لكل السوريين

“المقاتلون الأجانب”.. أكبر معضلة داخلية وخارجية أمام إدارة الجولاني

تقرير/ جمانة الخالد

يعتبر التحدي الكبير أمام هيئة تحرير الشام في أحكام السيطرة على سوريا هي التوفيق بين ضرورة إقامة علاقات ودية مع المجتمع الدولي والدول التي تنحدر منها كتل المهاجرين، والوفاء بتعهداتها بألا تتحول سوريا إلى مصدر تهديد لدول العالم، وبين إقناع هؤلاء المهاجرين بتعديل أجندتهم والتخلي عن فكرة القتال في أوطانهم.

منذ إسقاط نظام الأسد اعتاد السوريون تنظيم احتفالاتهم في مختلف المدن السورية بعد صلاة الجمعة، أما دمشق فالاحتفال فيها له نكهته الخاصة حيث يقام في ساحة الأمويين الشهيرة وسط العاصمة ويشهد تجمع آلاف وربما عشرات آلاف الأشخاص الذين يحملون العلم السوري الجديد مرددين أهازيج الثورة وأغانيها.

وعلى هامش مسيرات الاحتفال يتجمع عشرات الأشخاص يهتف بهم أحد عناصر “هيئة تحرير الشام” مرددين شعارات دينية، وهذا ما يعزز فكرة المخاوف من قيام حكم متشدد قد لا يتفق عليه جميع السوريين، لكن الحكم المتشدد هو رغبة لدى تيار داخل الهيئة وفق مراقبين، فالخطوات البراغماتية التي تصرف بها قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع ليس بالضرورة أن تلقى موافقة غالبية مجموعات الهيئة، إذ يوجد تيار لا يُخفي تشدده.

والوجود الأجنبي، ولو على مستوى الأفراد، في سوريا يسبب حرجاً كبيراً للحكومة السورية الجديدة، ومن جهة فإن وجود عناصر تختلف ثقافتهم عن ثقافة الشعب السوري سيخلق مشكلات اجتماعية على غرار ما حصل بين السوريين والأتراك في تركيا، وهناك مخاوف من عدم ذوبان هؤلاء الأشخاص في المجتمع.

وارتفعت مخاوف الشارع السوري حيال ما أعلنته الإدارة الجديدة عن تعيينات عسكرية وضعت مقاتلين أجانب في مناصب قيادية ومنحهم رتباً عسكرية ضمن الجيش السوري الجديد الذي يجري تشكيله في خطوة لدمج الجماعات المسلحة في هيكله الرسمي، وأبرزهم الأردني عبد الرحمن حسين الخطيب الذي مُنح رتبة عميد.

وبدأت هذه المخاوف تتزايد ولا سيما لدى الأقليات بعدما أقدم مقاتلون أجانب ظهروا في مقطع مصور يضرمون النار بشجرة عيد الميلاد في مدينة السقيلبية ذات الغالبية المسيحية، إذ تعهدت “هيئة تحرير الشام” بإصلاح الشجرة، بينما تصف إدارة العمليات العسكرية هذه الأحداث وما يرافقها من انتهاكات من قبل هذه الفصائل المتشددة والمقاتلين الأجانب بكونها “تصرفات فردية”.

وتلتزم “الهيئة” بحماية الأقليات في كل اللقاءات الديبلوماسية التي أجراها الشرع مع الوفد العربية والغربية، إذ انضم آلاف المقاتلين الأجانب إلى صفوف المتمردين في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية في مواجهة نظام حكم بشار الأسد ومعه ميليشيات مدعومة إيرانياً، بينما انقسمت قوات المعارضة المسلحة إلى فصائل أبرزها “الجيش الحر” وعماده ضباط وجنود انشقوا عن جيش النظام، وفصائل متشددة في مقدمها “جبهة النصرة” وهي فرع من تنظيم “القاعدة”، علاوة على تنظيم “داعش”.

وخسر النظام خلال الأعوام الأولى للصراع ما يقارب 70 في المئة من مساحة البلاد، لتعيد طهران وموسكو السيطرة على تلك الأراضي وينحسر نشاط قوات المعارضة في الشمال السوري بإدلب وأريافها مع حلب منذ عام 2017 وحتى سقوط النظام في الثامن من كانون الأول 2024.

ويرى مراقبون أن مصير العناصر الأجانب في “هيئة تحرير الشام” بعد سقوط النظام السوري مرهون بخيارات محدودة، تتمثل في بقاء الوضع الراهن، وهذا الخيار سيكون هو الأمر الواقع في حال لم تشهد سوريا استقراراً، فإذا تجدد النزاع فسيكون لتلك العناصر دور في القتال، ويبقى وضعهم القانوني كما هو.

أما الخيار الثاني فهو التفريق بينهم، أي فصل العناصر الأجانب الذين يندمجون مع السوريين ويجري تجنيس هؤلاء بعد استيفاء الشروط القانونية، وينضم من يرغب منهم إلى الجيش الرسمي بينما يتابع الآخرون حياتهم المدنية، أما القسم الثاني فهم المتطرفون غير الراضين عن سياسات أحمد الشرع الجديدة، وهؤلاء سيكون مصيرهم التصفية أو الاعتقال أو الترحيل خارج البلاد.

والخيار الثالث هو المغادرة الطوعية، فربما تقرر فئة من العناصر الأجانب في “هيئة تحرير الشام” اختيار الخروج من سوريا لعدم بقاء سبب يتطلب وجودهم، فمنهم من يعود لبلده الأصلي ومنهم من ينتقل إلى مناطق نزاع أخرى.

ويعد تجنيس المؤهلين منهم خياراً رابعاً، وهو ما تحدث عنه الشرع بصورة غير مباشرة وتحدثت عنه مصادر مقربة منه بصورة مباشرة، ويشمل إجراء درس قانوني لتجنيس كل من يستوفي شروط الحصول على الجنسية، وخصوصاً المتزوجين من مواطنات سوريات، بينما يجري منح الإقامة لمن لا يستوفي شروط الجنسية، والبحث عن خيار ثالث لرافضي الاندماج في المجتمع السوري.

وهناك خيار خامس يتضمن ترك مصيرهم للحكومة السورية المعترف بها دولياً، فقرار التجنيس وغيره في ما يتعلق بالأمن القومي ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اتخاذه، ولذلك فمن المرجح جداً ترحيل هذا الملف إلى انتهاء المرحلة الانتقالية لتبت فيه الحكومة السورية المقبلة التي من المقرر أن تحصل على اعتراف دولي في حال كانت حكومة شاملة.

في غضون ذلك لا توجد احصاءات دقيقة عن أعداد المقاتلين الأجانب العاملين مع “هيئة تحرير الشام” منذ حضورهم للقتال عام 2013، لكن التقارير تشير إلى 3800 مقاتل من جنسيات عدة أبرزهم الإيغور والألبان والقوقاز والتركستان والأوزبك والشيشان.

في وقت اعتبر أبو محمد الجولاني أن “المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة يستحقون المكافأة، إذ ساعدوا هيئة تحرير الشام في الإطاحة بنظام بشار الأسد”.

وأضاف خلال اجتماع بمقر مجلس الوزراء أنه “إذا أخذنا في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا في بلد آخر مدة سبعة أعوام يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري إذا كانوا يحملون أيديولوجية وقيم السوريين نفسها”.