لكل السوريين

كل العيون عين عيسى

بلدة عين عيسى من المدن والبلدات التابعة لمحافظة الرقة وتقع على الطريق الدولي M4 الرابط بين مدن الشمال السوري وتبعد عن مدينة الرقة قرابة 60 كم، وهي ذات موقع استراتيجي وحيوي بالنسبة للمنطقة، وكان غالبية سكانها سابقا من البدو، إضافة للمكونات الأخرى وقد ازدادت أهميتها خلال سنوات الأزمة السورية بعد أن اتخذها مجلس الرقة المدني وفور الإعلان عن تأسيسه مقرا له، ومنها باشر إدارة مكاتبه ولجانه المختلفة في مدينة الرقة وريفها، وهي في ظل هيمنة داعش حتى انتهاء عمليات تحرير المدينة وإخراج فلول داعش منها. حينها انتقل المجلس إلى مدينة الرقة وبكل لجانه ومكاتبه.

واليوم وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على إعلان تأسيس مجلس الرقة المدني وسنتان ويزيد على إحداث الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، هذه الإدارة التي أثبتت أنها قادرة على إدارة منطقة شمال شرق سوريا وبنجاح باهر، حتى غدت رقما صعبا في المعادلة السورية ذات الحل الوحيد.

من خلال فهم ودراسة كل ما ذكرناه أنفا وبعمق ندرك ونستوعب ما يحصل الآن في منطقة عين عيسى وجوارها، فبعد أكثر خمس وأربعون يوما من المواجهات العسكرية العنيفة التي يخوضها أبطالنا من قوات سوريا الديمقراطية مع القوات التركية، ومجاميع المرتزقة المتحالفين معها، حيث استطاعت قواتنا الباسلة أن تصد كل الهجمات وتوقع في صفوف المهاجمين عشرات القتلى والمصابين، دون أن يتمكنوا من تحقيق أي من أهدافهم وأطماعهم التوسعية على حساب أرضنا التي دفع شعبنا لتحريرها دماء زكية وطاهرة قدمها شهداؤنا الأبرار.

ولكن اللافت للانتباه أنه في الوقت الذي كانت تدور فيه أقسى المواجهات العسكرية، وفي أكثر من موقع من مواقع المواجهة مع القوات المعتدية، وبعد أن أيقن الغزاة فشل هجومهم وإخفاقه في تحقيق غاياته التوسعية العدوانية، نجد أن طرفا دوليا وهو الجانب الروسي الذي كان في يوم ما ضامنا لكل التفاهمات والاتفاقيات التي أبرمتها قسد مع حكومة دمشق نجده كمن يتصيد بالماء العكر، من خلال ممارسة كل أشكال الابتزاز والضغط اللاأخلاقي من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية لصالح النظام، عبر التلويح بإمكانية تخليه عن دوره في كبح جماح العدوانية التركية.

وقد نسي الجانب الروسي أن وجوده ومعه قوات النظام لم يكن ليتواجد في هذه المنطقة لولا مبادرة قسد الهادفة إلى سحب أهم المبررات والمسوغات التي ساقها الأتراك لتبرير هجومهم واحتلالهم لمناطق عزيزة من شمالنا السوري، عندما يسعى الجانب الروسي للطلب بتسليم عين عيسى للنظام فهذا الأمر سيكون هو المستحيل بعينه، وما يقوم به الروس وبهذا الشكل المكشوف ينم عن مستوى السقوط والتردي الفظيع للقيم والأخلاق السياسية التي يتحلون بها في تعاملهم مع واقع أكثر من هام وحساس، وفي منطقة جيوسياسية استراتيجية في سورية ستكون وبلا أدنى شك هي البوابة لحل الأزمة السورية.

ومن هنا نجزم بأن الروس لا يحسنون قراءة الواقع التاريخي، فمنطقة شمال شرق سوريا في ظل إدارتها الذاتية ومظلتها السياسية مجلس سوريا الديمقراطية وذراعها العسكري قوات سوريا الديمقراطية لن تساوم على ذرة تراب من هذه الأرض التي عمدتها دماء الشهداء من كل المكونات، بعد أن أمست أمانة في أعناقنا، ولن يسمح بالتفريط فيها تحت أي ظرف ولأي سبب لهذا جاء الرفض الحازم للمبادرة الروسية، لأن دوافعها غير منطقية، ولا تلحظ خصوصية المنطقة التي دفعت أثمانا باهظة من دماء أبنائها في الدفاع عنها وتحريرها من تنظيم داعش بعد أن تخلى عنها النظام وسلمها على طبق من فضة للمجاميع المسلحة لتعيث بها فسادا وتخريبا.

لهذا فإننا نعاود التأكيد وللمرة الألف بأن ثوابتنا ليست محط مساومة أو ابتزاز من أي جهة كانت، ومكتسباتنا التي حققناها بالعرق والدم لن نفرط فيها. أما عين عيسى فستبقى في أعيننا وهي عصية على التآمر والخذلان، وعيوننا في عين عيسى ستبقى ساهرة على حدودنا، ولن تسمح لأي غازٍ بتدنيس أرضنا التي سيجعل منها أبطالنا المقاتلين مقبرة لكل الغزاة والطامعين.