لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية 2

تقرير/ لطفي توفيق   

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي.

وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

التجربة البرلمانية في الحقبة العثمانية

بعد أن قام السلطان بحل البرلمان الأول في الإمبراطورية العثمانية، خلال ثلاثة أشهر من افتتاحه بسبب ارتفاع الأصوات المطالبة بإجراء إصلاحات جذرية للنظام الإداري في البلاد،

وتقدم النواب إلى السلطان بمقترحات لإصلاح وتطوير هذا النظام، وانتقاد الوزراء وكبار الموظفين بسبب الرشوة وغيرها من حوادث الفساد.

جرى انتخاب برلمان جديد بعد ستة أشهر من حل البرلمان الأول، ولكنه لم يعمر طويلاً هو الآخر، حيث أعلن السلطان فترة توقف في عمل البرلمان، بعد توقيع الهدنة مع تركيا في 31 كانون الثاني 1878، واستمرت هذه الفترة ثلاثين عاماً تقريباً

ولتبرير دوافع حل البرلمان، أعلن السلطان عبد الحميد “أن القوة وحدها هي القادرة على تحريك الشعب الذي كلفني الله بحمايته “.

مكرساً بذلك تسلط الحكم العثماني على الشعوب العربية، وانتهاك حقوقها وتغييب الحريات العامة، وخنق تطلعاتها إلى التقدم والعدالة الاجتماعية.

ومؤكداُ على رفضه نقل أي جزء من صلاحياته إلى السلطة التمثيلية في الإمبراطورية.

ولم ينعقد البرلمان مرة أخرى إلّا في عهد ثورة تركيا الفتاة.

حيث جرت الانتخابات العثمانية العامة في شهري تشرين الثاني وكانون الأول عام 1908،     وفاز مرشحو جمعية الاتحاد والترقي بـ 60 مقعداً في البرلمان.

وانعقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب في 30 كانون الثاني عام 1909.

وأدت تلك التطورات إلى بداية ظهور نخبة حاكمة جديدة.

ومع ذلك كان في البرلمان الجديد 150 نائباً تركياً و60 نائباً من العرب فقط، علماً بأنه كان في الإمبراطورية العثمانية 7,5 مليون تركي، وأكثر من 10 ملايين عربي.

ولم ينشط الوفد العربي أثناء عمل البرلمان ولم يتقدم بأية مبادرات.

وعلى الرغم من أن غالبية النواب العرب كانوا مستاءين من سياسة الحكومة، إلا أنهم أيدوا مواقف أنصار تركيا الفتاة من حيث المبدأ.

وفي عام 1909 عمد السلطان إلى حل البرلمان من جديد.

وجرت في نهاية عام 1913 انتخابات جديدة، ولكن البرلمان الذي نشأ عنها توقف عن العمل في السابع من شهر آب عام 1914.

وبذلك انتهت خبرة الحياة التمثيلية في الإمبراطورية العثمانية.

ومع أن ممثلي الشعوب العربية شاركوا في عمل البرلمانات المتعاقبة في الإمبراطورية العثمانية، إلا أنه لا يجوز اعتبار هذه الخبرة هامة بالنسبة لتطور النظام البرلماني في البلدان العربية على العموم وفي سورية بشكل خاص، لأن هذه الخبرة كانت محدودة من حيث الزمن، ولم تكن ناضجة من حيث المضمون، ولم تشكل تأثيراً كبيراً على التطور التاريخي للشرق الأوسط.

ولم ينعكس صدى المناقشات البرلمانية على الحياة السياسية الداخلية لبلدان المشرق العربي.

ولم تظهر في هذه الفترة شخصيات بارزة على المسرح السياسي للبلدان العربية.