لكل السوريين

في غياب الثوابت.. ماذا بعد؟!…

لطفي توفيق

وهكذا.. يتلاشى شهر.. بعد آخر.

يخفى بقايا ملامحه الضبابية..

بعباءته الموشحة بالحزن المعتّق.. والسواد.

ويرحل.. إلى حيث لا أحد يعرف..

ويبقي منه شيء ما..

في زوايا ذاكرتنا المثقلة بالحزين.. والأسود.

ويأتي شهر آخر مدثراً بالضباب.. وربما بالسراب

لا أزعم معرفتي بعلم الفلك والأبراج.. والتنجيم

لأتكهن أن القادم أقل سوءاً.. وحزناً..  وسواداً..

من سابقه الذي رحل

ففي غياب الثوابت.. يصبح التنجيم.. علماً متكاملاً..

لا يخالطه خلل، ولا يداخله خطأ من جنوبه أو شماله..

وفي غياب الثوابت..

يزدهر ميدان علم الغيبيات.. وقد يساهم في إعادة صياغة الأمور..

والأفكار.. وربما العقول.

في غياب الثوابت..

كيف لنا أن نفهم.. ماذا بعد؟!.

وكيف نفهم تقطيع أوصال بردى والفرات..

وإعادة صياغتها لتنسجم مع ذاكرتنا المسكونة بثقافة داحس والغبراء؟!.

وفي غياب الثوابت..

كيف لنا أن نقرأ حروب القبائل السالفة.. والمعاصرة؟!

وكيف نفهم إراقة دماء كليب مقابل دماء ناقة ؟!

وكيف نفهم استمرار حرب البسوس.. صاحبة الناقة.. لأربعين عاماً!!

واستمرار خيط الدم الطويل بين الزير وجسّاس..

إلى يومنا هذا؟

وفي غياب الثوابت..

كيف لنا أن نرفض التهم المعلبة..

والصالحة لكل زمان ومكان..

والجاهزة لإشهارها في وجه أي مشاغب

يصرّ على مجرد التساؤل: ماذا بعد ؟!..

ذات يوم..

حلمنا بوطن كبير.. تحيط به المياه.. إلا من جانبه الإفريقي..

ونمنا على فرح..

لننهض على أمل أن نرى الحلم يداعب عيوننا..

ويبتسم خلف نوافذنا.. ويغني في ساحاتنا وشوارعنا..

كما وعدنا الواعدون…

وذات يوم..

حلمنا بعالم يسوده الحب والتعاون..

ويحول آلة حربه إلى محاريث تخصب رحم الأرض..

لينبت ربيع للجميع.. لا يستثنى أحداً.. ولا يليه خريف..

كما وعدنا الواعدون…

و.. جاء يوم..

تراجع الحلم الأول.. وتفتت.. وتلاشى.

وتراجع الحلم الثاني.. وتفتت.. وتبخّر.

وبقي حلم وطن.. لا تحيط به المياه إلا من جانبه الغربي..

وطن.. لكل أبنائه.

وهذا الحلم مرشح… الآن… للتفتت.. والتبخّر.. والتلاشي.

وفي غياب الثوابت..

كل شهر..

وأنتم على أمل وطن.