لكل السوريين

يوم المرأة

إن تسمية يوم المرأة العالمي لا يعبر عن واقع المرأة كما لا يتوافق مع حجم قضية تعاني منها البشرية منذ أكثر من سبعة آلاف سنة. فاليوم الذي يسميه العالم بيوم المرأة جاء للتذكير بالمرأة العاملة التي تعرضت للظلم من حيث العمل والأجرة وتحسين ظروف المعيشة، بل وكانت تلك المطالب هي مطالب الطبقة العاملة الكادحة بأكملها. بينما قضية المرأة أعمق وأوسع من ذلك بكثير.

عندما تشكلت المجتمعات البشرية وحققت الاستقرار كانت المرأة العمود الفقري في تلك المجتمعات ولأنها تحقق إستمرار الحياة البشرية تم النظر إليها مصدراً للحياة وتم تقديسها إلى درجة الألوهية، فقد كانت كل الآلهة في العصر النيوليتي (الثورة الزراعية) من جنس الأنثى لأنها مصدر الحياة وقامت بتدجين الحيوانات وطورت الزراعة والإنتاج بدلاً من مجموعات الصيد والقطاف، واستمرت هذه الحال على مدى آلاف السنين وصولاً إلى العصر السومري الذي مثل انتشار وسيادة الذهنية الذكورية والملحمة المكتوبة الأولى للتاريخ البشري “قلقاميش” تمثل مرحلة الإنتقال إلى الذهنية الذكورية التي تصاعدت مع الحضارة السومرية، وإنتقال القداسة من المرأة إلى الرجل ليصبح الراهب في الزيغورات التي انتشرت في كل مناطق هيمنة الحضارة السومرية، وباتت المرأة أمة ذليلة تحت رحمة الرهبان والرجل الحاكم والذهنية الذكورية. ثم تأسست دول المدن لتبدأ الصراع فيما بينها على السلطة والثروة.

مع تطور الصراع والحروب بين دول المدن، توسعت بعضها إلى دول أكبر حجماً إلى أن وصلت إلى إمبراطوريات ودول شاسعة بالقتال والصراع حيث غابت المرأة عن مسرح الأحداث تماماً، وأصبحت تذرف الدموع على سفك دماء أبنائها وأزواجها وأخوانها عاجزة عن التصدي للذهنية الذكورية ونتائجها، بل وعاجزة عن تقرير مصيرها، بل تحولت إلى غنيمة في الحروب وسلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة، وتستخدم في حقول الزراعة والإنتاج مثلها مثل الحيوانات المدجنة المستفادة منها في الحقول. بل بات مهرها يتحدد بالجمال والأبقار والماشية.

لدرجة أن بعض المجتمعات أصبحت تعتبر وجود ابنة أو أخت لهم عاراً عليهم ووصل الأمر إلى وأدها في المهد، ولكن الوأد الأهم هو إقتناع المرأة بذاتها بهذه الممارسات، وإعتبار نفسها سلعة أو وسيلة للمتعة بعيداً عن إنتمائها البشري كإنسان وعنصر مؤسس ومنتج في المجتمع البشري. واستمرت هذه الممارسات حتى الوصول إلى عصور الرأسمالية الصناعية عندما إحتاجت المصانع والمعامل التي أنشأتها إلى أيدي عاملة. فقد وجدت الرأسمالية في المرأة أيدي عاملة رخيصة مطيعة لا تكلفها كثيراً ولا تخلق لها المصاعب، بالإضافة إلى وفرتها، مما يضاعف أرباحها. ولكن الإستغلال بدون رحمة ولا حدود أدى إلى إنطلاق ثورة الكادحين من المرأة التي كانت النقطة الأضعف في المجتمع، ومنها استقى العمال روح التمرد والمقاومة ضد إستغلال وظلم الرأسمالية على شكل عيد العمال ويوم المرأة وما إلى ذلك من مقاومات تعبر عن تمرد شرائح الكادحين والمظلومين ضد الإستغلال الطبقي والإستعباد.

حركات تحرر المرأة التي تصاعدت مع بدايات القرن العشرين فرضت على الذهنية الذكورية المتمثلة في إحتكارات السلطة والثروة إلى التراجع أمام حركات التحرر الطبقي ومنها حركات تحرر المرأة، وبدأت تعترف تدريجياً بحقوق العمال والكادحين والمرأة بخطوات بطيئة. ومنها تخفيف ساعات العمل وتحسين الأجور والإعتراف ببعض حقوق المرأة ومنها حق الإنتخاب والتمثيل وما إلى ذلك ولكن ضمن نطاق القوانين والقواعد المرسومة من طرف الذهنية الذكورية، وأرادت أن تكون المرأة نسخة من الرجل في كافة مناحي الحياة بما فيها الحروب والقتال التي هي من إنتاج الذهنية الذكورية، ولا تتطابق مع طبيعة المرأة الحنونة المسالمة الرحيمة.

رغم كل محاولات الترقيع والإصلاح لا زالت المرأة بعيدة عن الوصول إلى المكانة التي تليق بها في بناء وإدارة المجتمعات مثلها مثل الرجل. والعقبة الكبرى تكمن في الموروث الفكري والذهنية التي تؤمن بها المرأة، فشريحة كبيرة من جنس الأنثى تؤمن بالذهنية الذكورية وتريد أن تكون متساوية مع الرجل في إدارة المجتمع ولكنها تنسى أن القوانين والدساتير السارية في أكثر المجتمعات ديموقراطية هي موضوعة على أسس الذهنية الذكورية، بينما المرأة إذا تمكنت من تكوين ذهنيتها الخاصة بها ووضعت الدساتير والقوانين المعمول بها في المجتمعات لأختلف تكوين المجتمعات وأصبحت أكثر ميلاً نحو السلام والوئام، ولتقلص نفوذ إحتكارات السلطة والثروة، وعندها تكون المجتمعات أكثر توافقاً مع البيئة وفيما بينها.

ولهذا نرى أن تخصيص يوم واحد في السنة وتسميته بيوم المرأة ليس كافياً للتحاسب مع الظلم والإجحاف الذي عانت منه المرأة على مدى سبعة آلاف سنة، ولن يكون كافياً لإصلاح الخلل الذي أصاب المجتمع البشري بسبب الذهنية الذكورية التي تسربت إلى أعماق الخلايا البشرية. بل نحن بحاجة إلى نضال مستمر وعمل دؤوب حتى تحقيق العدالة للمرأة والمجتمع البشري عموماً.