لكل السوريين

محافظة درعا.. حصار خانق.. وتصعيد مستمر ومفاوضات دون جدوى

ما زالت منطقة درعا البلد تشهد حصاراً خانقاً، وما زالت القوات العسكرية تنتشر في محيطها، وتحاول التقدم بين الحين والآخر، ما يؤدى إلى اندلاع اشتباكات، وتساقط القذائف على المنازل، وازدياد الوضع الإنساني سوءاً، رغم الوعود الروسية بوقف التصعيد العسكري في المنطقة، وفرض وقف لإطلاق النار، وإنهاء التوتر فيها، وفك الحصار عن أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيم، وعن العائلات المحاصرة على أطرافها، وإعادة فتح حاجز السرايا وهو المعبر الوحيد من درعا البلد باتجاه مركز مدينة درعا.

فيما أكد العشرات من وجهاء وأهالي درعا البلد عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحصار المستمر على  أحيائها، جعل الحالة الإنسانية تتفاقم، وتزداد سوءاً.

وقال ناشطون وشهود عيان إن الاشتباكات التي تشهدها مدينة درعا بين قوات تابعة للنظام، ومقاتلين محليين، تتصاعد رغم الوعود الروسية بقرب التوصل إلى حل لإنهاء النزاع العسكري في المدينة.

ومع أن محاولات القوات العسكرية للتقدم في المنطقة فشلت، رغم القصف المكثف المرافق للهجوم، يرى المراقبون أن هذا التصعيد يهدف للضغط على أهالي درعا لتنفيذ مطالب هذه القوات الداعية إلى تسليم السلاح الخفيف، وإخراج الرافضين للتسوية من المنطقة, ونشر الحواجز العسكرية والأمنية فيها.

مفاوضات دون جدوى

شهدت محافظة درعا مفاوضات مكوكية منذ أكثر من شهر، ولكنها لم تتوصل حتى الآن إلى أي اتفاق لإنهاء حالة التصعيد التي فرضتها قوات النظام السوري على درعا البلد، والمناطق المحيطة بها.

وتجري هذه المفاوضات بين اللجنة الأمنية الممثلة للنظام السوري من جهة، وممثلي اللجان المركزية التي تضم وجهاء عشائر وشخصيات محلية من جهة أخرى، وتلعب روسيا دور الراعي لتلك المفاوضات.

بينما تعيش العائلات في أحياء درعا البلد، التي يبلغ عددها 11 ألف عائلة ظروفا معيشية صعبة، بحسب ما أشارت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته في الثلاثين من الشهر الماضي، وقالت فيه إن ما يشهده الجنوب السوري في الوقت الحالي أدى إلى سقوط مدنيين ونزوح آلاف الأشخاص من المنطقة.

وتجد هذه العائلات صعوبة في الحصول على المواد التموينية بسبب الحصار المفروض عليها منذ قرابة 45 يوماً، وتعرضها بين الفترة والأخرى، لقصف يهدد حياة أفرادها، وفق ما يقول ناشطون وصحفيون من المنطقة.

وأمام هذا الواقع المرير المفروض على المنطقة، يطرح المراقبون تساؤلات عن الأسباب التي تعرقل التوصل إلى اتفاق، أو حل ما، رغم توالي جلسات المفاوضات.

وعن الأسباب التي حالت دون استكمال العمليات العسكرية التي بدأتها قوات النظام على أحياء درعا البلد، منذ مطلع الشهر الحالي.

صراع موسكو وطهران

يرى المراقبون أن الصراع غير المعلن بين روسيا وإيران في سوريا، يتجسد بشكل غير مباشر بالعملية العسكرية في محافظة درعا.

حيث تعيق المخابرات الجوية والفرقة الرابعة المقربة من إيران، التوصل لاتفاق دائم في درعا، أما روسيا والمخابرات العسكرية المقربة منها، فلا ترغبان باستمرار التوتر في المحافظة.

وإلى ذلك ذهب محللون سوريون، حيث أشاروا إلى دور إيران الهادف إلى تعزيز نفوذها بشكل أكبر في الجنوب السوري، على خلاف روسيا التي تحاول الحفاظ على صورتها كعرّاب للحل السياسي الذي تسعي إليه في سوريا.

كما أشار المحللون إلى أن الفريق الذي يتبع الفرقة الرابعة كان يعطل أي اتفاق، من خلال قيام الفرقة بالهجوم أو القصف، عندما تبدأ مؤشرات الاتفاق بالظهور.

وربط النشطاء والإعلاميون في درعا استمرار التصعيد بدور إيران الذي تلعبه لتعزيز نفوذها في المنطقة.

ومع أن ذلك لم يثبت من خلال أي تصريح أو تحرك على الأرض، تتم الإشارة إليه استناداً على أن الفرقة الرابعة، التي تتهم بالارتباط بإيران، هي الطرف الذي يقود العمليات على الأرض ويفرض الحصار أيضا.

ومع ذلك يستبعد بعض المتابعين أن تكون إيران وراء التصعيد في درعا بشكل مباشر، ولكنها تستفيد من هذا التصعيد، وتعمل على تعزيزه.

في حين يرى آخرون وجود تضارب في المصالح بين إيران وروسيا في ملف الجنوب، لكنه لم يصل إلى مرحلة كسر العظم بعد.

ويعتقدون أن روسيا التي لم تتواجد في الأيام الأولى من التصعيد، إلّا أن عدم تغطية قواتها الجوية لهجمات النظام على درعا، وجه صفعة للإيرانيين وللنظام، مفادها أنهم لا يستطيعون الصمود أمام شباب درعا دون مساعدتها.

من جهة أخرى يرى بعض المتابعين أن التراكمات والإشكاليات الأمنية بين النظام السوري ومناطق التسويات، تسببت بالتصعيد في المنطقة، وأن الأمور كانت مرشحة للتفجير في أي وقت، بعيداً عن أي دور مباشر لروسيا وإيران.

درعا تختنق

قطعت قوات النظام المياه والكهرباء والمواد الأولية والغذائية عن درعا البلد، وبعض المناطق المحاذية لها في محاولة لبسط سيطرتها على كامل المدينة.

ولجأ عدد من العائلات بعد انقطاع الطحين، وإغلاق المخابز، إلى صناعة الخبز في المنزل، بما تبقى لديهم من الطحين، أو من الطحين الذي يتم جلبه من حي درعا المحطة، بكميات قليلة جداً، بسبب منع دخول السيارات، من قبل الحاجز العسكري الذي يسمح للنساء فقط بالخروج من درعا البلد.

وقال أحد أعضاء “اللجنة الإغاثية” بالمحافظة إن كميات الطحين المخزنة في المدينة نفذت منذ عدة أيام، ما جعل مدينة درعا البلد خالية من الخبز، بالتزامن مع انقطاع تام للماء والكهرباء عن أحياء المدينة.

وأضاف المصدر أن الآبار الخاصة التي لم تسيطر عليها قوات النظام، هي المصدر الوحيد لمياه الشرب في المدينة، والتي لا تتوفر بكثرة نتيجة انقطاع الكهرباء، جراء الحصار المفروض على درعا البلد.

وكادت الخدمات الصحية أن تتلاشى، حيث خرجت النقطة الطبية التي كانت تعمل في منطقة درعا البلد عن الخدمة بعد قصفها عند بدء التصعيد العسكري على درعا البلد، ويتم العمل حالياً من خلال نقطة طبية إسعافية.

وكان أحد أطباء مدينة درعا  قد وجّه في بداية الشهر الجاري رسالة ناشد فيها المنظمات الإنسانية للتدخل لوقف المأساة التي تعيشها الأسر المحاصرة في درعا البلد ومحيطها، وأكد فيها “أن من يحتاج إلى عمل جراحي كبير هو بحكم الميت، لأن الطرق مغلقة، ولا نستطيع إسعاف المريض إلى المشفى المركزي ولا إلى المشافي الخاصة”.

وأوضح أن الاحتياجات كبيرة، والإمكانيات غير موجودة، والأدوية قليلة، وخاصة أدوية الالتهابات والمسكنات وأدوية التخدير وأدوية الأمراض المزمنة، والمستلزمات الإسعافية توشك على النفاذ.

مباحثات وإضراب

تزامناً مع التصعيد العسكري على أحياء درعا البلد، عقد اجتماع عبر الانترنت بين المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، ومجموعة من الناشطين في درعا، لتوضيح ما وصلت إليه الأمور في المحافظة.

وتم خلال الاجتماع إبلاغ المبعوث الدولي بالأحداث الاخيرة، والحصار المفروض على درعا البلد وحي طريق السد والمخيمات، وعلى أجزاء كبيرة من المحافظة، وحول المفاوضات ومسارها، وأسباب تعثرها.

وطالب المجتمعون المبعوث الدولي برفع الحصار عن درعا، ودعوا كل الجهات الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها، والالتزام بتنفيذ اتفاق التسوية 2018.

فيما وعد بيدرسون بزيارة وفد من مساعديه للمدينة بأقرب وقت، وأكد على نقل مطالب اللجنة المركزية في درعا إلى أروقة الأمم المتحدة.

كما نظم نشطاء في ريف درعا، إضراباً عاماً تنديداً بالحصار الذي تفرضه قوات النظام على درعا البلد، والقصف الذي تتعرض له المدينة.

ومنع المضربون موظفي الدولة وآليات النقل، من الدخول إلى مركز مدينة درعا، وسمحوا لطلاب الجامعات والمدارس فقط بالتنقل بين مركز المدينة وقرى المحافظة.

كما أُغلقت المحال التجارية أبوابها.

وهدد قيادي سابق بفصائل المعارضة، بأن أبناء ريف المحافظة قادرون على فرض حصار على مركز المدينة، عن طريق قطع الطرق المؤدية إليها، ومنع الموظفين من مزاولة أعمالهم.

أوراق للتفاوض

يرى متابعون مقربون من النظام السوري ضرورة عقد اتفاق جديد ينص على سحب السلاح الفردي من المنطقة، وإجراء مصالحة للمجموعات الرافضة لتواجد الجيش فيها، عن طريق تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم، أو خروجهم إلى الشمال السوري.

ويعتقد هؤلاء أن ذلك سيحدث قريبا باعتبار أن روسيا تطالب بسحب السلاح وضبط الوضع الأمني في تلك المنطقة، لأنها تشعر بالفشل في توفير الأمن للأهالي، وأنها عرضت الجيش السوري للكثير من المخاطر.

وكانت عدة نقاط عسكرية لقوات النظام السوري قد تعرضت لهجمات مسلحة في الريفين الشرقي والغربي لدرعا أثناء اقتحام قوات الفرقة الرابعة لأحياء درعا البلد.

ولم تسجل أي مشاركة عسكرية للقوات الروسية أو سلاح الجوي الروسي خلال التصعيد القائم في المنطقة.

بينما يعتبر المراقبون أن أهمية المنطقة تدفع اللاعبين الرئيسيين فيها إلى السيطرة عليها لتكون ورقة رابحة بيدهم خلال التفاوض المستقبلي.

فروسيا تسوّق للعالم أن تجربتها في الجنوب ناجحة، وأفضت إلى استقرار المنطقة، لكن ما

الأحداث الأخيرة في درعا أثبت للعالم فشل التجربة الروسية في الجنوب.

وفي تقرير لها قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن تجدد القتال في درعا يثير الشكوك بشأن قدرة موسكو على لعب دور الوسيط بشكل فعال، حيث يحاول النظام إخضاع جنوب سوريا بالكامل لسيطرته، بدعم جزئي من إيران والمليشيات الموالية لها.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاشتباكات الدائرة تهدد بتقويض مصداقية روسيا كحكم سياسي في سوريا، رغم المكاسب التي حققتها من خلال الانحياز إلى النظام للحفاظ على قبضته على السلطة.

لذلك تحاول روسيا ترميم ما خربه النظام من جهودها، ولكنها لا تسمح بهزيمته عسكريا، لكي لا يعود الوضع إلى المربع الأول.

مآلات الصراع

إلى جانب بيان الأمم المتحدة الذي صدر في الخامس من الشهر الحالي، وأشار إلى أن “الصورة الصارخة المنبثقة من درعا البلد، وأحياء أخرى تؤكد مدى تعرض المدنيين هناك للخطر، بسبب العنف والقتال المستمر تحت الحصار”.

ووصف الحملة العسكرية بأنها “الأكثر خطورة منذ عام 2018، بعد اتفاقات المصالحة التي توسطت فيها روسيا”.

كان المجتمع الدولي قد ندد بالتصعيد في درعا، حيث دعا وزير الخارجية الأميركي إلى وقف الهجوم بشكل فوري.

وطالب الاتحاد الأوروبي بحماية المدنيين، ودعت وزارة الخارجية الكندية إلى وقف إطلاق النار في درعا وجميع الأراضي السورية، مشيرة إلى أنه “من حق أهالي درعا العيش بأمان”.

ونتيجة لهذه الضغوط، إلى جانب الضغوط الداخلية، والضغط الروسي، وبفعل المقاومة التي يبديها أبناء المحافظة، يتوقع المراقبون أن يتم التوصل إلى تسوية ما في نهاية المطاف.

ويرون أنه ليس من مصلحة النظام خوض معركة مفتوحة ضد الأهالي من الناحية السياسية على الأقل.

ويمكن أن يوفر على نفسه تبعات هذه السياسية بالوصول إلى تسوية ما، وقد تكون هذه التسوية مؤقتة أيضا.