لكل السوريين

إدلب… هل تجفف المستنقع السوري الجديد

عرت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التآمر الدولي على إدلب التي تعد من الأوراق التي وضعت تخالفات عديدة في قرارات الدول الخارجية في الشأن السوري، لكنها لا تزال مسمار جحا في الأزمة السورية، بينما كان القرار عالقاً على الأرض استغلت تركيا وجودها ومصالحها بدعمها لمرتزقتها الذين باتوا انتكاسة حقيقة للسوريين في المدينة والجوار، في حين استمرت روسيا تروج لأسلحتها في المنطقة والعالم، بينما استطاعت إدلب البقاء كجزء ضمن الخريطة السورية ينزف الدماء.

وقفت إدلب اليوم من جديد بعد المعارك التي طالت المدينة والريف بين قوات النظام السوري مدعوماً من الجانب الروسي وارتهان المرتزقة التي انقسمت إلى فصائل خاضعة للمصالح التركية لتقتل وتنهب، لكن ماذا استفاد هؤلاء سوى أنهم باتوا على اعتاب التبعية دون قرار سيادي يوقعهم في صراعات مستمرة ودائمة داخل إدلب أو في جوارها، ويكون مصير ذلك الفشل والرضوخ للغير بسبب غياب أفق الحل على المدى المنظور.

كيف لا وباتت مساعي المرتزقة تفشل في بسط النفوذ على مناطق السيطرة التي كانت بحوزتها، هي اليوم أقرب ما يكون ثقلاً عليها، وخاصة بعد الاختراقات لصفوف المرتزقة وأغلبهم ساوم على الطريق الدولي أو ما يسمى (إم 4)، ذلك الطريق الذي يمر بعدة مدن سورية، عرف بطريق تجاري يربط العاصمة الاقتصادية لسوريا حلب بتلك المدن، في حين أن سير العمليات العسكرية باتت أبعد من السيطرة على الطريق الدولي، وما يدعوهم للانسحاب من عدد من الاتفاقات التي شاركوا فيها ومنها المشاركة بالدور التفاوضي بين الدول التي وضعت ثقلها للمحافظة على بقائها في الساحة السورية، واستمرار أزمة إدلب السورية إلى أن وصلت لتنفيذ مقررات استانة القاضية بتأمين تركيا انسحاب الفصائل المرتزقة من محيط الطريق الدولي بمسافة تصل  لحدود 6 كم والموافقة على تسير دوريات مشتركة بين الروس والأتراك.

وقد عبرت الصراعات الإقليمية والدولية على أن الصراع مستمر في المدينة، ما أجبر الكثير من أهالي المدينة وريفها للخروج من منازلهم بعد استخدام المرتزقة لورقة الموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة، وخصوصاً قربها من مناطق باتت حساسة على أرض الواقع، ومنها بعض المطارات الهامة أو بعض القواعد التي يمكن أن تكون هدفاً لمرتزقة تركيا الذين أوجعوا الشعب السوري في إدلب، ليكون مشرداً من بقعة ذات أهمية استراتيجية لطرفي الصراع الخارجي الروسي والتركي على أرض سوريا، وأنها تعتبر نقطة وصل لمدن الساحل السورية على المتوسط.

اليوم فقدت إدلب قرارها مالم تتوقف ادعاءات بعض فصائلها بحماية المدينة وتخلي الأطراف المتصارعة عن حقيقة الأرض هي مناطق نفوذ لروسيا أو لتركيا أو لإيران أو لغيرهم من الدول، فمناطق النفوذ أصبحت متعددة بينما الدول الأخرى، رهنت الشعب السوري ليكون هو الضحية، بينما تعتبر روسيا أنه لا يمكن أن تتنازل عن مناطق تواجدها لتحمي قواعدها العسكرية التي تعتبر الأضخم في الشرق الأوسط، وتذرع تركيا أن قواعد إيرانية هي قريبة من الحدود السورية التركية التي تؤثر بشكل مباشر على الأراضي التركية.

ويتبادر للأذهان أن الصراع في إدلب سيستمر وفق فشل المبادرات الحالية، مالم تكن هذه المبادرات سورية تهم السوريين وتدعو لضرورة التخلي عن الخلافات التي رافقت المصالح الخاصة لبعض الدول، وفقدان الثقة بين الأطراف السورية أبناء المنطقة.

الصراع يأخذ منحى المستنقع الجديد، بينما ترغب إدلب لتجفيف هذا المستنقع، عندما أدرك العقلاء فيها أن الخيار العسكري فشل برؤية أطراف النزاع، وأن خيار المصالحة بين أطياف الشعب السوري في إدلب قد يكون بديلاً عن خيار الحماية الذي أظهر الخلافات الدولية على الأرض السورية، وزاد من وتيرة الظروف الإنسانية الصعبة على السوريين داخل الحدود السورية وخارجها.

فتركيا التي بدت مستفيدة من جهة وجدت نفسها وحيدة في الساحة الدولية في مرات كثيرة، في حين حققت المصالحة التي أطلقها عقلاء إدلب نتيجة في ظروف صعبة، وأن استمرارها يخلط الأوراق من جديد، بعيداً عن السيناريوهات العسكرية في إدلب، وإن كانت عديدة بل لا يمكن التكهن بها، لكن باتت إدلب الورقة الأخيرة لتنتقل بصورة توافقية للخيار الأصعب أم للخيار السياسي، وفيها يعلن حجم الصفقة وحجم المكتسبات، وتعري وسائل الضغط الدولية للانتقال إلى حياة طبيعية يمارسها السوريين على أرضهم، إما بالاتفاق الدولي واستمرار الأزمة السورية أو بالاتفاق السوري وإنهاء الأزمة ونجاح التفاهم ما بين السوريين، والخروج من نفق تحكمه صراعات وسيناريوهات شابت الوجود السوري مع كل غارة جوية أو قصف مدفعي سالت بها دماء أبناء الوطن وتهدد مصير أبنائه.

ماهر زكريا