تقرير/ جمانة الخالد
عاد نبض أسواق “البالة” في سوريا مع استئناف الشحن من أوروبا، ليمنح ملايين السوريين فرصة لكسوة ميسورة في ظل أزمة اقتصادية خانقة. وبينما انهارت صناعة النسيج المحلية تحت وطأة الحرب، باتت الألبسة المستعملة طوق نجاة لشريحة واسعة، وسط توقعات بازدياد الإقبال عليها مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الملابس الجديدة.
حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع أي أقل من 1.25 دولار في اليوم.
وبالحديث عن دمار المدن الصناعية فقد ذكرت دراسة أعدها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث أن عدد المباني المدمرة في حلب بلغ نحو 36 ألف مبنى، وفي الغوطة الشرقية 35 ألف مبنى، وتشمل الأرقام المنازل والمنشآت الصناعية، وهنا نسلّط الضوء على المناطق التي كانت تضم جلّ معامل النسيج والألبسة، ما تسبب بشلل شبه تام بقطاع الصناعات بشكل عام والصناعات النسيجية بشكل خاص.
لا يختلف التسوّق في البالة عن لعبة البحث عن الكنز التي يحبها الأطفال فكلاهما يحمل عنصر التشويق للوصول إلى شيء غير متوقع “كنت أشتري من سوق البالة بالقنوات -وسط دمشق- لكن زميلي بالشغل دلّني على سوق بالبرامكة بضاعته أفضل وأرخص”، يقول عمار وهو مدرس مرحلة ابتدائية بمدارس دمشق.
ويلفت أن الحديث بين الزملاء اليوم حول مكان لشراء الملابس يتصف بالشفافية ولم يعد يشكل أي مشكلة كما في السابق حيث كان يندر أن يخبر أحد ما أنه يشتري من البالة لأنه ببساطة “الحال من بعضه”.
ويضيف أن البالة في سوق البرامكة تحتوي على ألبسة جديدة غير مستعملة يتم تجميعها من محال البيع بعد أن تنتهي مدة عرض المنتج سواء صيفيا أو شتويا فيتم بيعها بأرخص الأسعار حتى لا يتم تكديسها بالمخازن مع عدم ضمان بيعها في مواسم قادمة بسبب مخاوف من منافسة موديلات أكثر حداثة، فيما يضم سوق حي القنوات ألبسة مستعملة وتكون أرخص ثمناً من الجديدة بطبيعة الحال لكنها تناسب دخل الغالبية.
ويقول أحد الباعة: “كانت تصلنا بضاعة أخت الجديدة، من الأسواق الأوروبية بجودة قماش وموديلات تضاهي الجديد، وكان لدينا قسم كبير من الطبقة المتوسطة من مرتادي البالة بشكل دائم، لكن مع انتشار أسواق المنافسة من أسواق الأونلاين تراجع عملنا لأن الأونلاين أرخص وليس عندهم مصاريف جانبية هذا الأمر أخرج البالة من كونها مقصدا للفقراء لينقلها إلى السوشال ميديا باعتبارها سلعة تحاول أن تواكب الواقع الجديد”.
ويلفت إلى أن معظم تجار البالة يستوردون البضائع من أوروبا، وتركيا ويتم تصنيفها إلى درجات ومستويات، وعليه تتفاوت الأسعار حسب النوعية والجودة. ويأمل أن تنخفض أسعار البالة مع عودة مكاتب الشحن للعمل من أوروبا إلى سوريا بعد انقطاع خلال سنوات الثورة.
في برلين بدأت إحدى المغتربات بتحضير بعض البضائع المنخفضة الثمن من أسواق “التصافي” في ألمانيا وكذلك الألبسة المستعملة ذات الجودة العالية لإرسالها إلى أهلها في دمشق حيث اتفقت مع أختها في صحنايا على البدء بتجارة البالة لرواجها وارتفاع الطلب عليها.
وتقول: “في السابق كان رسوم الشحن من أوروبا لسوريا مرتفعة جدا، وكان سعر ثمن شحن الكيلو الواحد يتراوح بين 12 يورو و12 يورو وفقا لنوع البضاعة ووزنها والمدة التي ستصل بها وكانت لا تقل عن شهر في أحسن الأحوال وأسرعها، أما اليوم فبدأت شركات الشحن بالتنافس وهبطت الأسعار لتصل إلى 4 يورو للكيلو الواحد وزمن وصولها نحو أسبوع وهو ما يجعل موضوع تجارة البالة ناجعة.
الجدير بالذكر أن البالة تبدأ مراحل تسويقها من مراكز جمعها وتوضيبها، ثم مراكز تصديرها بالدول الأوروبية والأجنبية، إلى المستوردين والموزعين وتجار الجملة والمفرق، لتصل إلى المستهلكين. ومن خلالها، تسعى شركات الشحن إلى الاستفادة من دورة البضائع المستعملة، لتحقيق الأرباح المالية.
ويتوقع أن يستمر سوق البالة بالانتعاش، ريثما تستعيد معامل النسيج السورية عافيتها، إلى حينها ستلجأ شرائح جديدة من السوريين لتغيير عادتها جذريا بالاعتماد على أسواق البالة كما لم تعد على ذلك من قبل.