لكل السوريين

متطلبات الحوار

التفاهم المتبادل والحوار بين الأنا والآخر، هما الحد الأدنى من مقومات العيش المشترك داخل المجتمع الواحد المتعدد الأطياف، وكذلك بين بلدين مجاورين على سبيل المثال متعدد الأطياف والاثنيات.

لكن الحد الأدنى من العيش المشترك، قد يكون في حدود التعايش السلمي إذا لم يكن هناك احترام جدي لمبادئ الحوار الفاعل البناء، وإن لم يكن هناك ترسيخ للإدراك المتبادل لقناعات كل من الطرفين – أو الأطراف إذا كان الأمر يتناول عددا أكبر، ومن المؤسف القول ان التعايش في حد ذاته قد يكون معرضا للخطر، في حال تفجرت الخلافات سواء على طاولة الحوار أو في الكواليس أو في أي مكان آخر!.

وللوقوف عند مبدأ الحوار وتعريف الحوار، نشير إلى أن الحوار هو الحديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة أو قضايا أخرى متعددة لابد من حلها، بهدف الوصول إلى الحقيقة التي قد تكون نسبية أو ذات طيف واسع – أو الوصول إلى نقطة مشتركة – بعيدا عن الخصومة، وعن التعصب وإنما بطريقة عملية وهادئة، وبما يقنع المتحاورين جميعاً ولا يكون عبارة عن فرض لرأي معين عن طريق التحذير أو التهويل كما يحصل حاليا مع الأسف في العديد من دول العالم، وخاصة تلك التي تدور في فلك التبعية لاسيما العربية منها.

لكن، يجب الأخذ بعين الاعتبار حتمية وجود ولو حد أدنى من الاختلاف، وأيضا من التمايز لضرورة الوصول إلى الحقيقة والتفاهم.

إذن هناك بعض التداخل بين عوامل الفصل وعوامل الاندماج (أي القناعة المشتركة والتامة والكلية). ويقول المفكرون (.. أن الاختلاف العقائدي أو السياسي أو العرقي أو الثقافي ينبغي عدم السماح له بتشويه حقيقة واضحة: إننا جميعا على أرض واحدة، تتشابه تضاريسها وتتلاقى مواردها وتتكامل منافعها لخدمة الإنسان وتمنع تحولها إلى تناقضات يستحيل الجمع بينها).

لكن مع الأسف، هناك يوميا سجالات ومناقشات غير مستوفية للحد الأدنى من مقومات المصداقية، وكثيرا ما يحاول البعض استخدام القوة أو التهديد بالعنف كوسيلة هي الأسهل لفرض مبادئه ومعتقداته على الآخرين.

ومن بين القيم التي تضبط الاختلافات وتمنع التوترات، هناك مبدأ عام اسمه التسامح الذي يعني في حد ذاته أنه قيمة سلبية تقتصر على عدم رفض الآخر، وتفادي العدوان عليه، دون الانطلاق إلى آفاق جديدة تتعلق بمحاولة التقريب الفعلي.. وعلى الصعيد المجتمعي أن المطلوب هو محاولة التقريب بهدف تحقيق العدالة والمشاركة في الثروات من قبل الجميع..

وفي الواقع، كلما ازدادت الخلافات ازدادت الحاجة إلى قيم مشتركة تقرب وتربط لكن هذا لا يعني فعلا اشتراط التطابق الكامل لوجهات النظر.

وقد يصح القول انه في نهاية المطاف لا بد من حسن إدارة الخلاف، والسعي إلى التقارب في نقاط محددة حتى لو بقي هناك اختلاف حول نقاط أخرى، ففي ظل حسن النوايا قد يصار، في مرحلة لاحقة، إلى حل ما تبقى من القضايا، وهذا يعني أن يختار الفرقاء- أو الأشخاص أسلوب الحوار الهادئ البناء وعلى أسس الاحترام المتبادل بين الطرفين أو بين جميع الأطراف وبعيدا عن العنف اللفظي أيضا، فهو أحيانا لا يقل خطورة عن العنف الجسدي أو الأمني.

ففي ظل الوجود القوي لوسائل التواصل الاجتماعي فإن الحوار ومحاولة التفاهم قد يصاران بفشل كلي بسبب تغريدات أو (كتابات متشنجة) من هذا الطرف أو ذاك من وسائل التواصل، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى توقف الحوار بشكل كلي، والانتقال إلى وسائل الانتقام المتبادل!.

مقتبس بتصرف