لكل السوريين

أحداث تونس.. انقلاب على الديمقراطية أم تصحيح لمسارها

تقرير/ لطفي توفيق 

تشير الأحداث الجارية في تونس إلى أن البلاد تتجه نحو أزمة سياسية قد يطول أمدها، وقد تدخلها بفترة من الشلل السياسي، حيث تشهد الساحة السياسة التونسية حالة من الفوضى، قد لا تمكّنها من العودة إلى الوضع الطبيعي بعد انتهاء تعليق عمل مجلس النواب، وقد تحول دون

دون إصلاح النظام السياسي الذي يطالب به التونسيون منذ بداية ثورتهم.

وقد تساهم الوعود بمساعدات مالية خارجية وشيكة، كثر الحديث عنها مؤخراً، بترحيب العديد من التونسيين بإجراءات.

كما أن التحقيقات الجديدة المتعلقة بمكافحة الفساد ستزيد من شعبية الرئيس التونسي، ولكنها ستؤدي إلى تفاقم الاضطرابات في حال محاسبة من هم في السلطة من الفاسدين.

ما يثير تساؤلات متعدة حول مستقبل المسار السياسي الذي بدأه الرئيس التونسي، وهل هو انقلاب على الدستور وعلى المسار الديموقراطي، ويهدف إلى القضاء على مكتسبات ثورة الياسمين في تونس، والرجوع إلى دكتاتورية الرجل القوي، كما وصفته صحف ومواقع إخبارية.

أم هي بداية النهاية لحكم حزب النهضة في تونس، وبداية نهاية الإسلام السياسي في المنطقة، كما وصفته صحف ومواقع إخبارية أخرى.

مخاوف على الحريات

اعتقال نائبين في البرلمان الذي جمّد الرئيس التونسي أعماله، وفتح تحقيق حول أعمال عنف من قبل متظاهرين ضد قرارات سعيد،

وإعلان القضاء عن فتح تحقيق حول ارتكاب أنصار حزب النهضة  لأعمال عنف خلال الاحتجاجات التي تمت أمام البرلمان، وشهدت اشتباكات بين أنصار الرئيس ومعارضيه.

كل ذلك أدى إلى زيادة المخاوف على الحريات في تونس.

ومع أن قرارات الرئيس سعيد تحظى بتأييد معظم التونسيين، بعد سنوات من سوء إدارة الحكم والفساد والركود السياسي في البلاد.

إلّا أن بعض الأوساط والقوى السياسية تعلن تخوّفها من هذه التطورات، وتشير إلى أنها خطوات باتجاه التضييق على الحريات العامة، وحرية التعبير بشكل خاص.

بينما ينتقد آخرون الرئيس لأنه لم يتخذ بعد الخطوات الضرورية لطمأنة التونسيين، بما في ذلك تعيين رئيس الوزراء، والإعلان عن خارطة طريق لإنهاء إجراءات الطوارئ.

تغيير ومراوغة

في موقف جديد، اعتبره المتابعون مراوغة سياسية مكشوفة، دعا راشد الغنوشي إلى ضرورة تحويل قرارات الرئيس قيس سعيّد إلى “فرصة للإصلاح”.

وقال إنه يتعين تحويل الإجراءات التي اتخذها الرئيس، إلى مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي.

وكان رئيس حزب النهضة قد وصف قرارات الرئيس التي تضمنت إقالة الوزارة، وتجميد عمل البرلمان بأنها “انقلاب”.

وقال حزبه، وهو أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان التونسي، في بيان عبر صفحته على فيس بوك إن “ما قام به قيس سعيد هو انقلاب على الثورة والدستور، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.

ثم خفف حزب النهضة من لهجته المعادية للرئيس، وردد تصريحات الغنوشي التي تضمنت موقفه الجديد، ولهجته المخففة التي دعت إلى تحويل إجراءات الرئيس إلى فرصة للإصلاح.

وأثار تغير موقف الغنوشي قلقاُ متزايداً داخل حزب النهضة، ودفع بعض كبار الشخصيات والشباب لدعوة زعيمهم إلى التنحي.

تباينات في صفوف المعارضة

تباينت مواقف الأحزاب السياسية من التطورات التي تشهدها تونس، بين مؤيد لها، ومتحفظ عليها، ومناوئ لطروحاتها، ومنتظر لنتائجها.

وكان التيار الديمقراطي، أول من اختلف مع قراءة الرئيس للفصل 80 من الدستور التونسي.

واعتبر أن ما ترتب عن هذه القراءة من قرارات وإجراءات “خارج الدستور”.

ولكن الحزب حمّل مسؤولية الاحتقان الشعبي، والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي، للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي.

ودعا التونسيين إلى “عدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج”.

واعتبر حزب العمال اليساري في بيان له أن خطوة الرئيس “تدشن مسار انقلاب باتجاه إعادة إرساء نظام الحكم الفردي المطلق من جديد”.

وحذر مما أسماه “سقوط البلاد في دوامة العنف والاقتتال والإرهاب”.

ومن جانبه، اعتبر رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، أن القرارات التي اتخذها قيس سعيّد “تتجاوز أحكام الدستور وتمثل انقلابا لا غبار عليه”.

ولكنه طالب بـ “محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة وإصلاح المسار”.

بيمنا اعتبر حزب قلب تونس، قرارات سعيّد بأنها “خرق جسيم للدستور ولأسس الدولة المدنية، وتجميعا لكل السلط في يد رئيس الجمهورية والرجوع بالجمهورية التونسية للحكم الفردي”.

ومن جهته، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التسريع بتعيين حكومة إنقاذ لتفادي الفراغ السياسي، بعد تعليق عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام مشيشي.

وقال الاتحاد في بيان له “ندعو إلى التسريع بتعيين رئيس حكومة إنقاذ مصغرة ومنسجمة تكون لها مهمات محددة عاجلة واستثنائية وتلبي الاستحقاقات الاجتماعية من توفير الشغل ومحاربة الفقر والتهميش.. وتجابه باقتدار جائحة كوفيد-19”.

ونبه الاتحاد الذي جدد دعمه لقرارات سعيّد إلى أن “أي تأخير في ذلك سيعمق الفراغ ويعسر الخروج من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية” التي تواجهها تونس.

يذكر أن أنظار الكثيرين تتجه إلى الدولة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات في الشرق الأوسط.

ولا أحد يعرف إن كان النظام الاستبدادي سيعود لها، أم سيولد نظام جديد يؤكد على بقاء تونس في موقع الريادة على صعيد حركات التحرر من الأنظمة المستبدة.

ومن الصعب تخيلها في هذا الموقع دون حدوث تغييرات جوهرية في النظام الذي أوصلها إلى هذه الأوضاع.

والرهان معقود في الوقت الراهن على الرئيس الذي يتمتع بتأييد الشارع حتى الآن.