لكل السوريين

مخيمي أبو قبيع والمحمودلي.. عندما يجتمع البرد والأمعاء الخاوية في آن واحد

يعتبر مخيمي أبو قبيع والمحمودلي اللذان يقعان شرقي الطبقة بقرابة 30 كم، من المخيمات التي قصدها نازحو إدلب الذين نزحوا من مناطقهم بعد أن اشتعلت المعارك هناك، بين النظام المسنود بالروس من جهة والتنظيمات الإرهابية المؤتمرة تركياً من جهة مقابلة.

وفي مخيم أبو قبيع تقطن 170 عائلة، كانت قد وصلت على دفعات من أرياف إدلب، ويعد المخيم الأكثر تنظيما في المنطقة كونه كان فندقا في السابق، ناهيك عن الدور الكبير الذي لعبته إدارة المخيم في توزيع اللاجئين ضمنه، بالإضافة إلى خيم أخرى أقيمت بجانبه.

ولتسيير شؤون النازحين في هذه المنطقة، تقوم لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للإدارة المدنية الديمقراطية في منطقة الطبقة بالإشراف عليه وخاصة أنه يرتكز على مساحة تقريبية تقدر بـبضع دونمات، حيث يقسم إلى بناء يتألف من فندق عبارة عن غرف وملاحق ودكاكين وبالإضافة إلى خيم متقاربة من بعضها البعض ومرافق حيوية لتخديم القاطنين فيه.

كما يعرف بقربه من الطريق العام فرع من نهر الفرات تمر بقربه، في حين أن قرب المنطقة من نهر الفرات لا يغني عن مآسي عاشها النازحون خلال فترة صعبة مرت عليهم خلال رحلتهم ومرارة التهجير من منطقتهم بل عانى النازحون خلالها من حر الصيف وبرد الشتاء، بينما اليوم يشعر النازحون ببرد الحنين الذي يحملونه بين حناياهم وصدورهم من ألم وفراق الأهل والأحبة.

المخيم أشبه بمركز إيواء

وللاطلاع على وضع المخيم وعدد العوائل النازحة إليه، التقت صحيفة السوري مع الرئيسة المشتركة للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل، ليلى محمد التي أكدت أن “مخيم أبو قبيع هو مخيم أشبه ما يكون مركز إيواء، وليس تابعاً للإدارة المدنية الديمقراطية في منطقة الطبقة، مشيرة إلى أن اللجنة تسعى لجعله كذلك، لإيلاء الاهتمام أكثر”.

ليلى، أشارت إلى أن ما يهم اللجنة هو أن تقدم للنازحين كل ما يلزم لكونهم سوريين بالدرجة الأولى، منوهة إلى أن المخيم مخدم ويتميز بوجود البناء فيه والخدمات وأهمها المياه، وأهمية النظافة للقاطنين في حين لا يبعد عن الطريق العام.

موجات نزوح جديدة إلى المخيم

وأوضحت ليلى أن هناك “موجات من النزوح باتجاه المنطقة نتيجة الحرب الدائرة في إدلب، المخيم بات مقصدا لعديد العوائل السورية، وبلغ عدد العوائل التي قطنت فيه منذ سنتين لحوالي170 عائلة، وتعد العوائل منظمة كونها تخاطب الإدارات عبر المجلس المحلي الذي اختارته للإشراف على شؤون المخيم ومتابعة ما يهمهم”.

ليلى، قالت “نزوح بعض أهالي إدلب إلى مناطق الإدارة المدنية الديمقراطية كان نتيجة الحملة الأخيرة لقوات النظام السوري المدعومة روسياً على ريف إدلب، بينما شهدت مناطقنا دخول حوالي 120 عائلة جديدة من إدلب قصدت المخيم ومن بينهم عوائل ترغب بالاجتماع مع أقاربهم، في حين يساعد أبناء المنطقة هؤلاء العوائل بقدر استطاعتهم ريثما تصل بعض المساعدات المطلوبة”.

الهدف من الإشراف على مخيم أبو قبيع

وذكرت ليلى أن مخيم أبو قبيع يختلف عن المخيمات العشوائية المنتشرة في ريف الطبقة في حين أن المخيمات العشوائية قاطنيها هم بالأصل من رعاة الغنم من ريف حماه وحمص وريف تدمر وهي متغيرة حسب العوائل والمكان، أما مخيم أبو قبيع هو مخيم مستقر تقريباً لوجود البناء وبعض الأبنية اللاحقة به وهو أقرب إلى مركز إيواء من أنه مركز عشوائي إلا أن ما يجعله عشوائياً كونه غير مسجل لدى مفوضية اللاجئين أو المنظمات الدولية وحتى غير مسجل لدى الإدارة المدنية الديمقراطية في المنطقة، وضرورة الإشراف عليه من أجل تأمين الحصص الغذائية للعوائل النازحة وتأمين الخدمات الطبية والتعليمية لهم.

ضعف دعم المنظمات

ليلى أشارت إلى أنه يوجد ضعف في دعم المنظمات للمخيمات بشكل عام، واللجنة تسعى نحو العمل من أجل ذلك، كما أنه لا يوجد حصص ثابتة ومنتظمة أو دورية باعتبار أن العوائل الموجودة داخل مخيم أبو قبيع هي عوائل مستقرة لأكثر من سنتين في هذا المكان وأنها بحاجة للدعم، واللجنة بالتعاون مع إدارة المخيم تناشد كل المنظمات المسؤولة لتقديم المساعدات وخاصة لمن جاء من أهالي إدلب بعد الحملة الأخيرة ليحط رحاله في المخيم.

لقاء مع نازحة

وفي لقاء مع إحدى النازحات من ريف إدلب، وهي فاطمة محمد، من أهالي جبل الزاوية، وتحديدا قرية الراما، وهي من العوائل الجدد التي نزحت إلى مخيم أبو قبيع، التي أشارت إلى صعوبة الوضع في المنطقة هناك، في حين خرجت منها نتيجة الطيران والقصف والغلاء، وعبرت عن الصعوبات التي واجهها أهالي إدلب طيلة مسافة نزوحهم.

وأكدت فاطمة أنه في الراما دمار والأطفال يموتون من الجوع والقصف والوضع هناك سيء للغاية وعلى المجتمع الدولي التحرك لإخراج العالقين وإيقاف الحرب بسرعة.

وذكرت فاطمة أنه كان هناك انتشار للنقاط التركية إلا أنها لا تساعد أحداً وتمنع الأهالي من الخروج باتجاه المنطقة التي تسيطر عليها، وحين وصولهم إلى مخيم أبو قبيع التقوا أقربائهم في المخيم، والآن يسكنون معهم.

ونوهت فاطمة إلى ما حدث في إدلب أنه كان مجرد تسليم من فصائل تتبع لتركيا التي ساهمت في تهجير أهالي ريف إدلب ومن فصائلها تحرير الشام وغيرها، معبرة عن امتنانها لقوات سوريا الديمقراطية على الحفاوة في الاستقبال.

قساوة الشتاء تجلت في خيام المحمودلي

ليس ببعيد عن أبو قبيع، يقع مخيم المحمودلي هو الآخر بريف الرقة الغربي، بين الرقة والطبقة، يكتظ بأطفال أمسوا ضحية دخلاء بلادهم، بين ليلة وضحاها وجدوا نفسهم يقطنون في مخيم المحودلي شمال شرق سوريا، بعد أن كانوا قبل أيام في شمال غربها.

صعوبة التنقل، أجساد هزيلة، إرهاق حل بهم، من شدة التعب لم يستطيعوا حتى النوم، هذا ما أكده البعض من أطفال إدلب لمراسل صحيفتنا الذين حط بهم الترحال في مخمي المحمودلي بين الرقة والطبقة.

خيم تطايرت نتيجة الهواء الشديد وأمطاراً دخلت الخيم لتبلل فراشهم هي مأساة تلاحق أهالي المخيم منذ سنوات، بعد أن نجوا من القتل، ليحل عليهم صقيع شباط ليزيد معاناة ابتدأت بتدخل تركيا في سوريا، واستمرت حتى يومنا هذا، إلا أن الأمل الذي يحمله هؤلاء لايزال واضحاً بينما عنين الأطفال تشهد على سهر الليالي المريرة ويعرفه تاريخ سُجل في الخيام.

ذلك الصقيع أدمع عيون الأمهات اللواتي لم يجدن شيئاً ليغطين أطفالهن فمن أين البطانيات لأسر خرجت هاربة من مآسي الحرب الدامية ليقع الصغار والكبار ضحية الدمار، وليكونوا أرقاماً تغص بهم سجلات المنظمات التي تعبث في مصيرهم دون أن تؤمن متطلباتهم إلا من نقص لا يعينهم سوى لأيام قليلة قد تسكت قرير بطونهم الخاوية.

فالمنظمات تتحدث كثيراً وتصور للتلفزيونات والوكالات وتضع في سجلاتها الكميات الهائلة من المواد التي تم توزيعها على النازحين، إلا أن الحقيقة هي على قيود الدفاتر، وليست في أيدي النازحين أو في خيامهم، وقد أنهكهم الجوع والعوز والمرض، كيف لا والمنظمات اللاإنسانية تغض الطرف في كثير من الأحيان عن ما يلز

م العوائل النازحة.

زارت صحيفة السوري مخيم المحمودلي برفقة بعض قاطنيه وكانت تأخذ صوراً لأطفال تجدهم يلهون في ساحته، وأطفالاً آخرين بقوا في خيامهم خشية المرض أو أنهم كانوا مرضى هم بحاجة الدفء والطعام عازتهم لكل شيء إلا القصف       والطيران الذي هجرهم من مناطقهم عندما خرجوا منها، لا يدرون ما مصيرهم وأين سيسوقهم قدرهم المحتوم. وكأنه فقر عرفه السوريون في زمن سفر برلك، عوائل نزحت مع أولادها من دير الزور والرقة وحمص وتدمر وحماة.

الكبار رجفت من شدة البرد

دهام المهيدي، صاحب الـ 40 ربيعا، من أهالي حماة المقيمين في المخيم، يقول “لم أشهد برودة الأجواء في موجة الصقيع الأخيرة،  أسرتي تتألف من 9 أشخاص، حالنا بسيطة، لدينا 3 بطانيات وهي لا تكفي لتحمل الشتاء القارس، البرد فتك بلحمي وعظمي، أين الإنسانية”.

وأضاف “أطفالنا بحاجة للدفء، والثياب الشتوية والبطانيات، رغم أن ولدي صغير خرج ليجمع بعض الأخشاب وأكياس النايلون حتى نشعلها لنتدفأ عليها، لا نريد قصورا، نريد فقط ملئ أمعاء أطفالنا الخاوية”.

والجدير ذكره أن مخيم المحمودلي هو من المخيمات التي تقيم فيه حوالي 1830عائلة من جميع مناطق سوريا في حين توفر الإدارة المدنية الديمقراطية عدد من الخدمات للمخيم حسب الإمكانات المتوفرة وأهمها الماء والخبز.

تقرير/ ماهر زكريا