دمشق/ مرجانة إسماعيل
تعاني سوريا من أزمة كهرباء خانقة نتيجة الأضرار التي لحقت بمحطات التوليد وخطوط النقل، مما أدى إلى نقص كبير في القدرة الإنتاجية مقارنةً بحاجة البلاد الفعلية. ووفقاً لتصريحات وزير الكهرباء عمر شقروق، فإن قطاع الكهرباء يواجه تحديات معقدة، أبرزها نقص الوقود وغياب التمويل اللازم لإصلاح البنية التحتية المتضررة.
وتعمل مؤسسات الكهرباء في سوريا على تنفيذ أعمال صيانة في محطات التوليد، تشمل صيانات جزئية وعامة، لكن الصعوبات التي تواجه القطاع لا تزال قائمة. وأبرزها: تأمين قطع الغيار اللازمة بسبب العقوبات المفروضة. ونقص التمويل والقطع الأجنبي، مما يعوق تغطية تكاليف الإصلاحات. والأضرار الكبيرة التي لحقت بخطوط النقل ومحطات التحويل، حيث يعاني بعضها من دمار كامل، بينما يحتاج البعض الآخر إلى إصلاحات كبيرة.
وفي الوقت الحالي، تداول السوريون صورة تظهر العاصمة دمشق مضاءة بشكل لم تشهده منذ سنوات، ما أشاع الأمل في أن تشهد البلاد تحسناً ربما يكون سريعاً في واقع الكهرباء. فهل سيتحسن التيار الكهربائي.
ويعتبر موضوع الكهرباء مقياساً جدياً للتغيير؛ فإما أن يعطي إشارة واضحة إلى وجود أمل، أو يوفر مسوغاً لحكم مسبق على فشل المرحلة الجديدة، وهذا مفهوم خاصة أن السوريين ظلوا يعارضون تغيير نظام الأسد بسبب ما عاينوه من أوضاع صعبة عرفها العراق بعد غزو 2003، حيث فقد العراقيون أبسط الخدمات، وأولها الكهرباء، دون أن يحصلوا عليها مجدداً.
وشهدت الكهرباء خلال الأيام الماضية تحسناً واضحاً بعد سنوات من التقنين القاسي في عهد النظام الساقط الذي لم يكن يسمح بأكثر من ساعتين إلى ثلاث ساعات من الكهرباء يوميا. في حين ارتفعت عدد ساعات التغذية الكهربائية حالياً إلى 6 ساعات يومياً، مع وعود رسمية بزيادتها إلى 8 ساعات في الأيام القادمة.
وكان وزير الكهرباء عمر شقروق وعد في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 14 كانون الثاني 2025 بتوفير الكهرباء لفترة تتراوح بين ست وثماني ساعات يومياً خلال فترة تصل إلى شهرين.
ومنذ سنوات يعاني السوريون من ساعات تقنين طويلة تتجاوز عشرين ساعة في اليوم الواحد، على وقع شحّ في الوقود والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد.
ويعتقد مراقبون أن التحرك السريع من قطر وتركيا هدفه تلافي أخطاء تدخلات سابقة في دول عرفت موجة أولى من “الربيع العربي” مثل تونس ومصر، حيث شهد البلدان رفضا شعبيا واسعا لأي مساعدة من الدوحة وأنقرة باعتبارها تصب في خدمة الإسلاميين وتهدف إلى تثبيت حكمهم.
وتعمل وزارة الكهرباء في سلطة دمشق بشكل مكثف لإصلاح قطاع الكهرباء المنهار، حيث تسعى وزارة الكهرباء إلى إعادة تشغيل العنفات المتوقفة، وتأمين مصادر وقود مستدامة على اعتبار أن الكهرباء هي واحدة من الخدمات الأساسية التي ينتظر السوريون توفرها بعد سنوات من التقنين بعهد نظام الأسد.
إضافة إلى جهود الصيانة المتسارعة ودخول شحنات الوقود للمحطات، برز الدعم القطري بالغاز كأحد العوامل التي أسهمت في تحسن الكهرباء خلال الفترة الأخيرة. فقد بدأت شحنات من الغاز الطبيعي القطري بالدخول إلى سوريا عبر الأردن، في خطوة تهدف إلى تأمين إمدادات مستقرة من الوقود لمحطات التوليد المتضررة.
وبحسب البيانات الرسمية، يتم ضخ 2 مليون متر مكعب من الغاز يومياً إلى محطة دير علي، وهي واحدة من أكبر محطات التوليد في سوريا، ما يسمح بتشغيل العنفات المتوقفة وزيادة إنتاج الكهرباء بنحو 400 ميغاواط.
إلى جانب الغاز القطري، تخطط وزارة الكهرباء أيضاً للاعتماد على دعم آخر من خلال استقدام سفينتين عائمتين لتوليد الكهرباء، إحداهما تركية والأخرى قطرية. وفقاً لتصريحات وزير الكهرباء السوري، فإن كل سفينة تولد 400 ميغاواط، مما يعني أن السفينتين معا ستضيفان 800 ميغاواط إلى إجمالي الطاقة المنتجة في سوريا.
وللوصول إلى تغذية كهربائية مستمرة على مدار 24 ساعة يوميا، تحتاج سوريا إلى 6500 ميغاواط من الإنتاج المستمر، وهو رقم ما زالت البلاد بعيدة عنه بسبب نقص الوقود وتضرر البنية التحتية.
حتى الآن، لم يتم تشغيل السفن العائمة بعد، ولكن بمجرد ربطها بالشبكة، ستضيف السفينة التركية والقطرية 800 ميغاواط، ما يعادل 12.3% من إجمالي الحاجة (6500 ميغاواط). وبالنظر إلى أن كل 1000 ميغاواط توفر حوالي 4 ساعات من الكهرباء يوميا، فإن هذه السفن ستسهم بإضافة حوالي 3 ساعات يوميا بمجرد تشغيلها بالكامل.
وفي ظل التطورات الأخيرة، يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من التحسن في قطاع الكهرباء، خاصة بعد دخول الغاز القطري إلى الخدمة واقتراب العمل على تشغيل السفن التركية والقطرية.
ومع ذلك، فإن الاستدامة على المدى الطويل ستعتمد على قدرة الحكومة على تأمين إمدادات وقود ثابتة، وإعادة تأهيل المحطات المتضررة، واستقطاب استثمارات في مجال الطاقة المتجددة.
ورغم أن توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة لا يزال بعيد المنال، فإن زيادة التغذية إلى 8 ساعات يوميا خلال الفترة القادمة يمكن أن يعتبر تقدماً كبيراً مقارنة بالسنوات الماضية.