لكل السوريين

“الدلة” و”الفنجان” رمز وعبق التراث الثقافي السوري الشعبي

تُعد القهوة المرة الأكثر شهرة في المشرق وفي سورية خاصة، وللقهوة المرة ادوات تصنع خصيصاً وهي الادوات المكونة من “دِلال” و”فناجين” و”مهباش” و”نجر” و”محماس”، وفي سورية والدول العربية المشرقية أصبحت رمزاً في بعض الأحيان لأنها تعتبر فيها، تجسيداً لكرم الضيافة المشرقية والعربية.

كما أن صناعة “الدِلال” التقليدية و”السيوف” و”الخناجر” في المرحلة السابقة على الإسلام، كان لها مكانة طيبة في المجتمعات العربية والمشرقية، التي اشتهرت بكرم الضيافة، وحسن الاستقبال فكانت “الدلة” وما تزال الوسيلة الوحيدة لصب القهوة، التي لا بد أن يشربها كل ضيف.

وعلى الرغم من طغيان تقاليد الحضارة الحديثة على الناس، إلا أن الأغلبية ما زالوا يحتفظون بتقاليد معينة، مثل تقليد تقديم القهوة.. وهناك تقاليد معينة لتقديم القهوة ب “الدلة” وتجمع “دِلال”، وهي على أنواع متعددة وأشهرها تلك التي تصنع من النحاس الاصفر والأحمر وتطلى(ترب) من الداخل.

تستخدم كل يوم وتكون مصفوفة فوق حائط الفخيرية، وبعضاً من هذه “الدلال” تصنع من الفضة قديماً او البرونز او النحاس أو من المواد الثلاثة مجتمعة، وأقدم هذه “الدِلال” واجودها وأثمنها “الدلة” البغدادية.

وتحمل كل “دَلة” اسم نوعها على مكان صنعها، باستثناء نوع “دلة الرسلانية” التي تنسب لأسرة “رسلان” في الشام.  وللدلال المستخدمة في صنع القهوة وتقديمها، عدد يختلف من منطقة لأخرى والمعتاد هو استخدام ثلاث أو اثنتين لكن في الاغلب استخدام ثلاث وهي: “المطباخة” او “القمة”، وفيها تغلى القهوة وهي ذات غطاء مسطحاً، وهناك “المصفاة” التي تكون لأكبر دلة، وفيها تجمع حثالة القهوة، كما تصفى بها القهوة. واخيراً “المبهارة” أو “المزل” التي تقدم بها القهوة للشرب.

أما خطوات تصنيع القهوة المرة، فهي تتم على مراحل، تبدا عادة من وضع حبوب البن على النار بواسطة “المحماسة” وهي إناء مقعر، حيث يحرك فيها البن بواسطة عصيتان حديديتان على شكل معلقة ذات يد طويلة يسميه أهل “الرقة” “المحماس”، يحرك البن حتى تنضج الحبات جميعها، ومن ثم تطحن القهوة وتدق بواسطة “النجر”، ثم تخلط مع بهاراتها من الهيل والقرنفل والزعفران في دلة كبيرة هي “القمقوم” او “المبهار”، وتسكب بعد عدة عمليات مركبة في دلة مناسبة وتقدم للضيوف.

تقدم القهوة العربية المرة وفق عادات وتقاليد متعارف عليها بين الناس منها: ان من يقوم بصب القهوة ان يكون واقفاً ماسكاً الدلة في اليد اليسرى، وذلك من اجل أن يقدم الفنجان للضيف او الشارب باليد اليمنى، وان تكون القهوة مسكوبة بالفنجان بكمية محدودة جداً وهذا مبدأ عام، وعلى “القهوجي” أن لا يجلس حتى ينتهي جميع الحضور من شرب القهوة، وعند سكب القهوة وتقديمها للضيوف فعلى “القهوجي” ان يبدأ من اليمين، او انه يبدأ بالضيف إذا كان كبير السن، وعلى”القهوجي” أيضاً أن يكرر السكب حتى يقول الضيف كفى او بهزة الفنجان، ومن مهارات “القهوجي” أن يحدث صوتاً خفيفاً مصدره اصكاك الفناجين ببعضها البعض لتنبيه الضيف إذا كان شارداً، إلا أن هذه الحركة بإصدار الصوت تتم فقط في اوقات الفرح والايام العادية، اما في أوقات الحزن كالعزى فلا تجوز.

وللذة شرب القهوة تقول العرب: الفنجان الأول لراسي، والثاني لبأسي، والثالث لعماسي، ويقصد بذلك ان الفنجان الأول لرأسي أي انه يزيل النعاس عن رأسي او عقلي ويجعله نابهاً، أما الفنجان الثاني لبأسي أي بعد شربه يزيدني بأساً وشجاعة، والمقصود بالفنجان الثالث انه يزيل الصداع واللبس وهذا مقصده بالعماس.

ومن المتعارف عليه أن “القهوجي” لا يصب القهوة للضيف في فنجاب معيوب أي فيه كسر، بل يجب أن يكون الفنجان سليماُ، آذ يعتبرون الفنجان المعيوب يجلب الشؤم.

وتعتبر دلة القهوة رمز للجمال الفني، وليس مجرد وعاء من النحاس ولاسيما الدلة المصنوعة يدوياً والتي غالباً ما تحمل إصم صانعه، ولذلك كثيرأً ما نجد لوحات تشكيلية تجسد الطبيعة الصامتة، الدلة والفناجين كما نحتوا شكل الدلة بخامات من عروق رائعة. كما أننا نجد أن الادباء والشعراء لم يكتفوا باحتساء فنجان القهوة عند الكتابة، بل استعانوا بها في كتاباتهم وقصائدهم للدلالة على معان متعددة تظهر في سياق القصيدة كقول نزار:

جلست والخوف في عينيها/تتأمل فنجاني المقلوب/قالت يا ولدي لا تحزن/ فالحب عليك هو المكتوب.. وتعتبر مدينة “الرقة” من المدن السورية المشهورة بصناعة القهوة المرة والحلوة.. “ركوة” غطت الفن وعدلت المزاج..