لكل السوريين

مقاربة لأفعال الكراهية وكلامه في سوريا

بقلم/ سلاف العلي

يجتاح خطاب الكراهية جميع أنحاء سوريا، كالنار في الهشيم، وتسللت لغة القتل والاستبعاد والتهميش إلى وسائط الإعلام والمنصات الإلكترونية والسياسات الوطنية. وتواجه المجتمعات السورية مستويات معقدة من التعصب، بما في ذلك تصاعد كراهية الإسلام بكل طوائفه، وكراهية المسيحيين، وغيرهم من المكونات الدينية الأخرى، واضطهادهم، انها حرب الجميع ضد الجميع.

خطاب الكراهية يستخدم لتحقيق مكاسب سياسية في الحياة العامة بوساطة نشر خطاب معاد موجه ضد الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء وكل ما يسمى الآخر، حيث إن خطاب الكراهية يضعف المجتمعات ويدمرها، كما يعمل على زرع القلق والخوف والكراهية وانعدام الثقة بين افراد المجتمع، لأنه مصاحب بأعمال عنف وتخريب وقتل ويساعد في تهيئة الظروف الملائمة لارتكاب جرائم جنائية وإبادات جماعية وهجير وتغييرات ديمغرافية.

خطاب الكراهية مليئ بالنزعات العدوانية الشريرة للكيانات الصغيرة والبسيطة والكبيرة والمركبة على حد سواء منذ الأزل بهدف احتكار الثروة والسلطة، ووسائل الأعلام والتواصل الكلاسيكية منها والحديثة مسؤولة عن الترويج له لأجل تمهيد وشرعنه الوسائل والأساليب المتبعة (تغييب، اقصاء، تصفية..) لتحقيق غايات مبيته، وذلك بخلق الظروف وتهيئة النفوس للتنفيذ دون الاكتراث بما ستنجم عنها من التداعيات الخطيرة والوخيمة وتأثيراتها السلبية مستقبلا.

خطاب الكراهية يستخدم كسلاح قاتل ومميت في تهييج واثارة الصراعات وتعميق الخلافات على أسس عرقية ودينية وطائفية، واستعمل توسيع الانشقاقات بين الأوساط المجتمعية على أساس الشكل واللون واللغة، وزيادة التباين وفقا للانتماءات المناطقية والعشائرية، وتضخيم الفوارق تبعا للأنماط المعيشية والفكرية.

خطاب الكراهية هو حالة هجاء للآخر، وهو كل كلام يثير مشاعر الكره نحو مكون أو أكثر من مكونات المجتمع، وينادي ضمنا بإقصاء أفراده بالطرد أو الإفناء أو بتقليص الحقوق، ومعاملتهم كمواطنين من درجة أقل، كما يحوي هذا الخطاب، ضمنا أو علنا، شوفينية استعلائية لمكون أكثر عددا أو أقدم تاريخا في أرض البلد أو أغنى أو أي صفة يرى أفراد هذا المكوّن أنها تخولهم للتميز عن غيرهم. وقد يتجاوز خطابُ الكراهية البلد الواحد ليتوجه إلى شعوب وفئات وشرائح خارجه.

ليس لخطاب الكراهية قانون معين، ويصنف الناس والشرائح والطوائف والأعراق خارج حقوق الإنسان، وخارج البعد الإنساني والأخلاق والأخوة الإنسانية، وخارج العقل والدين، التعصب محرك هذا الخطاب، الذي تستثيره ثقافة طارئة أو قديمة في المجتمع، تغذيها التربية في المنزل والمدرسة، ويأتي دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ والمنابر بأنواعها ودور العبادة والمنظمات الرسمية والأهلية والأحزاب والجمعيات التي تتكوّن على أساس ديني أو إقليمي أو عنصري أو طائفي أو عرقي.

خطاب الكراهية يتراوح بين خطاب إقليمي ظاهر ومستتر، وخطاب طائفي صريح يعلي غالباً الإسلام السنّي فوق سواه، في مراوحات بين استنكار تهنئة المسيحيين في أعيادهم الدينية، والتساؤل حول إذا ما كان الشيعة مسلمين او العلويين مسلمين، وفي خطاب جنسوي يشيئ المرأة ويصغرها ويحولها من إنسانة إلى حبة شوكولاتة ينبغي تغليفها من الذباب والغبار، أو يبرر إيذاءها جسديا ويبرر التحرش بها، ويضعها في مصاف الحيوانات في التشبيه والمجاز، وينادي بحبسها في البيت، ويشيطنها كجسد وفتنة.

آثار خطاب الكراهية لا يمكن حصرها في مكان أو مجموعة من البشر، بل هي من الفتك بحيث لا ننتبه إلا والمجتمع قد غدا كريها في معناه وفي مبناه، ان الأحقاد والكراهية، على أساس الدين والعرق والطائفة والجنس والإقليم واللون، تكون مما لا يد للأفراد فيه، فنحن لا نختار لوننا ولا الإقليم الذي ولدنا ونشأنا فيه، ولا ديننا، ولا جنسنا، ولا عرقنا ولا طائفتنا، فلم يصح أن يحكم علينا فيما لا يد لنا فيه؟ وممن؟ من أفراد أو مؤسسات لا يد لها فيما هي فيه من دين أو عرق أو جنس او لون.

ان تعريف شامل لخطاب الكراهية، أمرا صعبا ومعقدا نظرا لاشتمال هذه الظاهرة على مفاهيم متشعبة متعلقة بوسائل التواصل، الوسائل اللغوية، عناصر الصوت، لغة الجسد، والعناصر البصرية، بالإضافة إلى اختلاف هذا التعريف انطلاقا من المؤسسة الّتي تحدده، والسياق الّذي يقع ضمنه هذا المصطلح.

خطاب الكراهية هو تعابير عامة تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة أو تحرض عليها أو تروج لها أو تبررها ضد شخص أو مجموعة، بناء على الدين أو الأصل العرقي أو الجنسية أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي تحديد لهوية الآخر، ويستخدم خطاب الكراهية من اجل تحقيق مكاسب سياسية في الحياة العامة بوساطة نشر خطاب معاد موجه ضد المكونات الدينية اوالعرقية اوالمهاجرين او اللاجئين او النساء او ما يسمى الآخر.

إن خطاب الكراهية يساهم بإضعاف المجتمعات وتدميرها، ويزرع بذور الخوف والكراهية وانعدام الثقة في نفوس أفرادها، ويمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف وربما يساعد في تهيئة الظروف لارتكاب جرائم إبادة جماعية، ويمكن لبعض الخطابات أن تنشر بذور التعصب والغضب مما يضفي الشرعية على أعمال الكراهية.

إنّ خطاب الكراهية يهدف إلى إلحاق الأذى بالمجموعات المستهدفة وتجريدها من الإنسانيّة ومضايقتها وترهيبها وتهميشها والحطّ من كرامتها وإذلالها، واستغلالها لترسيخ فكرة عدم الاكتراث لخصائصها وإثارة الوحشيّة ضدها.

يبدو أنّ تعريف خطاب الكراهية ليس معقدًا فحسب، بل يثير الجدل أيضًا، نظرًا لاستخدام مصطلحات متحيّزة مثل العرق واللّون والفئة والدّين، ويتحوّل تعريف خطاب الكراهية إلى سلوك عنصريّ من خلال اجتهادات تسعى لتأطير لغويّ لهذا المفهوم باستخدام مفاهيم أخرى ذات بعد تحريضيّ هرميّ تقسيميّ للهويّة الإنسانيّة والبيولوجيّة. بالإضافة إلى توسّل مصطلحات غامضة في ذاتها مثل: الأصل وألوان البشرة.

يكثر كلام وسائل التّواصل الاجتماعيّ عن التّحريض بكافّة أشكاله وبخاصّة التحريض الدّينيّ والعرقيّ والّذين يرتبطان ارتباطًا مباشرًا بالموروث الاجتماعي، وهنا سؤال مؤلم يلوح في الأفق: كم مرّة علينا أن ناسف ونحزن لسماعنا أخبار الموت والتّرهيب والقتل باسم الدّين بحقّ نساء وأطفال ورجال وأقلّيّات؟ ومتى تفيق العقول من غفلتها فتفكّر فيما أصابها ويصيبها، وتتمعّن في أسباب خلقها ووجودها في هذا العالم الماديّ السّائل؟

يعرف خطاب الكراهية على أنه: أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة أو تحرض عليها أو تروج لها أو تبررها ضد شخص أو مجموعة، على أساس من يكونون، بناء على الدين أو الأصل العرقي أو الجنسية أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي عامل هوية آخر، ويؤدي إلى وقوع أعمال عنف وجرائمَ كراهية ضد الجماعات المهمّشة، ويمكن أن تنشر بذور التعصب والغضب التي تؤدي إلى إضفاء الشرعية على أعمال الكراهية.

ان التقييمات المؤدلجة انتجت الكراهية وأصبحت جزءاً من العقل الباطني والسلوك الشخصي بحيث كان شعور السوري بالاغتراب في وطنه، يكبت أنفاسه ويجمد نشاطاته، أو يهجر البلد ليبحث عن نفسه في بلاد الاغتراب، أو لينافق ويجامل ويخرج من جلده وينضم إلى التيار الجارف ليضمن حياته ومستقبله من باب الأنانية الشخصية والانتهازية الحزبية أو العشائرية أو الطائفية، بهذا الشكل أصبح النسيج الوطني مترهلاً وهشاً استطاعت مختلف قوى الارهاب والظلام بكل تلويناتها وتكويناتها استغلال هذه الثغرات والتسلل من خلالها والتنكيل بسوريا أرضاً وشعباً، ووضعها أمام مصير مجهول وغامض.

لأجل مكافحة جائحة الكراهية كان وما يزال ترتيب البيت الداخلي وتوحيده وتحصينه من ضروريات الواجب الوطني، وذلك من خلال تحقيق الشراكة الحقيقية في الوطن بين جميع مكونات الوطن والاقرار بخصوصياتها (اللغوية، الثقافية، السياسية، الاجتماعية، الدينية..)، وتوفير الحريات العامة والخاصة، وتطبيق قواعد العدل والمساواة وتكافؤ الفرص على أساس المواطنة الحقة، وجعل العلمانية والديموقراطية والتعددية واللامركزية ركائز لنظام الحكم واعتمادها معايير ومصادر رئيسية لوضع الدستور وتشريع القوانين المنظمة، ولن ينتهي مفاعيل وتأثيرات خطاب الكراهية الذي حض على العنف والعنف المضاد من تدمير البشر والشجر والحجر، وتحطيم القيم والمبادئ والروابط ..(الاجتماعية والوطنية والانسانية..)، إلا بالمكاشفة والمصارحة بين جميع المكونات، ونشر العفو والتسامح والنسيان.. عبر وسائل وآليات ممنهجة ومبرمجة مع توفير ضمانات لصيرورتها واستمراريتها، وذلك بتطبيق العدالة الانتقالية، وإعادة الحقوق لأصحابها وتعويض المتضررين، وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وبخاصة من النواحي الديموغرافية والجغرافية التي تم تغييرها عن سابق اصرار وتصميم، وإلغاء كافة القوانين التمييزية التي طالت مكونات محددة من الشعب السوري وإزالة آثارها الضارة، وان الإرادة والجدية لدى كافة أطراف الصراع الداخلية بالحوار على أرضية الوطن للجميع ومسؤولية الجميع، لإعادة تحريره وبنائه على أسس جديدة ليكون وطناً موحداً حراً مستقلاً لكل أبنائه،  بعد إنقاذه من براثن الحرب المدمرة التي تديرها قوى الظلم والظلام عبر أدواتها المحليين، تحت عناوين ومفاهيم دخيلة وغريبة عن مجتمعاتنا وثقافاتنا وعاداتنا وأعرافنا كالغزو والسبي والخطف والتعفيش والتهجير والاستيطان والغدر والنحر والارتزاق والارهاب والتكفير والتفجير ،باسم الاسلام السياسي المتطرف والمقيت (وأذرعها داعش، نصرة وأخواتهما) الذي تدعمه وتقوده دوائر استخباراتية عالمية، وتقاسم النفوذ في العالم لضمان أمنها ومصالحها.

عملت الأمم المتحدة على حشد قوى العالم في مواجهة الكراهية بجميع أنواعها، وقد استعانت في عملها هذا بإجراءات شديدة التنوع قصد الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بسيادة القانون، إن خطاب الكراهية هجوماً على التسامح والإدماج والتنوع، وسهماً مسدَّدا إلى صميم القواعد والمبادئ التي نعتمدها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

ان خطابُ الكراهية يقوض التماسكَ الاجتماعي وينال من القِيَم المشتركة، ويمكن أن يكون نقطة الارتكاز التي ينطلق منها العنف، مما يصيب قضية السلام والاستقرار والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية بانتكاسة، وان كلّ ما يُتخذ من إجراءات للتصدي لخطاب الكراهية ومجابهته متسقاً مع حقوق الإنسان الأساسية.

فالتصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها. بل هو يعني منع تصعيد خطاب الكراهية بحيث يتحول إلى ما هو أشد خطورة، وخاصة إذا بلغ مستوى التحريض على التمييز والعدوانية والعنف، وهو أمر يحظره القانون الدولي.

إننا بحاجة إلى التعامل مع خطاب الكراهية كتعاملنا مع كل عمل خبيث: فلنُدِنه، ولنرفضْ توسيع أصدائه، ولنجابِهه بالحقيقة ونحث الجاني على تغيير سلوكه.

ظاهرة خطاب الكراهية تنشأ من صفحات الإنترنت ولكنها قد تتطور وتلقي بظلالها على سلوكيات ينعكس أثرها في المجتمعات. يمكن لخطاب الكراهية أن يأخذ عدة أشكال مختلفة مثل الكلام الذي يحض على الكراهية والعنف بل وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى حشد وتحريك الأشخاص والمجتمعات المتأثرة. نحن بحاجة إلى خلق وتعزيز الخطابات البديلة المناهضة لخطابات العنف والكراهية والتي تعمل من أجل إثراء المحتوى الإيجابي الذي من وسعه تعزيز مرونة وصمود الأفراد والمجتمعات.

وأننا نؤكد على ان سلطات سوريا الجديدة، تتحمل المسؤولية الرئيسة عن منع خطاب الكراهية والتحريض عليه، وحماية أفراد المجتمع من جرائم الكراهية، ومن واجب الجميع العمل على مكافحة خطاب الكراهية الذي يساعد على ارتكاب أعمال عنف وتشجيعها، ولمكافحة خطاب الكراهية والتحريض عليه، فإننا ندعو الى:

الى ضرورة واهمية وجود مجتمع مدني يتسم بالقوة والحيوية وذلك عن طريق تأسيس الهيئات والمنتديات، والجمعيات التطوعية، والخيرية كشكل أساسي للديمقراطية والحريات للجميع تحت سقف القانون

ان تعمل القيادات الحقوقية والمدنية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي، كآليات للإنذار والاستجابة، واليات تحذير وتنبيه لأجهزة الدولة حول تصاعد التوترات، والتكاتف من اجل التصدي لخطاب الكراهية.

الحظر قانونيا على أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والتشريع على ان نشر الأفكار القائمة على الكراهية والتحريض على التمييز والعنف وكل مساعدة لهذه الانشطة او تمويلها، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ولا يفرج عن مرتكبها بكفالة ولا تسقط بالتقادم وتعاقب بالسجن بموجب أحكام القانون.

دعم الخطط والمشاريع التي تهدف الى محاربة ثقافة وخطاب الكراهية في سوريا والتكثيف من مشاريع وورشات التدريب المحلية والوطنية بشأن مخاطر التمييز والتعصب، وتشكيل لجان على الصعيدين الوطني والمحلي لرصد خطاب الكراهية وأشكال التحريض على العنف الأخرى.

إغراق فضاء وسائط التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية بالرسائل الإيجابية الداعية إلى السلام الاهلي والتسامح، والإبلاغ عن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الشائعات أو المعلومات الخاطئة.

الالتزام في البرامج التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات السورية بالإبلاغ عن حوادث خطابات التميز والعنصرية والكراهية، والتحريم قانونيا من الاستخدام لعبارات الإهانة، أو الألقاب، التي تستهدف مواطنين سوريين.

حظر كل تشهير او إهانة في الصحافة السورية وقنوات الاتصالات العامة والخاصة، والتمييز أو الكراهية أو العنف ضد شخصٍ أو جماعة ما بسبب مكان المنشأ أو العرق أو الجنسية أو الدين الخاص أو الجنس أو التوجه الجنسي أو العجز الجسدي.