لكل السوريين

أجواء متوترة في الجنوب السوري وحزب الله يعززها بين السهل والجبل

كشفت مصادر موثوقة عن نشاطات مكثفة يقوم بها حزب الله اللبناني جنوب غرب محافظة السويداء القريبة من منطقة بصرى الشام  معقل “الفيلق الخامس” المدعوم من القوات الروسية، وهي المنطقة التي شهدت توتراً حاداً على خلفية الأحداث الدامية التي حدثت أواخر شهر آذار الماضي بين مجموعات مسلحة من بلدة “القريّا” وبين الفيلق حيث ارتكب عناصر منه مجزرة راح ضحيتها 15 شخصاً من البلدة بذريعة ملاحقة عصابات الخطف، كما استولت مجموعات منه على مساحة كبيرة من أراضي البلدة وأقامت السواتر الترابية ونقاط عسكرية على حدودها.

وأكدت المصادر أن حزب الله قدم أسلحة متنوعة، وأنظمة اتصالات متطورة لفصيل “الدفاع الوطني” بالسويداء خلال الأسابيع الماضية، وتزامن دعم الحزب للفصيل مع تعزيز مواقعه المواجهة للفيلق الخامس الذي مازال يسيطر على جزء من أراضي بلدة القريّا، وأرسل عناصر منه للتنسيق مع فصيل الدفاع الوطني وتعزيز مواقعه، واستطلاع مواقع جديدة بالمنطقة.

وكان حزب الله قد أرسل بعض كوادره أواخر شهر حزيران الماضي، لاستطلاع عدة مواقع بالريف الشرقي للمحافظة لتثبيت نقاط جديدة للفصيل على تخوم البادية، إلا أنه لم يتم تثبيت أي نقطة جديدة ، حسب أهالي المنطقة.

توتر.. واستعدادات

يواصل فصيل الدفاع الوطني المنتشر في بلدة القريّا وما حولها، تعزيز هذا القطاع، وتحسين ظروف الدفاع عنه بعد أحداث شهر آذار وما نتج عنها من حالة التوتر في المنطقة.

وفي الأسابيع الماضية وزع  الفصيل أكثر من 150 بندقية “كلاشنكوف” على الأهالي في قرى جنوب غرب السويداء، من بينها القريّا والمجيمر ورساس، وبعد حصوله على دعم من حزب الله عزز المنطقة بأسلحة متوسطة ومدافع هاون.

ويتزايد إقبال المواطنين على التسلح في القرى التي تجاور مناطق نفوذ “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس، تحسباً من أي احتكاك جديد مع عناصر للفيلق.

وأشار أحد أهالي القريّا إلى أن البلدة شهدت اعتداءات متكررة من مسلحي “أحمد العودة” منذ أذار الفائت، مما أدى لتوتر الأوضاع في جنوب غرب السويداء إلى درجة غير مسبوقة، لافتاً إلى أن “خشية الأهالي من اعتداءات جديدة من قبل الفيلق، دفع العشرات منهم للتسلح سواء عن طريق شراء السلاح، أو الحصول عليه من الدفاع الوطني، أو أي فصائل أخرى”.

واستغلال لحالة لتوتر

يرى المتابعون للأوضاع في المحافظة أن دعم حزب الله لفصيل الدفاع الوطني في هذه الفترة يهدف إلى تأجيج الخلافات بين الفصائل المحلية من أبناء السويداء من جهة، وبين الفيلق الخامس من أبناء درعا من جهة أخرى.

ويحذرون من الانجرار وراء أي أجندات تهدف إلى زعزعة الأوضاع في الجنوب، وإثارة فتنة بين المكونات السورية، قد تتطور إلى صراعات مذهبية بين المحافظتين الجارتين.

كما يتهم البعض حزب الله بالسعي لتصفية حساباته مع مسلحي التسوية المدعومين من روسيا، الذين طردوا الحزب من مدينة بصرى الشام عام 2015، وذلك عن طريق تأجيج الخلافات القائمة، وخلق نزاعات جديدة بينهم وبين فصائل من السويداء يدعمها الحزب.

فصيل الدفاع يخرّج دورة جديدة

ينتشر فصيل الدفاع الوطني في معظم مناطق محافظة السويداء منذ عام 2013، ويتولى مهام حماية القرى الحدودية، ومؤازرة الجيش السوري في عملياته العسكرية، ويقسم الفصيل انتشاره إلى قطاعات، منها “القطاع التاسع” الذي ينتشر في بلدة القريّا وما حولها منذ سنوات، وقد عزز الفصيل هذا القطاع بعد حالة التوتر التي شهدتها المنطقة.

وخرّج هذا الفصيل مؤخراً دورة عسكرية جديدة تضم عشرات العناصر من أبناء بلدة “القريّا”، بحضور المئات من أفراد الفصائل المحلية والوجهاء ورجال الدين بالمحافظة.

واستعرض الفصيل خلال حفل التخرج الذي تم في مقر قيادته، جانباً من أسلحته من دبابات ومدافع ورشاشات متوسطة.

وتحدث في الحفل عميد متقاعد من المحافظة عن اعتداءات مسلحي الفيلق الخامس على بلدة القريا، وحمل الجانب الروسي مسؤولية الاعتداءات، وقال “لولا دعمكم وتغطيتكم لمسلحي الفيلق الخامس التابع لكم لما تجرأ على الهجوم”.

وخلال الاحتفال تعاهد مسؤولون في الفصيل وعناصر الدورة على “استرجاع كل شبر من محافظة السويداء”.

واختتم الاحتفال بالهتاف بحياة الرئيس السوري كرد، فيما يبدو، على حفل التخرج الذي أجراه الفيلق الخامس قبل أسبوعين من هذا الحفل، وانتهى بهتافات مناوئة له.

والفيلق يخرّج دورة جديدة

بحضور العديد من وجهاء حوران، وعسكريين وضباط من الفيلق الخامس، وقوات من الشرطة العسكرية الروسية، خرّج اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس دورة عسكرية جديدة في مدينة بصرى الشام، قدر عدد عناصرها بألف مقاتل.

وهذه هي الدورة العسكرية الأولى التي تم تخريجها بعد إعلان أحمد العودة عن تشكيل جيش واحد في حوران.

وأكدت الدعوة التي وجهت للأهالي ووجهاء المناطق والعشائر لحضور حفل التخرج، على هذا الإعلان، وجاء فيها “انطلاقاً من بناء سوريا المستقبل ووفاء بعهودنا لحماية شبابنا واحتواء جهودهم وطاقاتهم لخدمة أهالينا في المنطقة الجنوبية وسوريا عامة عبر جسم واحد وجيش واحد”.

وخلال الحفل رفع الحضور لافتات كتب عليها “المعتقلون طلاب حرية وليسوا إرهابيين”، و”سورية لأهلها وليست مزرعة لأحد”، و” لا مساومة على وحدة واستقلال الأراضي السورية”، و”إطلاق سراح المعتقلين هو حق وليس منّة أو مكرمة من أحد”.

وطالب الأهالي والخريجون برحيل المليشيات الإيرانية عن سوريا وإطلاق سراح المعتقلين.

وتحول حفل التخريج إلى مظاهرة ضد النظام السوري على مرأى ومسمع الشرطة العسكرية الروسية، وطالب المتظاهرون برحيل النظام.

جيش الجنوب

وجاء تخريج هذه الدفعة الجديدة من المقاتلين بعد إعلان أحمد العودة، ليؤكد على تشكيل “جيش الجنوب” في درعا، وستكون مهمته الاساسية حماية المنطقة الجنوبية من أطماع إيران وميليشياتها.

بينما ذكرت مصادر دبلوماسية أن هذا الجيش سيكلف بالانتشار على طول الحدود مع لبنان والاردن، تنفيذاً للاتفاق الذي وقّع عام 2018 بين الاميركيين والروس والأردنيين والاسرائيليين حول عدم تواجد نفوذ أو مواقع عسكرية لإيران، ولحزب الله، في الجنوب السوري، و”إبعادها عشرات الاف الكيلومترات عن الحدود”.

وبحسب مصادر محلية، انتسبت أعداد كبيرة من شباب محافظة درعا إلى جيش الجنوب التابع للفيلق فور فتح باب الانضمام إليه.

وذكرت المصادر أنه بعد انتهاء هذه الدورة ستقام دورات إضافية لتصل أعداد المقاتلين المتخرجين منها إلى 15 ألف مقاتل جديد من مختلف مناطق جنوب سوريا.

وأشارت إلى اتفاق تم بين قيادة الفيلق مع اللجان المركزية في الجنوب، ومع فعاليات مدنية ووجهاء وقيادات فصائل من درعا، منضوية تحت اتفاقية التسوية، لإنجاز هذا الأمر بالتنسيق مع الجانب الروسي.

محاولات السيطرة

منذ بداية الأحداث في سوريا حاول الإيرانيون وحزب الله خلق بيئة حاضنة لهم في السويداء، ورغم كل الإغراءات التي قدموها، لم يتمكنوا من استمالة سوى بعض الشخصيات من أبناء المحافظة، ومع أنهم قاموا بافتتاح مكاتب لتجنيد شباب المحافظة لصالحهم خلال السنوات الأخيرة، إلا أنهم استطاعوا جذب عدد قليل من الشباب الذين التحقوا بالمليشيات التابعة لهم لفترات قصيرة تحت ضغط الوضع الاقتصادي المتردي.

وشكل الرفض الشعبي لتواجدها في المحافظة عائقا مهماً أمام انتشار إيران في المنطقة.

فمنذ ثلاث سنوات، وتحت ضغط شعبي كبير من قوى محافظة السويداء، أغلق الأمن العسكري معسكراً لميليشيا النجباء التابع لإيران بالقرب من “سد العين” في ريف السويداء.

ومع ذلك تستمر الميليشيات الإيرانية وحزب الله في محاولات التقرب من بعض المرجعيات والقيادات والمرجعيات المحلية، دون أن تحقق نجاحات تذكر، فعملت على محاصرة المحافظة عن طريق نشر القواعد والميليشيات في مدينة بصر الحرير على حدود المحافظة الغربية، وفي مطار خلخلة على أوتوستراد دمشق- السويداء، وفي مطار الثعلة غربي مدينة السويداء، وفي بلدة مفعلة الواقعة شمال شرقي مدينة السويداء، حيث كانت مركز العمليات الرئيسي لحزب الله، ومقر اجتماعاته السرية.

وتفريغ السويداء من سلاحها

في محاولات لتسهيل السيطرة عليها شهدت محافظة السويداء محاولات مكثفة لتفريغها من السلاح، شاركت بها أجهزة النظام والمليشيات الإيرانية وحزب الله، عبر إرسال تجار غرباء، ووكلاء من أبناء المحافظة لشرائه بأسعار مغرية، وقد تم شراء كميات كبيرة من السلاح الخفيف والمتوسط مقابل مبالغ كبيرة، وخاصة من الأشخاص الذين يعانون من ضائقة مالية ويضطرون إلى مبادلة السلاح المتوفر لديهم بالمال من أجل إعالة أسرهم.

كما تم سحب كميات كبيرة من السلاح الموجود لدى بعض الفصائل المحلية تحت مسميات وذرائع متنوعة.

وترافق سحب السلاح مع دخول جزء من قوات النظام إلى المحافظة تحت ذريعة حماية المباني التابعة للحكومة، وملاحقة واعتقال عصابات الخطف والقتل والسطو والسرقة، ولكنها لم تلاحق العصابات، بل تزايد نشاطها بعد دخول هذه القوات.

وإثارة الفتنة بين السهل والجبل

كما جرت محاولات مكثفة لزرع الفتنة بين السهل والجبل، بهدف دفع المحافظتين إلى الاقتتال بينهما، وكادت أن تنجح الفتنة مرات عديدة لولا تدخل العقلاء من الجانبين للحيلولة دون ذلك.

وكان آخر تدخل لعقلاء الجانبين في شهر نيسان الماضي حيث دعا وجهاء درعا والسويداء في بيان مشترك إلى وأد الفتنة التي راح ضحيتها قتلى من المحافظتين وأكدوا على أهمية حسن الجوار بين سهل وجبل حوران، وإنشاء لجان لمتابعة وتثبيت التهدئة.

وجاء في البيان “لقد عاش أهلنا في سهل وجبل حوران بحسن جوار وتبادل تجاري وتزاور لعقود طويلة ولا يزالون على ذلك العهد مهما حاول أصحاب النفوس المريضة زرع الفتنة لأسباب دنيئة يترفع عنها كل عاقل في السهل والجبل”.

ودعا البيان إلى “تشكيل لجنة دائمة، تسعى لإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وإنشاء مشاريع مشتركة، وتدعو المجتمع لتحمل مسؤولياته في قضايا حسن الجوار”.

ويحمّل معظم المتابعين للأحداث بالسويداء أجهزة الأمن السورية وروسيا مسؤولية تلك المحاولات، واستمرارها، وما تلاها من اتهامات لجهات ثانوية، بهدف التغطية على الجهات المسؤولة عنها.

ويرى المتابعون أن دعم حزب الله لفصيل الدفاع الوطني في هذه الفترة يساهم في تأجيج الخلافات بين الفصائل المحلية من أبناء السويداء من جهة، وبين عناصر الفيلق الخامس،

ويندرج في محاولات زرع الفتنة بين السهل والجبل.

تحقيق/ لطفي توفيق