لكل السوريين

فندق البارون.. أقدم الفنادق في مدينة حلب وشاهدٌ على حضارتها، بما تميّز؟

حلب/ خالد الحسين 

فندق البارون أقدم وأعرق الفنادق في سوريا عموماً ومدينة حلب على وجه الخصوص ، تاريخ عريق يصل لأكثر لقرن من الزمن فقد توالى على إدارة هذا الفندق عدد من الأشخاص وزاره وأقام فيه الكثير من الشخصيات العالمية الثقافية والسياسية والرؤساء والملوك فعندما تدخل الغرفة رقم 203 غرفة الكاتبة البريطانية الشهيرة بقصصها البوليسية المثيرة (آغاتا كريتسي) حيث أقامت يوم زارت حلب لأمر عجيب، فتقف على الشرفة التي كتبت فيها قصتيها (جريمة في قطار الشرق السريع) و(جريمة في بلاد الرافدين)، وترى السرير الخشبي ذا اللون البني والذي نامت عليه كما هو، والمنضدة التي كتبت عليها قصتها، وخلفها تلك المرآة التي رأت من خلالها صورتها .

وكذلك أن تدخل الغرفة رقم 202 حيث أقام (لورنس العرب) الذي لعب دوراً في تغيير أحداث تاريخ الشرق الأوسط في بدايات القرن الماضي، وترى فاتورة حسابه للفندق عام ١٩١٤ ورسماً يمثل صورته بالعقال والكوفية. وكذلك أن تدخل الجناح 213 الفخم والوحيد، حيث أقام فيه الرؤساء والملوك ومشاهير العالم، وتجد ذات الأثاث الخشبي الذي مضى عليه أكثر من قرن من الزمان، ونزل فيه ملك السويد (غوستاف) وأسرته، الذي زار حلب حوالي عام ١٩٣٦ ونام في الجناح المذكور.

وكذلك نزل فيه أول رائد فضاء وهو الروسي (يوري غاغارين) ومن بعده نزلت أول رائدة فضاء الروسية (فالنتينا تيرشكوفا)، وكذلك نزل فيه الملياردير الأمريكي (دايفيد روكفلر) أغنى رجل في العالم، والكاتب الأمريكي (وليام سارويان) والكاتبة الإنكليزية (فراي استارك).

ويقال بأن السيدة (فيروز) والأخوين رحباني أقاموا بفندق البارون يوم زاروا مدينة حلب. ومن الشخصيات التي نزلت بالفندق العريق: روبرت برايتورد – آندرو مور – باولو ماتييه – هيلغا سيدن – شارل آزنافور.

ومن السياسيين والعسكريين (جمال باشا – شاه إيران – الجنرال الألماني ليمان فون ساندرز).

كما نزل عليه زعيم الجمهورية الفرنسية الحرة (الجنرال ديغول)، الذي ألقى خطبته من على شرفته المطلة على شارع البارون، وأقام فيه مأدبة طعام في العام ١٩٤١ م.

ومن النزلاء أيضاً: الملك فيصل بن الشريف بن علي، ملك سورية ثم العراق، الذي أقام في الجناح ٢١٥، ووقف على شرفته عام ١٩٢٠ وأعلن أول دستور للجمهورية السورية، والزعيم المجاهد إبراهيم هنانو، وفارس الخوري، ونوري السعيد، وولي عهد ملك السويد، والرئيس العراقي عبد السلام عارف، ورئيس دولة موريتانيا مختار ولد دادا.

كما ألقى الرئيس جمال عبدالناصر عام ١٩٥٨ من خلال شرفته خطابه للجماهير المحتشدة بشارع البارون إبان الوحدة السورية – المصرية. حين تدخل ذلك الفندق، وتصعد الدرج الحجري الذي صعد من خلاله هؤلاء إلى غرف نومهم، أو أن تجلس في البهو والبار والمطعم حيث جلسوا، فأنت تشعر بالدهشة والعجب والخيال.

وفي حديث للسوري مع أحد أهالي مدينة حلب ‘حنا سيسريان’ صاحب ال’ ٩٥عام’:”كان هناك في تلك الأيام، أشهر وأمهر الطباخين ممن قدموا الطعام لأولئك الضيوف العظماء، ولم يكن لهم مثيلاً حتى بعواصم أوربا، وكان من يخدم ويقدم للزبون يرتدي أفخم الملابس وكان قمةً في الأصول والأناقة”.

واكمل: “إن مؤسس أول فندق بحلب هو الراحل (كريكور مظلوميان) الذي جاء مع أسرته من بلاد أرمينيا الغربية بتركيا حوالي العام ١٨٦٠ م متوجهاً إلى القدس الشريف في فلسطين، وحين وصل مدينة حلب؛ لم يجد فيها فندقاً، فأقام في أحد الخانات هو وأسرته، لكنه لم يلمس الراحة اللازمة والخصوصية، وأستغرب عدم وجود فندق في هذه المدينة التاريخية الجميلة ،ثم تابع (كريكور مظلوميان) رحلته إلى مدينة القدس، فنزل هناك في دير كنيسة الأرمن الآرثوذوكس، ثم عاد إلى حلب فقرر بناء فندقاً فيها، وتابع رحلته إلى أرمينيا، حيث باع كل أملاكه بقريته هناك، وعاد من جديد إلى مدينة حلب، فبنى فندقاً أسماه (فندق أرارات) بحي (الجلوم) بالقرب من كنيسة الشيباني، احتوى حوالي اثنتا عشرة غرفةً مع الملحقات والمرافق، حيث لاحظ وجود مستشرقين وعلماء آثار، الذين كانوا ينزلون في خانات حلب القديمة، وبأنهم بحاجة ماسة للإقامة بفندق يؤمن لهم وسائل الراحة من نوم هنيء وخدمات مختلفة.

وتابع:”ثم قام ولدا كريكور مظلوميان وهما (آرمين وأونيك) بعمل فندق صغير لكل منهما وهما: (فندق عزيزية بالاس) وفندق (بارك أوتيل).

وفي عام ١٩٠٥ / ١٩٠٦ م ذاع خبر إنشاء خط حديدي للقطار يربط أوربا بالعراق مروراً بمدينة حلب، ففكر كل من الأخوين (آمرين وأونيك مظلوميان) واللذان زارا أوربا، وشاهدا هناك ضخامة الفنادق ذات الطراز المعماري الأوربي؛ فكرا ببناء فندق كبير وضخم، يليق بالأجانب الذين سيسافرون على هذا القطار، ويرتاحون في مدينة حلب الجميلة، قبل مواصلتهم لبغداد أو خلال عودتهم لأوربا”.

وأسلف: “تم شراء الأرض اللازمة في العام ١٩٠٦ م خارج حدود المدينة وأسوارها، ضمن البساتين وبالغرب من نهر قويق، وأتوا بمهندس معماري خريج فرنسا هو ‘كاسبر نافليا’ الذي قام بتصميم الفندق وفق نمط أوربي، مع إدخال لمسات شرقية كالأقواس العربية، وتم بناء الطابق الأول والثاني وكان مكوناً من ٣١ غرفة وحمامين، وتمت مرحلة البناء بين عامي ١٩٠٦ و ١٩١١، وتم الافتتاح عام ١٩١١ م (موافق ١٣٣٠ هجرية)، وكان ذلك قبيل افتتاح محطة القطار بحلب (محطة بغداد) الذي تم عام ١٩١٢ م، أما الطابق الثالث فقد بني في عام ١٩٤٢، وهو مؤلف من ١٧ غرفة مع حمام خاص بكل منها.

ومن الأحداث التاريخية التي مرت في الفندق انتقل لإبن (آرمين بن كريكور مظلوميان) وهو (كريكور مظلوميان)، ومن بعده إلى ولده (آرمين مظلوميان) وهو زوج (روبينا طاشيجيان مظلوميان) والذي توفي مؤخراً خلال سنوات الحرب في عام ٢٠١٦، فانتقلت إدارته واستثماره إلى زوجته السيدة (روبينا) وأسرته ولغاية اليوم.

ومن أهم المعالم التاريخية المميزة التي تشد زوار الفندق هناك نقش في الحجر على طرفي مدخل الفندق، وهو يرمز لثمرة الرمان، وهو رمز لعادات أرمنية، حيث يقوم رجل الدين في أرمينيا بإهداء العروس رمانة مغلقة في الكنيسة يوم الزفاف، وهي ترمز بحباتها للتكاثر والأنجاب والخير، كما تتكاثر حبات الرمان الأورجوانية داخل ثمرة الرمان.

وفي بهو الفندق، عُلِّقَ على جداره ملصقاً يعود للعام ١٩٣٠ ويُذكِّر بأجمل أيام الفندق، وقد كتب عليه بالفرنسية (فندق بارون، الفندق الوحيد من الدرجة الأولى في حلب).

إنه فندق البارون الذي لم يعد يشبه بارون الأمس، فندق البارون الذي يقف شامخاً وسط شارع بارون بحلب كرمز للحضارة السورية الحديثة وشاهداً على العصر عبر أكثر من قرن من الزمن، قاوم الحرب الحالية ولحقت به أضرار وما يزال مغلقاً على أمل عودته للعمل في المستقبل.