إحدى محطات الغاز التابعة لحقل الهيل في البادية شرق حمص.

وأدت الهجمات إلى خروج عدد من الوحدات الإنتاجية في المواقع الثلاثة عن العمل، حسب وزير النفط والثروة المعدنية.

وفي نفس العام، تحدث الإعلام الرسمي عن تفجير تعرض له خط رئيسي للغاز في شرق حمص يربط بين حقل الشاعر، أكبر حقول الغاز في البلاد، ومعمل إيبلا.

وكانت وزارة النفط  والثروة المعدنية قد أعلنت، في مطلع العام الجاري، أن مسلحين استهدفوا المرابط البحرية المغذية للطاقة عبر عبوات ناسفة قبالة شواطئ طرطوس.

سلاح النفط والغاز

منذ بداية الحرب استخدم تنظيم داعش النفط والغاز كسلاح مهم يحقق له السيطرة على الأرض والمال، وحرمان النظام السوري من عائداتهما، وإرباكه من خلال نقص مشتقاتهما الضرورية لكل بيت.

وقد بدا ذلك واضحاً في محاولاته المستميتة للسيطرة على حقول تدمر، في معارك كر وفر، استمرت لمدة عامين، قبل أن يحكِم النظام سيطرته عليها.

وفي محاولاته للسيطرة على  آبار النفط في المناطق الشرقية قبل أن يتم طرده من المنطقة.

ويعتبر هذا الانفجار الأحدث ضمن سلسلة اعتداءات استهدفت في السنوات الأخيرة إمدادات أو مرافق حيوية بينها أنابيب غاز ومنشآت نفطية بحرية أو محطات توليد للكهرباء، وهي قطاعات استنزفتها سنوات الحرب الدامية.

وأثار هذا التفجير مخاوف المواطنين من ربط مصير الكهرباء بخط واحد، فإن أصابه أي عطل، أو عمل تخريبي آخر، ستكون القطاعات الصحية والخدمية والمستشفيات في الدولة خارج الخدمة وهي بأمس الحاجة إلى الطاقة الكهربائية، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا في معظم مناطقها.

ومع أن هوية الجهة التي قامت بهذا التفجير لم تعرف بعد، إلا أن بصمات تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تبنى استهداف الكثير من حقول الغاز في أوقات سابقة، شبه واضحة عليه.

ومنطقة القلمون الشرقي، حيث يمر خط الغاز، يشكل بوابة رئيسية إلى البادية السورية التي لجأ إليها كثيرون من عناصر التنظيم بعد طردهم من مناطق مختلفة خلال السنوات الأخيرة.

وهذا ما يثير القلق من إعادة التنظيم ترتيب صفوفه من جديد، واستئناف عملياته، حيث تتحدث مصادر أهلية في البادية السورية عن عودة عملياته ونشاطه منذ فترة وهي “عمليات استهداف خفيفة لنقاط عسكرية للقوات النظامية ومنها لعربات قطار تنقل الفوسفات لصالح الروس”.

تقرير/ لطفي توفيق