لكل السوريين

تحدت مصاعب الحياة وانتصرت عليها.. شابة سورية لم تمنعها الإعاقة من التحمل والإصرار!!

ابتسامتها التي يفوح منها التفاؤل ولمعة عينيها المليئة بالأمل تحاكي قصتها التي بدأت بخرابيش لتعبر عما لا تستطيع نطقه إلى أن أصبحت رسامة، هي قصة شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة ووالدتها التي لم تمل من تقديم الدعم لها يوماً.

في منزل عايدة العبدة الله (40) عاماً بمدينة منبج بشمال وشرق سوريا هناك زاوية خاصة لأبنتها شهد محمد الشيخ ذات 14 ربيعاً، وهي صماء وبكماء منذ ولادتها. تطلق والدتها على تلك الفسحة اسم معرض شهد إذ تحوي جميع رسوماتها منذ أن بدأت وكان عمرها 7 أعوام.

تقول والدتها عايدة العبد الله وهي أم لأربع بنات وابن “تزوجت منذ 24 عاماً 3 من أبنائي ليس لديهم قدرة على التكلم ولا السمع ومن بينهم شهد”، وتضيف “اكتشفت ذلك في طفولتهم عندما كنت ألاعبهم ولا يتفاعلون معي ولا يلتفتون لي ورغم مراجعتي لكثير من الأطباء إلا أنني لم أجد فائدة من ذلك”.

معاملة الأطفال الأصحاء صعبة وتحتاج خبرة جيدة فما بالك بأطفال يعانون من حالات خاصة وهذا حال عايدة العبد لله كما تقول “في البداية كان التعامل معهم صعب للغاية لكن مع مرور الوقت والتحلي بالصبر استطعت أن أتعامل معهم بشكل جيد وأعلمهم كي يسلك كل منهم طريقه ليعمل من أجل طموحاته”.

عن مواهب ابنائها قالت عايدة العبد الله “ابنتي ديانة (19) عاماً تتقن الأعمال اليدوية كالصوف لكن بسبب ضعف بصرها والذي زاد في الآونة الأخيرة، منعتها من الاستمرار بالعمل خشيةً فقدان بصرها بشكل كامل، ففي كل مرة يتراجع درجتان أو ثلاثة، أما ابني الوحيد حسين (22) هو أيضاً يهوا العمل في النجارة والميكانيك”.

عن شغف شهد محمد الشيخ بالرسم منذ سنواتها الأولى قالت “منذ أن كانت تبلغ من العمر 7 سنوات تمسك القلم وتبدأ بخربشتها على أي ورق تجده وفي جميع زاوياه الخالية من الرسومات”، وأضافت “بدت سعيدة وهي تخربش على الأوراق لذلك دعمتها وتركتها لتعبر عما تريد من خلال الرسم. في البداية بدأت بطبع الرسومات وبهذه الطريقة انطلقت في عالم الرسم وأبهرت كل من عرفها ورأى رسوماتها”، مبينةً أنه “لم يؤمن أحد بموهبتها لكن نجاحها كان جواباً للجميع”.

تقول عن مساندتها ودعمها لابنتها لمواصلة موهبتها أن شهد عندما كانت ترى الأطفال بعمرها يتحدثون ويلعبون وهي لا تستطيع ذلك تشعر بالحسرة “هذا شيء يخلق الانزعاج والحسرة في داخلها وكنت أشاهد دموعها وهي تقف على عتبة عينها وتلمعان”.

وعن خطوات إخراج ابنتها من هذه الحالة قالت “كنت أقول لها أن ذلك كان مقدر لك، وأنها مميزة من بين جميع الأطفال وهذا الأمر كان يقويها، شهد تعتبرني أكثر أصدقائها قرباً لها لأننا تخطينا جميع المصاعب التي واجهتها معاً”.

وتضيف “شهد تمتلك موهبة لذلك لم احصر موهبتها داخل جدران المنزل بل دعمتها لتخرج من الحالة النفسية التي تعيشها ولتنمي موهبتها، وبالفعل تخطت هذه المرحلة ولن يؤثر بها المحيط كما السابق لأنها وصلت لمرحلة تعبر فيها عن ذاتها وشخصيتها حتى نظراتها للرسومات، وحتى في لحظات غضبها تعبر عن ذلك بقلمها حيث تضغط عليه حتى يخرج من الجهة الثانية للورقة”.

أما بالنسبة لتعليمها فهي لم ترتاد المدرسة، لكنها ذهبت لفترة وجيزة لجمعية نور المستقبل في منبج لذوي الاحتياجات الخاصة لكنها لم تستمر بسبب عدم توفر المواصلات وانشغال والدها بالعمل وعدم قدرة والدتها على مرافقتها للجمعية “يؤسفني ذلك لأن ابنتي لم تذهب للمدرسة لكنها تتردد على مركز الثقافة والفن لأعوضها عن فراغ الدراسة”.

وتتردد شهد محمد الشيخ برفقة والدتها لمركز الثقافة والفن منذ أربعة أشهر لتتلقى دورات الرسم، وبسبب عدم وجود مواصلات تذهبان في الأسبوع ثلاثة مرات فقط وفقاً لبرنامج دروس المركز مشياً على الأقدام.

وعن مدى استيعاب معلميها لها وقدرتهم على التعامل معها بينت عايدة العبد الله “مُدرسي الرسم يعاملونها بطريقة سلسة ويفهموها من خلال الإشارات وعندما تكون في حالة غضب يقول المدرب لا تقتربوا صوب شهد حتى تهدأ، فالمدرب بات متأقلم مع حالتها”.

أما عن دور مركز الثقافة والفن في مدينة منبج في دعم موهبة شهد محمد الشيخ أكدت أن له دور كبير في تنمية موهبتها، “حتى نفسيتها تحسنت من الدورات التي تتلقاها في مركز الثقافة والفن، فمشاركتها في احتفالية الطفل ومعرض الفن التشكيلي كان بالنسبة لنا انتصاراً كبيراً”.

وشاركت شهد محمد الشيخ في احتفالية الطفل التي نظمتها مكتب ذوي احتياجات الخاصة التابع للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وتم تكريمها أيضاً، كما شاركت في معرض الفن التشكيلي الذي أقيم في 27 تشرين الثاني/نوفمبر وعرضت فيه رسوماتها والتي نالت إعجاب المشاركين في المعرض الأمر الذي أسعدها.

وعن آمال شهد محمد الشيخ وما تطمح إليه لفتت والدتها إلى أن “لها آمال وطموحات كبيرة وهي الآن تسعى لتعلم الرسم بالألوان الزيتية والريشة فأول خطوة لها منذ أيام قامت بصنع مجسم على شكل قلب من الإسمنت ولونته باللون الأحمر بالفرشاة والدهان وهذا مؤشر لتطوير موهبتها وصنع الأبداع لترى من خلال الرسم آفاق أحلامها”، مؤكدةً “سأسندها حتى تصل لمبتغاها لأن رؤيتي للمعة عينيها عندما تكون سعيدة بإنجازاتها تعادل سعادة العالم”.

وفي ختام حديثها توجهت والدة شهد محمد الشيخ عايدة العبد الله برسالة لجميع الأهالي “يجب على الأهل مساندة ابنائهم ومنهم ذوي الاحتياجات الخاصة ليفتحوا لهم آفاقاً ولينظروا لأحلاهم ويعملوا لتحقيقها، لأن الإنسان إذا حرم من شيء يعوض بشيء آخر لذا يجب عدم الوقوف أمام مواهب أبنائهم أياً كانت”.

وكالة أنباء المرأة