لكل السوريين

أكثر من عامان على الاحتلال.. العثمانيون يبدأون إعادة أمجادهم من بوابة مدينة الزيتون السوري

منذ تعمقها في الشأن السوري الداخلي، من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية، سعت دولة الاحتلال التركي لتحويل مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، شمال غرب سوريا، سعت لإلحاقها بلواء الاسكندرون الذي بات الآن إرثا تركياً غير قابل للتساوم.

عفرين، جرابلس، الباب، إعزاز، رأس العين، تل أبيض، خمسة مناطق تتجاوز مساحتها ضعف مساحة لبنان أو أكثر بقليل، خضعت جميعها لسيطرة الاحتلال التركي، الذي استطاع عبر وكلاء له جعل تلك المناطق أقاليم تابعة للولايات التركية القريبة من الحدود مع سوريا.

كما وسعى الأتراك لخلق تبريرات لعدوانهم على عفرين بحجة أن أبنائها السوريين الذين يدافعون عنها، ويحمونها من هجمات جبهة النصرة الإرهابية، أنهم إرهابيون ويريدون فصلها عن سوريا الأم، ولكن هذه المحاولات لم تنجح، ليضرب أردوغان عرض الحائط بطوله؛ معلنا في 20 كانون الأول من العام قبل الماضي ’’2018’’ عن بدء عدوان من أكثر من ثلاث جبهات شاركت فيه كل التنظيمات المصنفة إرهابيا على المستوى العالمي.

كان احتلال عفرين هو امتداد لسلسلة اعتداءات تركية على الجوار السوري، بدأت بضم لواء اسكندرون في 29أيار عام 1937م بعد إصدار عصبة الأمم المتحدة لقرار ضم اللواء لتركيا، واُعتمد وقتئذ من قبل الدول التي كانت تهيمن على العالم ’’بريطانيا وفرنسا’’.

بقيت تركيا متريثة تستمر اندلاع فوضى في سوريا والعراق حتى يتسنى لها التوغل، وبالفعل ما إن اندلعت الأزمة في سوريا حتى كشر أردوغان وزبانيته عن أنيابهم وأعلنوا دعمهم للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها النصرة وداعش.

بعد اندلاع الأزمة، أتبعت تركيا باسكندرون؛ إعزاز، شمال حلب، تلتها، بالباب شرقا، وكان ذلك بتاريخ الـ 23 من شباط من العام 2017، بعد مسرحية استعادة بموجبها السيطرة على المدينة من قبضة تنظيم داعش.

وقبيل السيطرة على الباب ببضعة أشهر؛ استعادة السيطرة أيضا على مدينة جرابلس المحاذية لها والتي تبعد عن مركز مدينة حلب مسافة 125 كم.

ما إن حطّت تركيا ومرتزقتها من التنظيمات الإرهابية الرحال في كل من جرابلس والباب حتى خرج الأهالي في مظاهرات مناوئة للغزاة، وتنديدا بالانفلات الأمني الذي باتت تشهده المدينتين المحتلتين.

بالعودة للحديث عن عفرين، فقد كانت هي أكثر المدن التي شهدت انتهاكات من قبل الاحتلال وأذنابه، فاستخدمت الآليات الثقيلة لهدم منازل المدنيين، بغية إحداث تغيير ديمغرافي في المدينة، لتوطن فيها عائلات المرتزقة الذين نقلتهم من الداخل السوري إلى المدن التي احتلتها.

واتبعت أيضا أسلوبا قاسيا لإجبار الأهالي على الهجرة ’’تهجير قسري’’، واتضح ذلك من خلال السماح لمرتزقتها بممارسة الخطف مقابل الفدية، فهجر عدد كبير من أبناء المدينة، بعضهم صوب الجنوب، والعدد الأكبر صوب مناطق شمال شرق سوريا.

على صعيد متصل، واصل الاحتلال التركي ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية الفساد في المدينة، حيث وثقت عدة وكالات متعمقة بالشأن السوري انتهاكات الأتراك وسرقتهم للآثار السورية، وأخرها كان أسد عين دارة الذي يشكل رمزا للتراث السوري ككل.

موقف مخجل

على الرغم من أن ما مارسته تركيا ولا زالت تمارسه في المناطق التي احتلتها ’’عفرين، جرابلس، إعزاز، الباب’’ يعتبر تعدٍ على السيادة والأرض السورية، إلا أن الحكومة المركزية في دمشق التزمت موقف المتفرج، وكأنها راضية ضمنيا عن ما يقام هناك.

فلم تبد الدولة السورية أي اهتمام بما يمارس، بل على العكس أطبقت حصارا خانقا على النازحين من عفرين وضواحيها التي احتلتها تركيا، كما ووصفتهم بأنهم كانوا يسعون لفصل المدينة عن سوريا.

كيف بدأ التهجير؟

بدأ القصف العشوائي على المدنيين في 21 من الشهر الأول من العام 2018، وفتح الأتراك الغزاة ومرتزقتهم من التنظيمات الإرهابية ثلاثة جبهات، حيث أن عفرين كانت محاطة من الشرق من مرتزقة السلطان مراد في إعزاز، ومن الشمال الحدود التركية التي حُشدت فيها الدبابات التركية، ومن الغرب إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام ’’جبهة النصرة’’.

على الرغم من أن الاحتلال ومرتزقته يمتلكون أسلحة نوعية، والسوريين من أبناء عفرين يمتلكون أسلحة فردية إلا أن الشعب السوري قاوم أكثر من شهرين تلك الهجمات العنيفة، كل هذا والنظام السوري يلتزم موقف المتفرج، وكأن عفرين ليست أرضا سورية.

سطر السوريون في تلك الأثناء ملاحم بطولية ستسجل في تاريخ سوريا الحديث، والمعاصر، فالمحتل أراد أن يظهر للعالم أنه يدافع عن أمن بلاده، لكنه في الحقيقة كان طامعا في التوسع في احتلال أراضٍ سورية أخرى ليلحقها بالاسكندرون.

بعد أن سيطر الغزاة على مساحة شاسعة في شمال غرب سوريا، فتحوا البوابات الحدودية أمام مرتزقته الذين باشروا بتهريب خيرات المدينة إلى الداخل التركي، فبعد الأثار، اعتمد المرتزقة نقل الزيتون السوري إلى معاصر في الداخل التركي.

تغيير ديمغرافي في عموم المناطق المحتلة

أسلوب آخر اتبع في الباب وعفرين وجرابلس ومؤخرا رأس العين وتل أبيض، ألا وهو التغيير الديمغرافي الذي بدأت معالمه تظهر ابتداء من تغيير أسماء القرى والدوارات والشوارع من تسميتها الأصلية وتسميتها بأسماء ورموز ودلالات تركية.

حتى أسماء المدارس تم تسميتها بالأسماء التركية، واعتماد اللغة التركية كلغة أساسية في المدارس، واعتماد المدن بأنها تابعة للولايات التركية، فعفرين وإعزاز تابعتان إداريا لولاية الريحانية، وجرابلس لغازي عنتاب، وفي حين أن رأس العين وتل أبيض فقد تبعتا لولاية أورفا.

تحويل المنطقة المدنية إلى قواعد تركية

تعرضت الأحياء المدنية في عفرين إلى النهب بطرق ووسائل مختلفة لكن المتهم الرئيسي هنا هو الجيش التركي إذ تمركزت وحداته في التل بعد احتلال جنديريس في نهاية شهر شباط 2018م، وحولت المنطقة إلى قاعدة عسكرية تركية في 14/ 7/2019م.

أربعة فصائل إرهابية خصصتها أنقرة للإشراف على إدارة المنطقة المحتلة الممتدة من جرابلس شرقا إلى منتصف أرياف إدلب الخاضعة لهيئة تحرير الشام، وهذه الفصائل هي ’’الحمزات، الزنكي، فيلق الشام، السلطان مراد’’، حيث كانت تمارس هذه الفصائل أساليب الخطف بأوامر من ضباط في الجيش التركي.

أشجار بالآلاف قطعت وبيعت حطبا

تشتهر مدينة عفرين بكثرة الأشجار المثمرة لا سيما الزيتون، إضافة إلى ذلك فإن أكثرية الأشجار تتجاوز أعمارها الـ 20 عاما، وأفنى أهاليها أعمارهم في خدمتها والعناية بها، ومع بدء الاحتلال قطع المرتزقة مئات الآلاف من الأشجار وباعوها حطبا إلى تركيا، حيث أكد المرصد السوري أن الاحتلال ومرتزقته يواصلون عمليات قطع الأشجار وحرقها.

مناشدات لحماية المدنيين لم تلق إجابات

قدمت بعض المنظمات التي تعنى بالشؤون الإنسانية دارسات مفصلة عما اقترفته أيادي الاحتلال والمرتزقة على حد سواء، لكن أردوغان كان يستخدم اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا للضغط على الجانب الأوربي حتى لا يدينوا ما يمارسه أردوغان.

أما أهالي عفرين فيأسوا من كثرة المناشدات بإيجاد حل لهذه الانتهاكات التي تمارس بحقهم، حيث اعتبروها أنها الأكثر جرما بحق الإنسانية.

احتلال عفرين لا يختلف عن رأس العين وتل أبيض

الحجج التي ابتدعتها تركيا لاحتلالها لتل أبيض ورأس العين شرقي نهر الفرات هي نفسها التي كانت أعلنت قبل عامين لكن هذه المرة بأسماء مختلفة، ففي عفرين أعلنت تركيا أنها تريد ابعاد الخطر الكردي كما ادعت، لكن قد يتساءل مراقبون لماذا احتلت تل أبيض ورأس العين اللتان لا يشكل السوريون من أبناء المكون الكردي فيها نسبة 20%؟.

تقرير/ ماهر زكريا