لكل السوريين

العرس الشعبي في اللاذقية.. طقوس وتقاليد من سجايا البحر

اللاذقية/ سلاف العلي

تمتاز طقوس العرس التقليدي في محافظة اللاذقية وريفها، ببساطتها وعفويتها واعتمادها على القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية والموروث الشعبي المصاحب لحفلات الزواج من عقد القران، إلى الحنة، إلى العرس الكبير (الزفاف)، في هذه الأماكن من السهل إلى الجبل الممتد إلى أعالي السماء، حيث تكاد هذه الأماكن أن تكون في حضن الأمواج الزرقاء التي تكللت بزبد مضيء، حيث أن العادات والتقاليد للزواج باللاذقية وجبلها، كانت مميزة وجميلة، ويتم إجراء العقد أو الخطبة في بيت العروس، حيث قراءة المولد الشريف فقط، وعلى الخاطب إرسال صابون الزيت أو الغار والقهوة والحناء والصلصال المطيب إلى بيت المخطوبة قبل الزفاف بأسبوع، لتحتفل عائلة العروس بترتيب دعوة الحمام للنساء، فيرسلن إلى كل من يريدن حضورها في الحفلة قطعة من الصابون تقوم مقام الدعوة، وتكون هذه الحفلة قبل العرس بيومين، ليرسل جهاز العروس إلى بيت العريس فكانت بعض العائلات ترفقه بالطبل والزمر، لكنهم اليوم فقد هجروا تلك العادة، وفي ليلة الزفاف يدعى العريس إلى بيت أحد اقربائه او أصدقائه، وتهيأ له جواً للفرح ويقرؤون المولد الشريف، وبعد أن يلبث العريس هناك حتى منتصف الليل، ينعقد موكب الزفاف فتتقدم الأنوار المتوفرة وبعض آلات الطرب أمام الجميع ويلتف حول العريس أقاربه وأصدقاؤه ويوصلونه إلى البيت وهناك يستقبل بالأهازيج والزغاريد من قبل النسوة، وتقضي عاداتهم تقديم هدية صباح ليلة الزفاف للعروس من العريس وأبيه وأخوته،  وتكون ليالي السرور بعد ليلة الزفاف وتدوم فيها الأفراح، ومن الواجب على العريس أن يدعو إلى بيته حماه وذويه وجميع أقارب العروس في يوم مخصص يسمى: ردة الرجل، وبعد العرس بشهر يتوجب على والد العروس دعوة صهره وجميع ذويه وتسمى هذه الدعوة : بوسة اليد، وتقدم الهدايا في الدعوتين.

ومن النادر في اللاذقية وريفها، أن يحدث تعدد الزوجات وهو محصور في عدد قليل ويؤثر عنهم أنهم أقاموا لكل زوجة منزلاً على حده، وذلك لأن ثقافة ابن اللاذقية وريفها قد تأثرت بثقافة البحر الأبيض المتوسط التي لا تستسيغ تعدد الزوجات.

شكل التراث موضوعاً للعديد من الدراسات والبحوث والمؤلفات التي آمنت بأهميته كذاكرة حية للشعوب تختزن ملامح حضارتها وهويتها، وأن الناس تناقلت هذا التراث شفهياً فتعرض الكثير منه للضياع والاجتهادات التي شوهت جماله، أن التراث هو الجذر الثابت الذي يميز أهل الساحل عن غيرهم، ويزودهم بالعزة والكبرياء والذاكرة التي تختزن ملامح حضارة هذه المنطقة وهويتها، إذا من الضروري التذكير دائماً بحياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية قديماً، والتي تجسد حالة التماسك والانتماء الوطني إضافة إلى التعاون والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر والكثير من المفردات والمصطلحات التي غابت فى وقتنا الحاضر.

يشار الى أن الأعراس فى الساحل السوري كانت تقام غالباً فى آخر الصيف بعد جنى المحصول وبيعه وجرت العادة أن تستقبل أم العروس أهل العريس ومن معهم بالبخور وأن تهلل بأغنية الاستقبال التي تذكر فيها أسماء الضيوف تكريماً لهم، وكان كل تفصيل يترافق بأهزوجة خاصة يغنيها الشباب والصبايا من طرفي العروس والعريس، وتقديراً لرجال عائلة العروس يقوم عدد من رجال عائلة العريس من كبار السن بزيارة أهل العروس لطلب يدها، وغالباً يكون المتحدث الأكبر سناً في عائلة العريس وهو ما يسمى: وجاهة الرجال، ولا يجوز أن يقل عددهم عن عشرة رجال، وعند الموافقة يقرأ الجميع الفاتحة على نية التوفيق، ويتم هذا بغياب العروس في غرفة مجاورة فلا يجوز لها الحضور، ثم يتم تحديد موعد عقد القران بعد الاتفاق على المهر، وعند عقد القران ينطبع الخجل على العروس بهذا الموقف وتتصف بالرزانة والخجل والوقار وتقوم بتوكيل والدها أو أخاها الأكبر لينوب عنها في حال توقيع أية أوراق، يذكر أن اللباس يلعب دوراً حسب بيئة أهل الساحل ، ويتقيدوا باللباس الجميل والبسيط والمحتشم والأصيل، ويتم في بيت والد العريس حفل الزفاف حيث تجتمع النسوة فقط لتعبرن عن فرحتهن، وهن يرددن بعض أغاني الموروث الشعبي الخاصة بمثل هذه المناسبة قبل البدء بحفلة الحنة، ثم تذهب نسوة أهل العريس إلى بيت أهل العروس لإقامة حفلة الحنة، حيث ترتدي العروس ملابسها الجميلة وتتزين بزينة بسيطة قبل استقبال أهل العريس، فالرجال يجتمعون منفصلين مؤقتاً عن النساء، ويقوم أهل العريس بالزغاريد والغناء والرقص، فيما نساء بيت العروس في صمت وبدون حراك مع ابتسامة الفرحة، فهذا الأمر هو جزء من العادات والتقاليد، وحتى تختتم طقوس العرس، لا بد من مسك تجسده الحفلة الكبرى التي تبدأ عادة في الريف بعد صلاة العصر، وبعدد من الحضور تتزين الحفلة حتى ساعة متأخرة من الليل من رقص شعبي والدبكة والشعر، ويبدأ الرقص والغناء المشترك من العائلتين، والرقص الإيقاعي حيث يتوافد الضيوف إلى ساحة الحفل والمشاركة بالدبكة والرقص والغناء الموروث.

وختام مسك حفلة الزواج يكون بحضور الطعام خاصة “المناسف” التقليدية التي تجمع الرجال والنساء في حلقات حولها، وأهل العريس يضيفون فوقها مزيج من زيت الزيتون الأسود وزيت الخريج ومرقة اللبن أو الفاصولياء المطبوخة أو مرقة البطاطا، وكلما زادت المناسف زاد كرم أهل العريس، وبالمقابل كلما أكل الضيوف أكثر فهو تعبير عن عمق المحبة والمشاركة والتهنئة التي يحملونها.

إن مثل هذه الأعراس كانت تعزز الألفة والروابط بين الناس، وتساعد على حفظ ونقل الأشعار والأغنيات الساحلية الشعبية من جيل إلى آخر، وخلق مجتمع يتمسك بالجميل من موروثه.