لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية 7

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي.

وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

التجربة البرلمانية بعد الاستقلال

رغم القمع الذي مارسه المحتل الفرنسي في مواجهة التجربة البرلمانية في سوريا، إلّا أن الشعب السوري تمكن من إرساء أسس حياة برلمانية حديثة جمعت بين القيم الديمقراطية التقليدية للسوريين، وبين خبرة الدول الأخرى، وخاصة خبرة الدول الأوربية الغربية.

وكان دستور عام 1930 يحصر حق الانتخاب بالذكور المدنيين السوريين الذين تجاوزوا العشرين من العمر، مع منح مقاعد خاصة للطوائف، وأخرى لعشائر البدو المتنقلة.

ونواب العشائر كانوا يختارون من قبل شيوخ القبائل دون انتخابات.

وكان النظام الانتخابي ينصّ على أن يكون الانتخاب على درجتين:

في الدرجة الأولى ينتخب الشعب الناخبين الثانويين في دوائر صغيرة هي الأحياء في المدن أو القرى.

وفي الدرجة الثانية يقوم الناخبون الثانويون في المحافظة باختيار ممثليها في مجلس النواب.

وفي أواخر العام 1946، ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، طرح موضوع تعديل النظام الانتخابي القائم، واستبداله بنظام الاقتراع المباشر باعتباره أكثر “تمثيلاً وديموقراطية”.

واقترح هذا المشروع رشدي كيخيا، أحد مؤسسي حزب الشعب، وأقرته الحكومة الكتلوية برئاسة جميل مردم، وأحالته إلى مجلس النواب.

وفي المجلس، أثيرت حول المشروع نقاشات حادة عكست مخاوف النواب الكتلويين من خسارة مقاعدهم الانتخابية في حال استبدال نظام الدرجتين بنظام الدرجة الواحدة.

ومال البرلمان إلى رفض مشروع القانون برمته، أو زيادة عدد الناخبين الثانويين كحل وسط، غير أنه لم يتم التصويت على المشروع في تلك الدورة.

وفي نيسان 1947، اجتمع مجلس النواب مجدداً في دورة استثنائية مخصصة لمناقشة مشروع القانون، ومال الحزب الوطني برئاسة شكري القوتلي إلى رفضه، والإبقاء على نظام الدرجتين.

وانطلقت مظاهرات حاشدة لتأييد مشروع القانون، قام بها طلاب المدارس والجامعات السورية في دمشق ومدن أخرى، وتخللها إضراب مدني في أغلب المدن الكبرى كدمشق وحمص وحماه وحلب، وشارك به عدد من النقابات العمالية، والاتحاد النسائي العام الذي طالب أيضاً بمنح المرأة حق التصويت.

وتحت هذا الضغط الشعبي، وافق مجلس النواب على قانون الانتخاب الذي ينصّ على الاقتراع المباشر، وأدرج شروطاً جديدة للترشح، منها أن يكون المرشح مقيماً في دائرته لمدة عام قبل موعد ترشحه على الأقل.

وعلى الرغم من عدم إشراك المرأة في هذه الانتخابات، إلّا أنها كانت آخر انتخابات تشريعية تتم دون منح المرأة السورية حق التصويت.

ومن الأمور المحدثة في قانون الانتخاب لعام 1947 نظام القائمة السريّة منعاً لشراء الأصوات، وتم ترك تحديد موعد الانتخابات لوزير الداخلية، شرط أن تكون قبل أربعين يوماً من موعد نهاية ولاية المجلس القائم على الأقل.

كما تم تكليف الجيش بتأمين الانتخاب لمنع الصدامات التي كانت تحدث بين أنصار المرشحين.