لكل السوريين

تحت نير احتلال غاشم وبغيض.. عفرين تستقبل عامها الرابع

لطفي توفيق

وصف سكان عفرين اليوم الأول لاحتلال مدينتهم بيوم الجراد بسبب زحف قوات النظام  التركي، والمسلحين الذين يعملون تحت وصايته عليها، وقيامهم بنهب المنازل والمزارع والمحال التجارية، واعتقال الرجال، وخطف النساء, إضافة إلى محاولاتهم العديدة لطمس معالم المدينة.

ولعل ما جرى لعفرين يذكّر بقول الشاعر الفرنسي فيكتور هيجو قبل مئة وخمسين عاماً بمناسبة مذبحة الشعب الأرمني على يد العثمانيين “من هنا مرّ الأتراك فأصبح كل شيء في حالة خراب وحداد”.

وفي الذكرى الثالثة لاحتلال المدينة خرج آلاف النازحين من عفرين بمسيرة احتجاجية، في قرية زيارة، وحمل المتظاهرون صوراً لأشخاص قتلوا على يد القوات التركية وحلفائها، بالإضافة إلى لافتات كتب عليها “كفى احتلالا لأراضينا”.

وأدان المتظاهرون العملية العسكرية التي أطلقت عليها تركيا اسم “غصن الزيتون”، ونددوا بالتجاهل الدولي لهذه الاعتداءات.

ورغم مرور ثلاث سنوات على احتلال المدينة مازالت عمليات الاعتقال مستمرة، وعمليات خطف النساء متواصلة، ومصادرة المواسم قائمة، وبات الاستيلاء على المنازل والمحال والسيارات من الأمور شبه اليومية، وصارت من السلوك اليومي تجاوزات المجموعات المسلحة التي يدير أعمالها الوالي التركي الذي لا تنفع عنده أي شكوى، ويواجه أي اعتراض على الظلم، بالقمع والتعذيب والتهم الجاهزة مسبقاً.

إتاوات وخطف وتهجير

منذ سقوطها تحت سيطرة القوات التركية، تتعرض عفرين لانتهاكات يومية، تمارسها الفصائل الموالية لأنقرة، وخاصة فصيل “السلطان مراد” الذي يفرض الإتاوات على الأهالي.

إضافة إلى فرض ضرائب تصل إلى مئة ألف ليرة سورية، على أصحاب المحال التجارية الواقعة على طريق راجو.

وحسب مصادر من داخل عفرين، يتم إجبار الناس على دفع المبالغ المفروضة بشكل شهري، بحجة توفير الحماية لمحلاتهم.

كما تواصل هذه الفصائل التضييق على المزارعين لإجبارهم على دفع رشاوى مالية وحصص من محصول الزيتون وغيره من المحاصيل الزراعية الأخرى، كما يفعل “لواء صقور الشمال” في قرية خوروز التابعة لناحية بلبل بريف عفرين، بسبب رفض الأهالي لدفع الرشاوى المالية.

وناشد أهالي عفرين المنظمات والجمعيات الحقوقية للتدخل وتسليط الضوء على اضطهاد من  تبقى من سكانها عن طريق فرض الإتاوات وخطف النساء واعتقال الشباب، والقيام بعمليات السرقة والسلب والنهب بحقهم، بهدف إجبارهم على الرحيل من مناطقهم.

مصير المختطفات

وجهت مجموعة من المنظمات الإنسانية دعوة لكافة المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، ودعتها للكشف عن مصير النساء المختطفات في عفرين، والمغيبات قسراً في سجون فصائل مسلحة تابعة لتركيا في عفرين.

وناشدت المنظمات الجهات المعنية، بـ “الخروج عن الصمت والتحرك الفوري وبقوة وفق ما تمليه القوانين والمواثيق والعهود الدولية والإنسانية، والضغط على الدولة التركية للكشف عن مصير المختطفات والمغيبات قسراً والمعتقلات أينما وجدن، سواء في سجونها أو سجون الفصائل المسلحة التابعة لها”.

ووثقت هذه المنظمات إحصاءات لأعداد المختطفات والمغيبات قسراً، وذكرت أن عددهن يزيد عن ألف مختطفة، تم إطلاق سراح بعضهن من قبل الفصائل المسلحة لقاء فدية مالية، ومن قبل المحاكم التركية مقابل غرامات مادية كبيرة.

ولا يزال مصير أكثر من 400 مختطفة مجهولا حتى الآن، وخاصة النسوة اللواتي ظهرن مؤخرا في سجون “الحمزات”، واللواتي عثر عليهن بعد اشتباكات جرت بين فصيل تابع لتركيا، وعناصر مسلحة أخرى، وتم تسليمهن إلى الشرطة العسكرية التركية التي قامت بإعادتهن إلى فصيل الحمزات، رغم لقاء أهالي المختطفات بالوالي التركي، والسعي لإطلاق سراحهن.

كما دعت المنظمات إلى “إجراء محاكمات عادلة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وحماية المدنيين المتبقين في عفرين، وانسحاب كافة القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها، وتأمين عودة آمنة لكافة المهجرين قسرا إلى منطقتهم”.

تغيير ديمغرافي

تشير التقارير الواردة من عفرين إلى أن تركيا قامت بإسكان آلاف المسلحين وعائلاتهم من الأويغور والتركستان، وغيرهم من المسلحين الذين استقدمتهم من دول آسيا الوسطى والقوقاز، في المدينة، فتحول سكانها إلى أقلية فيها، بعد نزوح قرابة ربع مليون نسمة من ديارهم هربا من القتل والقصف، وباتوا يسكنون في مخيمات أقيمت معظمها بريف حلب، حيث لا تسمح سلطات الاحتلال التركي لهم بالعودة إلى منازلهم.

وكانت تركيا قد بدأت مساعيها في وقت سابق من العام الماضي لتوطين لاجئين سوريين في المناطق ذات الغالبية الكردية، لإحداث تغيير ديمغرافي في الشريط الحدودي مع سوريا، رغم ما تعرض له النظام التركي من انتقادات محلية وإقليمية ودولية.

سرقة وتدمير الآثار

في محاولات تهدف إلى تدمير الهوية التاريخية للمدينة، تواصل الفصائل المسلحة التابعة لتركيا سرقة وتدمير آثار مدينة عفرين، كما حدث للكثير من المعابد الأثرية، كمقام نبي هوري، والمسجد التاريخي الذي أقيم باسمه، ومعبد زيوس والمسرح الروماني، وغيرها من الآثار التاريخية التي تعرضت للتدمير، وتعرض ما تبقى منها للسرقة والنهب.

وتعرضت للقصف الجوي التركي كنيسة جوليانوس وهي من أقدم الكنائس في العالم وفيها ضريح مار مارون الذي تعرض للتدمير أيضاً.

كما قام الطيران التركي في الشهر الأول من العام الماضي بقصف معبد “عين دارة” الأثري، في جريمة حرب موصوفة حسب قرار مجلس الأمن رقم 2347 المعني بحماية التراث، وينص في جزء منه على أن التدمير المتعمد للتراث يعد جريمة من جرائم الحرب.

ومازال تشويه الحضارة السورية مستمراً عبر سرقة وتدمير المواقع الأثرية التي نجت من القصف التركي، حيث يواصل عناصر من فصيل الحمزات، المدعوم من تركيا، عمليات البحث عن الآثار في قرية جوقة الواقعة بريف عفرين.

ويقوم هذا الفصيل بحفر مواقع عديدة في المنطقة، منها مزار شيخ جمال الدين، الواقع بين قريتي جوقة وكوكان.

منظمات حقوقية سورية

دعت خمس وأربعون منظمة حقوقية سورية لإنهاء معاناة سكان عفرين، ووقف الانتهاكات اليومية بحقهم، وإعادة المشردين قسراً، وتسليم إدارة المنطقة إلى مجلس مدني مستقل من الأهالي.

وقالت المنظمات، في بيان مشترك “على مدار الأشهر والسنوات التي تلت سيطرة تركيا على عفرين، شهدت المنطقة آلاف الانتهاكات بحق سكانها السوريين، وتنوعت هذه الانتهاكات ما بين الاستيلاء على ممتلكات السكان، وعمليات الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والنهب والسلب”.

وذكر البيان أن “لجنة التحقيق الدولية المشكّلة من قبل الأمم المتحدة رصدت استمرار الانتهاكات في تقريرها الأخير الصادر في شهر كانون الثاني الماضي، مشيرة إلى ارتكاب الجماعات المسلحة الموالية لتركيا جرائم حرب وانتهاكات تتعلق بالحق في الملكية”.

وأشارت المنظمات السورية في بيانها المشترك إلى أن الانتهاكات التي ارتكبت ولا تزال ترتكب في عفرين، هي “جزء من سياسة تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي واسع في المنطقة وتغيير هويتها وبنيتها السكانية، حيث تشير الأرقام التي أوردتها مصادر متطابقة، محلّية وسوريّة، إلى حركة تشريد قسرية أدت إلى نزوح أكثر من 65 % من سكان المنطقة”.

وطالب البيان المجتمع الدولي، ممثلا بمجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وحلف الناتو، بـ”اتخاذ إجراءات فورية لحماية السكان المدنيين في عفرين، ومساءلة الحكومة التركية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، بما في ذلك مسؤوليتها الأساسية كقوة احتلال”.

وكانت لجنة تحقيق دولية مستقلة معنية بسوريا، قد رصدت في تحقيق لها، أنه في الفترة من 11 تموز 2018 وحتى 10 كانون الثاني 2019، تعرض المدنيون “للاعتقال بصورة تعسفية فضلا عن الاختطاف والاحتجاز كرهائن للحصول على فدية”.

وأكدت اللجنة أنه مع اختتام عملية “غصن الزيتون” التي قامت بها تركيا، أصبحت عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفية منتشرة في أنحاء المنطقة.

شركة صادات

تأسست شركة صادات عام 2012 على يد عدنان تانريفردي المقّرب من رئيس النظام التركي لتكون مظلة تخرج منها كل الميليشيات والمرتزقة في الخارج، وهي التي تتولى التنسيق واستقدام الأعضاء، والاتفاق معهم، وتحديد أجورهم، ومصادر تمويلهم، والمهام التي تسند إليهم.

وتعمل هذه الشركة في عشرين دولة حول العالم، وهي من دربت جميع الفصائل السورية الموالية لتركيا.

وحسب المعلومات  المتقاطعة والمؤكدة، فإن منظمة جمعية المدافعين عن العدالة، ومركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجمعية، واتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي، تتبع عمليا لشركة صادات، وهي جزء أساسي من منظومة أردوغان السرية لتنفيذ أطماعه التوسعية، والذراع العسكري لحزب العدالة والتنمية في تركيا، وتعتمد الإرهاب والعنف وسيلة لتحقيق مآرب سياسية.

وتعلن شركة صادات في موقعها الرسمي على الانترنت عن إقامة دورات عن الحرب غير النظامية، أو حرب العصابات، ويمنح المتدربون في دوراتها شهادة “خبرة حماية” تفيد بأنهم اجتازوا الدورة ونجحوا فيها.

وحسب برنامج الشركة، فإن الذين يجتازون دورة الحرب غير النظامية يكتسبون المهارات في مجال التقنيات العملياتية التي تشمل التخريب والغارة والكمين والتدمير والاغتيال والإنقاذ والاختطاف والإرهاب، وإتقان تحركات الشوارع والأنشطة السرية.

وبحسب ما تعلنه على موقعها أيضا فإن شركة صادات تمارس أنشطتها في المناطق القريبة من تركيا في المقام الأول، بالإضافة إلى كل البلدان الإسلامية أو ذات النسب العالية من السكان المسلمين.

وتتولى الشركة تجنيد وتدريب المرتزقة من سوريا ودول آسيوية وأفريقية، بالإضافة إلى دورها في توفير المعلومات الاستخباراتية للمخابرات التركية، وتزويد عملائها بالأسلحة والمتفجرات وغيرها من المعدات العسكرية.

وبحسب تقارير صحافية تركية، فإن فكرة إنشاء نقاط مراقبة تركية في إدلب السورية، واجتياح عفرين تعود إلى شركة صادات.

من الانكشارية إلى صادات

يذكر التاريخ أن السلطنة العثمانية اعتمدت على المرتزقة في العديد من عملياتها العسكرية، وكان الانكشاريون أشهر المرتزقة في التاريخ العثماني، حيث وضعت السلطنة العثمانية آنذاك، قانوناً يجبر أهل كل ضيعة أو مقاطعة تخضع لسلطتها على أن يقدموا عدداً من أبنائهم لهذه السلطة، فتنتزع الأبناء من أسرهم، وتقطع صلاتهم بذويهم، ثم تحولهم إلى عبيد مسلحين للسلطان لا يخرجون من أماكن الخدمة ولا يختلطون بالناس ولا يتزوجون، ويتم توزيعهم على العائلات الفلاحية التركية ليتعلموا اللغة والتقاليد، ثم يتم إدخالهم الثكنات ويتلقون تدريبات قاسية.

وضم العثمانيون أولاد المسيحيين خلال الغزوات، حيث يتم أخذهم من بين أهاليهم وصهرهم في بوتقة واحدة، وشكل هؤلاء نواة جيش الانكشارية أي “الجيش الحديث”.

وكان الانكشاريون لا يعرفون أي حرفة أو عمل غير القتال والحرب.

وكانت الدولة العثمانية تحرص على منعهم من الاتصال بأقربائهم، وتفرض عليهم في وقت السلم أن يعيشوا في ثكنات، تضم المطابخ ومخازن الأسلحة والذخائر وحاجاتهم المدنية.

وكانت ترقياتهم تتم طبقاً لقواعد الأقدمية، ويحالون إلى التقاعد إذا تقدمت بهم السن، أو أصابتهم عاهة تقعدهم عن العمل، ويصرف لهم معاش من قبل الدولة.

وكانت الدولة تحرّم عليهم العمل بالتجارة أو الصناعة أو أي عمل آخر حتى لا ينطفئ حماسهم للاغتيالات والقتل.

وهكذا تتواصل صناعة الإرهاب، وتجنيد المرتزقة في التاريخ العثماني، وتنتقل من السلطان القديم إلى خلفه السلطان الحالي الذي يسير على خطاه، ويسكنه وهم استعادة الامبراطورية العثمانية البائدة.