لكل السوريين

عطر الشهادة

لطفي توفيق

ما من كلمات ترتقي إلى وهج عيون الشهيد لحظة اتخاذه القرار المتفرد والمتميز..

كيف للكلمات أن ترتقي إلى بريق عيون شهداء عام 1916 الذين واجهوا مشنقة السفاح في مرجة دمشق.. وبرج بيروت.. وهم يرددون الأهازيج الوطنية، وبعضهم يرحب بها “مرحباً بأرجوحة الشرف..”‏.

ويقول آخر في مواجهة الموت ” الاستقلال يبنى على الجماجم” ليضيف آخر ” جماجمنا ستكون أساساً لاستقلال بلادنا‏.

ويرددون معاً “نموت لتحيا بلادنا حرة عزيزة”‏.

فالقرار المتفرد والمتميز.. واضح كالشمس في عز الظهيرة..

وهدفهم.. واضح كذلك..

الاستقلال.. والحرية.. وعزّة البلاد

وكان سفاحهم يشاهد عملية شنقهم من شرفة بناية العابد التي صادرها عسكره.

ثم انطلق مع غانياته الكثيرات إلى وكر له في غوطة دمشق ليمضي نهاراً كاملاً مع نشوة الخمرة وغناء ورقص وفجور غانياته.. احتفالاً بنصر تراءى له.

ولكنه كان على وهم.. غالباً ما يلازم الطغاة..

فقد أرست هذه القامات.. باستشهادها.. قواعد الاستقلال..

وقبل ذلك.. ساهمت مع غيرها من رجالات سوريا برسم ملامحه من خلال العمل السياسي والفكري لبلورة مرحلة ما بعد الحقبة العثمانية باتجاه الاستقلال.. إلى أن أنجزه السوريون.. وساهموا بإرسال العثمانية.. ورموزها.. وجمال باشا السفاح منهم.. إلى مزابل التاريخ.

وكيف للكلمات أن إلى ترتقي وهج عيون يوسف العظمة وهو يقرر التصدي للفرنسيين في معركة يعرف نتائجها مسبقاً.. ولكنه يعرف أيضاً أنها ستكون الشرارة الأولى للنار التي ستلهب الأرض تحت أقدام المستعمرين آجلاً.. أو عاجلاً..

لسنا من دعاة ثقافة الموت..

أو من المروّجين لها..

ويقيناً.. عبارة.. أعيش في وطني الحر الكريم ..

أحبّ إلى نفوسنا أكثر بكثير من عبارة.. أموت ليعيش وطني بحرية وكرامة..

لكن قوافل الشهداء ستستمر ما بقي مغتصب لأرض.. ومنتهك لكرامة.. وقاتل لحرية..

ومعها ستستمر التضحيات في سبيل الدفاع عن الأرض.. وكرامة الوطن.. وحرية المواطن.

وستستمر الذكريات المعطرة بدماء الشهداء.. وعرق المناضلين.. تنبعث في أرجاء الوطن الذي صنعوا ملحمتهم من أجله.

للشهداء في يوم عيدهم..

وفي كل يوم..

تحية إجلال تليق بأرواحهم التي ترفرف في سماء الوطن..

وتنتظر أن يتحقق حلمها فيه.