لكل السوريين

الفساد الإداري

ان الهـدف المنشـود مـن وراء نصـب الإدارات العامـة والخاصـة هـو تحقيـق المصـالح ً العامة للناس، والخاصة التي لا تتعارض معها، وجب الوقـوف في مواجهـة مـا يكـون شـوكا ً في درب التنميــة الإداريــة، والفســاد الإداري الــذي يتخــذ صــورا عديــدة ظــاهرةٌ عالميــة، ومشكلة تعيش مع الزمن، لا تقتصر على مجتمـع معـين، بـل تعـاني منهـا الأجهـزة الإداريـة في مختلف الدول والحكومات، الأمر الذي يتطلب تكريس الجهود العلمية، ويحـتم الإسـهام في التنويـه بـالعلاج الوقـائي والمـادي لهـذا الفسـاد، وقد تحدثنا عن الفساد في بعض المقالات السابقة لنظرا لأهمية وخطر هذه الآفة في تفكيك للحكومات والإدارات والمجتمع. تتجلى أهمية الشيء بأهمية متعلقة، فالإدارات عامة، والإدارات الخاصة إنما وضعت لتحقيق مصـالح النـاس العامـة، وفي فسـاد الإدارة مسـاس لهـذه المصـالح، فيفضـي ذلـك إمـا إلى تعطيلهـا، أو تقليلهـا.

تتعدد أسباب الفساد الإداري وتختلف باختلاف الأفراد والحكومات والدول التي تقع فيها ظاهرة الفساد الإداري، ويمكن تحديد أسباب الفساد الإداري في ثلاث بنود ومنها الفردية تعود إلى طبيعة الفرد وقيمه الأخلاقية، التي اكتسبها من المجتمع الذي يحيط به، أو من العادات والتقاليد التي نشأ عليها، أو من تربيته الأخلاقية في البيت، كالطمع والجشع مثلا، فهو سبب فردي بحت، ويدفع الفرد إلى ممارسات بعض السلوكيات التي ينحرف فيها عن الأخلاقيات المثالية العامة، وقد تتدخل بعض العوامل الفردية في هذه الأسباب، منها: العمر والجنس والتحصيل الدراسي والبيئة المحيطة والظروف المعيشية الصعبة وعدم توافر وتكافؤ فرص العمل. اما الأسباب التنظيمية فتعود بعض أسباب الفساد الإداري إلى الأسباب التنظيمية الراجعة إلى الإدارة العليا للإدارات او حكومات الدول ، ومن هذه الأسباب: أن يتم وضع بعض استراتيجيات المؤسسة وسياستها لخدمة فئة معينة من داخل أو خارج المؤسسة لخدمة أغراض شخصية لهم وذلك يعود لمصالح وفوائد خاصة والتي تتعارض مع المصلحة العامة، ومنها عدم اتخاذ المؤسسة إجراءات رقابية لحمايتها من أنواع الفساد المختلفة، أو إجراءات داعمة لديمومتها، ومنها وجود خلل في الأنظمة والقوانين التي تدعم حالات الفساد وتكريس بعض القوانين لتمرير مصالح خاصة بسبب خلل او ضعف في سن القوانين، ووضع الأشخاص غير المناسبين في مناصب قيادية في المؤسسات او الإدارات، ودخول عنصر المحاباة والقرابة في توظيف الموظفين، واختيار أحد الموظفين غير المؤهلين ولا يمتلكون الكفاءة اللازمة للقيام بوظيفة ما خارج ضوابطها الأهلية.

ليس هناك تعريف محدد للفساد بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم، لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص.

ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد إن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً.

إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأسمالية حيث تختلف درجات هذا الفساد إلى اختلاف تطور مؤسسة الدولة. إما في بلدان العالم الثالث فإن لفساد مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاه الاجتماعي تصل إلى أقصى مدياتها، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة. فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطئ من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي.

إن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس. إن الفساد له آلياته وآثاره ومضاعفاته التي تؤثر في نسيج المجتمعات وسلوكيات الأفراد وطريقة أداء الاقتصاد وتعيد صياغة (نظام القيم) وهناك آليتين رئيسيتين من آليات الفساد: آلية دفع الرشوة والعمولة المباشرة إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة، وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات الأجنبية.

. وضع اليد على (المال العام) والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي.

وهذا النوع من الفساد يمكن تسميته بـ(الفساد الصغير) وهو مختلف تماماً عما يمكن تسميته بـ(الفساد الكبير) المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات وتجارة السلاح، ويحدث مثل هذا الفساد الكبير عادةً على المستويين السياسي والبيروقراطي مع ملاحظة إن الأول يمكن أن يكون مستقلاً بدرجة أو بأخرى، عن الثاني أو يمكن أن تكون بينهما درجة عالية من التداخل والتشابك. إذ عادةً ما يرتبط (الفساد السياسي) بالفساد المالي حين تتحول الوظائف البيروقراطية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد.

ومن بعض المظاهر المتعلقة بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية في مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا والتي تتواجد بأغلب المؤسسات وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار وتحويل مكان العمل الى مجلس لاستقبال الضيوف وتقديم القهوة والشاي، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي. والواقع إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار أحدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى.

ومع تعدد التعاريف المتناولة لمفهوم الفساد، إلى أنه يمكن القول إن الإطار العام للفساد ينحصر في سوء استعمال السلطة أو الوظيفة العامة وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة او التكاسل في تأدية الواجب. علينا دائما ان نتذكر بان افة الفساد هي ظاهرة خطرة تكون سببا رئيسياً في تدمير الحكومات والدول والمجتمعات. لذا علينا دائما إيجاد الحلول وسن القوانين ووضع الرقابة في جميع المؤسسات والإدارات لمنع الفساد بجميع اشكاله ومسمياته والاهم من ذلك ان لا ينجرف الفرد للطمع والجشع في تحقيق منافع ومصالح شخصية وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة.

يتبع ….

مظلوم هادي