حلب/ خالد الحسين
تشتهر مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسورية، بصناعة صابون الغار الذي يُعد واحداً من أقدم أنواع الصابون في العالم، وكالفستق الحلبي والكبة الحلبية، يحمل صابون الغار اسم المدينة، ويعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إدراج صابون الغار الحلبي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي.
وشرحت المنظمة أن صابون الغار الحلبي يُصنع باستخدام زيت الزيتون وزيت الغار المنتجَين محلياً. وتُقطف المكونات التي تدخل في صناعته وتُطبخ، ثم تُصب على أرضيات المصابن التقليدية في عملية تعاونية تشارك فيها أجيال مختلفة. وعندما تبرد الطبخة، ينتعل الحرفيون أحذية خشبية عريضة تسمى “القبقاب” من أجل تقطيع صبة الصابون إلى مكعبات مستخدمين أوزانهم وأداة تشبه مشط الأرض تسمى “الجوزة”.
صناعة عريقة صمدت رغم الحرب
على الرغم من الحرب الطويلة التي عانت منها المدن السورية منذ انطلاق الثورة عام 2011، التي واجهها النظام بالأسلحة المختلفة، صمدت صناعة صابون الغار وبعد سقوط نظام بشار الأسد، يأمل صُنَّاع هذه المهنة في انتعاشها واستعادة صادراتهم إلى الأسواق العالمية.
صحيفة السوري زارت إحدى أقدم المصابن في حي باب قنسرين بالمدينة القديمة وأوضح أبو أحمد، صاحب المصبنة، أن عائلته امتهنت هذه الصناعة منذ أكثر من مائة عام، مشيراً إلى أن الخان الذي يضم المصبنة يعود تاريخه إلى 800 عام، وتحول إلى مصبنة منذ نحو 500 عام.
وأضاف أن باب قنسرين، الذي كان محطة رئيسة على طريق الحرير، شهد تحوُّل العديد من الخانات إلى مصابن، حيث كانت القوافل التجارية، من الهند وغيرها، تتوقف في حلب لتبادل البضائع، ومنها التوابل وصابون الغار، ما زاد الإقبال على هذه الصناعة.
مراحل الإنتاج اليدوي
تحدث أبو أحمد عن مراحل صناعة صابون الغار التي تعتمد على زيت الزيتون وزيت الغار، باعتبارهما مكونين أساسيين. يُطبخ هذان المكونان في وعاء كبير على النار حتى النضج، ثم يُصبان على أرضيات مخصصة داخل المصبنة، لتُقطَّع الصبة يدوياً وتُختم بختم المنتج. بعدها، تُترك القطع لمدة تصل إلى ثمانية أشهر حتى تنشف تماماً.
وأكد أن الصناعة تعتمد على المواد الطبيعية فقط، بعيداً عن أي إضافات كيميائية، وأنها تُمارس في موسم الشتاء بين نوفمبر/تشرين الثاني ومارس/آذار، نظراً لتأثير الحرارة المرتفعة على جودة الصابون.
وفي عام 2020، دشَّن فواز دهان خاناً أثرياً في حي باب الحديد، يعود تاريخه إلى أكثر من 500 عام، تحت اسم “خان الصابون”. يمتد الخان على مساحة 520 متراً مربعاً، ويُعد مقصداً للزوار لما يضمه من منتجات تراثية وصناعات تقليدية.
يُشتهر الخان بأكبر قطعة صابون غار في العالم، وزنها 1520 كيلوغراماً، استغرقت صناعتها عامين كاملين، ما أدخلها موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
يمتاز الخان بزخارفه النباتية والهندسية، كما يضم جناحاً يعرض منتجات دمشقية تقليدية مثل الموزاييك والصدف.
وأوضح دهان أن الخان يجسد مزيجاً من الصناعات اليدوية الحلبية والدمشقية، ما يجعله وجهة سياحية فريدة.
إلى جانب أنواع متعددة من صابون الغار الحلبي، والتراثيات التي تشتهر بها حلب، خصص خان الصابون جناحاً يُسمى “الغرفة الدمشقية”، يعرض أعمالاً مثل رقع الشطرنج وكؤوس المتة والسيوف المذهبة. يجمع هذا المزيج بين تراث المدينتين، ما يعزز السياحة التراثية.
مع استقرار الأوضاع في الأشهر الأخيرة التي سبقت إسقاط الأسد، شهدت مدينة حلب أخيراً إعادة افتتاح أربعة أسواق تراثية بعد ترميمها، منها سوق الحدادين وسوق الحبال وسوق السقطية الثاني وسوق الأحمدية. وتضاف هذه الأسواق إلى ما تم ترميمه سابقاً مثل سوق خان الحرير وساحة الفستق.
ويجري العمل حالياً على إعادة تأهيل أسواق أخرى، بما فيها المحمص والزرب والعبي، للوصول إلى ترميم جميع الأسواق التراثية التي يصل عددها إلى 37 سوقاً.
تُعد أسواق حلب القديمة، التي تمتد بطول 17 كيلومتراً، الأطول عالمياً. ورغم الدمار الذي طاول المدينة، تبقى هذه الأسواق رمزاً لتراثها العريق وصناعاتها التقليدية التي تأبى الاندثار.