لكل السوريين

درعا .. شرارة ثورة أسبابها أنصاف الحلول!

سواءً اختلفنا أو اتفقنا لا أحد ينكر أنَّ انطلاقة الحراك الثوري الشعبي السوري ضدّ نظام الطاغية بشار الأسد بدأ من درعا، حيث تسارعت الأحداث هناك وامتد إلى كافة الأنحاء السورية في مشهد دراماتيكي غير مسبوق، ولن أخوض بتفاصيل الأحداث السابقة، ولكن دعونا نركز على طريقة تعاطي النظام السوري مع الأحداث في السابق، وفي الوقت الحالي نجد أنّه لايزال يحافظ على نفس الخطاب، ونفس الأسلوب إلى هذا اليوم، باستثناء ما حصل بدرعا برعاية روسية في عام ٢٠١٨ حيث قدمت روسيا شكلاً من أشكال الحل هناك والذي سمي بالمصالحات بين قوات المعارضة والنظام، وكانت هي الضامن والآن وبعد مضي ثلاثة أعوام على هذه المصالحات لم يتغير شيء من جهور الأزمة السورية، ولنطرح سؤالاً بسيطاً “هل قامت المظاهرات والاحتجاجات في درعا مطلع ٢٠١١ من أجل الوصول إلى مصالحة مع النظام؟!” بالتأكيد الجواب لا.

منذ بدء الحراك الثوري في وجه النظام السوري يحاول النظام عبثاً الالتفاف على مطالب الحراك وتمييع القضية واختزالها في مشهد رسمه في أقبية استخباراته، وينطلق فكر النظام من قاعدة واحدة وهي تشويه شكل الحراك ورفض  المطالب الشعبية واعتبار الدولة السورية وجميع مؤسساتها منزه عن كل عيب وكأنّنا نعيش في المدينة الفاضلة، عشرة أعوام على انطلاق الحراك لم يعترف فيها النظام السوري بوجود إي خلل فيه بل على العكس زادت الأعوام العشر من فاشيته وعنجهيته، وكيف لا ومجموعة واسعة من القوى الدولية تقف في صفه ومن وراءه، ما يجري في درعا الآن هو نتاج طبيعي لأنصاف الحلول التي قدمها النظام مرغماً بسبب ضغوط حليفه الروسي.

سعت روسيا منذ بداية تدخلها المباشر في الأزمة السورية إلى تجزيئ الأزمة جغرافياً تبعاً للمناطق ، وفي كل منطقة كانت تقدم رؤية مختلفة للحل فالسياسة التي اتبعتها في حلب تختلف عن حمص وكذلك إدلب تختلف عن حماة وعن درعا وشمال شرق سوريا يختلف عن شمال غرب سوريا وكذلك الجنوب، ومن خلال هذه السياسة استطاعت تفريق صفوف المعارضة وتقسيمها إلى معارضات، حيث علت المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة لسوريا ككل، وأيضاً بهذا منعت ظهور أجسام سياسية قوية ومستقلة قادرة على التفاوض مع النظام وطرح مشاريع وطنية تصب في الصالح السوري، وهكذا  تفرد النظام بقرار سوريا الخارجي والتعاملات الخارجية مع اللجان والمنظمات الدولية، وخاصة أنَّ روسيا من خلال نفوذها الدولي استطاعت توفير الحماية له ومنع ملاحقته على الجرائم المرتكبة أو استصدار أي قرار دولي يجرمه، بالعودة للأسباب المباشرة لاشتعال الأحداث الأخيرة في درعا نجد أنها استمرار للنهج الذي اتبعه النظام بتوصيات من حليفه الإيراني وامتداد لما تم التفاهم عليه في أستانا بين الروس والأتراك والإيرانيين، من عمليات تغيير ديموغرافي ممنهجة، لأن شرارة الأحداث حسب بعض الجهات المطلعة كانت سعى النظام لتهجير قسم من مقاتلي المعارضة السابقين ممن قاموا بالمصالحات و التسويات  باتجاه إدلب، وهذا ما تم رفضه من قبلهم، ويعتبر هذا من صميم اتفاقيات استانة القائمة على عمليات التغيير الديمغرافي، والسؤال الحاضر الآن أين سيتم توطينهم في هذه الحالة؟!

بالتأكيد  ستتولى تركيا الجانب الآخر من العملية لتقوم بتوطينهم بأراضي عفرين المسلوبة، وبعدها تبدأ بعمليات تجنيد منظمة لهم لتزجهم بمعارك خارجية كالتي بدأتها بليبيا واذربيجان وشمال العراق وأخيراً  أفغانستان، وهنا يظهر وجه الشراكة الحقيقي بين أطراف استانة الساعيين للهيمنة على جميع المقدرات السورية، بالنتيجة المعارضة السورية في درعا وقعت في فخ أنصاف الحلول التي زينتها لهم روسيا ، و أيضاً النظام لم يحسب حساب خروج زمام الأمور من يديه حيث تمسك ثوار درعا بأرضهم ولم يقعوا بالفخ الذي وقع به ثوار المناطق الأخرى، و في مشهد وصف بأنه عود على بدء (درعا مهد الثورة)، وهذا ما يثبت دون أدنى شك صواب السياسة التي تتبعها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وعدم والوقوع في فخاخ  روسيا والنظام القائمة على أنصاف الحلول وتجزيئ المجزأ، إذ نشهد  كل فترة دعوة، أو محاولة ضغط من هنا ومن هناك سواء من روسيا أو النظام لإجراء مفاوضات بضمانات روسية وفق رؤية النظام وروسيا للحل وذلك للالتفاف على مطالب الشعب السوري، والابتعاد عن حل جوهر الأزمة السورية المتمثل بالنظام المركزي الشمولي المستبد المعتمد على القومية الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة في بلد متعدد القوميات والثقافات والأديان ، ولهذا تعتبر الإدارة الذاتية أن لا حل للأزمة السورية إلا من خلال الحوار السوري القائم على الندّية ومشاركة جميع الأطراف في الحوار بعيداً عن الأجندات الدولية والإقليمية التي عمقت الخلافات السورية، وجرَّت بعض الأطراف إلى مستنقعاتها وحولت قسم كبير من المعارضة إلى مرتزقة دوليين مرتهنين لها، على حساب حل القضية السورية وجرِّ الأزمة السورية إلى هاوية زمنية سحيقة