لكل السوريين

انهيار للخدمات في قرى الساحل السوري بمرحلة ما بعد سقوط النظام

اللاذقية/ سلاف العلي

بعد الانهيار المفاجئ لنظام الأسد، لا زالت مدينة جبلة وريفها تعاني من شلل شبه كامل في الخدمات الأساسية وخاصة في السنوات الأخيرة، واليوم تواجه جبلة وريفها تحديات ضخمة تتمثل في استعادة أدنى مقومات الحياة اليومية، فقد انعكس انهيار المنظومة الإدارية والاقتصادية على قطاعات حيوية كانت تعاني الترهل كالمحروقات، والكهرباء، والرعاية الصحية، والنقل، والتعليم.

وما يزال الحصول على الاحتياجات اليومية في جبلة وريفها يشكل تحديا مستمرا للأهالي، بدءاً من ارتفاع أسعار المحروقات، مروراً بأزمات الكهرباء وتراجع الخدمات الصحية، وصولاً إلى ارتفاع تكاليف النقل والخبز.

فقطاع المحروقات كان يشهد أزمات دائمة سابقاً، ورغم توفر المازوت والبنزين، إلا أن بعض المناطق لا تزال تعاني من نقص في الإمدادات، والبيع لم يعد يتم عبر نظام البطاقة الذكية، وأسعار المحروقات لم تشهد تغييرات كبيرة بالنسبة للفئة غير المشمولة بالدعم، والتي تمثل الشريحة الأكبر من المواطنين، وهنالك محطات وقود تقبل الدفع بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة السورية، وهو تطور كان يعتبر مستحيلا في عهد النظام السابق، وكان السكان قد اعتادوا في السابق على وجود حد شهري للتعبئة، إذ لم يكن يسمح لهم بتجاوز كمية محددة من الليترات من المازوت أو البنزين، أما الآن، فأصبح بإمكانهم شراء المحروقات من محطات الوقود من دون أي قيود على الكميات، ويباع المازوت والبنزين على البسطات المنتشرة على الأرصفة، ويبلغ سعر اللتر نحو 22 ألف ليرة سورية ( ما يعادل 1.46 دولار أميركي)، في حين حدد ثمن تبديل أسطوانة الغاز بـ180 ألف ليرة إلا أن السعر يصل عند بعض المعتمدين إلى أكثر من 200 ألف ليرة سورية.

في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط النظام، شهدت جبلة وريفها تحسنا ملحوظا في واقع الكهرباء بالأيام الأولى للسقوط، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه، فقد أعيد تطبيق برامج التقنين المعتادة، باتت ساعات التقنين أطول وأعطال الشبكة أكثر تكراراً، ما أثقل كاهل الأهالي وزاد من اعتمادهم على وسائل بديلة باهظة الثمن لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الطاقة، رغم الوعود بتحسين الأوضاع قريباً بمجرد وصول شحنات الفيول اللازمة لتشغيل محطات التوليد، وتغيب الكهرباء بشكل كامل عن بعض القرى بسبب تعرض الأكبال الرئيسية للسرقة.

يشار الى أن جميع المستشفيات الخاصة في جبلة ومحيطها استمرت في تقديم خدماتها دون توقف، أما المشفى العام، فكانت الخدمات سيئة بشكل واضح طوال السنوات الماضية إلا أنها تعرضت لانهيار مفاجئ ليلة السقوط، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات في الساعات الأولى بعد سقوط النظام، تدعو أصحاب التخصصات الطبية للتوجه إلى المستشفيات لسد هذا العجز الكبير، حيث قدم أطباء أسنان وطالبات مدرسة التمريض، دعماً مميزاً، كما أسهم بعض الأهلي ومتطوعون مدربون على الإسعافات الأولية في سد الفجوة ،وتطوع طلاب الدراسات الطبية للعمل كصيادلة لتلبية احتياجات المرضى، وتم انقطاع الاتصال وانتشار الفوضى في المدينة وريفها أدى إلى تراجع عدد الممرضات في المستشفى إلى 8 فقط ، مما شكل تحدياً كبيراً في تقديم الخدمات الصحية الأساسية.

وتوقفت حركة المواصلات بشكل كامل في اليوم الأول لسقوط الطاغية، نتيجة لفقدان المازوت من محطات الوقود وتوقف عمليات نقل المخصصات إضافة إلى تخوف الأهالي، وانتشار عمليات السرقة.

وبعد أن عادت وسائل النقل إلى العمل بفضل توفر المحروقات في المحطات، لكن شهدت أجور النقل ارتفاعا كبيرا، نتيجة إيقاف جميع المخصصات المرتبطة بوسائل النقل، لقد ارتفعت أجور المواصلات بنسبة تصل إلى 350%، وزادت كلفة التنقل اليومية بشكل يفوق قدرة العديد من الأسر، ما زاد من أعبائهم المعيشية في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى، هذا الارتفاع الحاد أجبر البعض على تقليص استخدام وسائل النقل العامة أو البحث عن بدائل أقل كلفة.

وأن مادة الخبز، أصبحت متوفرة بشكل طبيعي في جميع الأفران العامة والخاصة، وتخلص السكان من مشهد الطوابير الطويلة أمام الأفران، وذلك بفضل توفر الطحين الذي مكن الأفران من العمل لساعات أطول، وفي حال حدوث تجمع للحصول على الخبز، بات من الملاحظ أن الأهالي يصطفون في طوابير منظمة للحصول على احتياجاتهم، وهو مشهد نادر الحدوث في الفترات السابقة، بسبب شح المادة وعشوائية تشغيل الأفران، وارتفع سعر الربطة إلى 4000 ليرة، مع زيادة عدد الأرغفة، ما يعني ارتفاع السعر بألف ليرة مقابل زيادة ملحوظة في الكمية.

وتوقف التعليم في جميع مدارس جبلة وريفها لمدة أسبوع، وبعد الاستئناف، سجلت نسبة غياب مرتفعة بين الطلاب في اليوم الأول، وسرعان ما بدأت تتحسن تدريجياً، لكن لا يزال الخوف على الأطفال من تداعيات الوضع الأمني يشكل هاجسا كبيرا لدى الأهالي، خاصة بعد انتشار أعمال نهب وسرقة وتجاوزات.

بالنسبة للإنترنت، شكلت خدمات الشبكة فارقا سيئا في جودة الإنترنت، حيث يعتمد السكان على خدمات شركتي “سيرتل” و” إم تي إن”، والتي وصفت بأنها سيئة للغاية، خاصة إنترنت الهواتف المحمولة، وتعاني الشبكة من بطء شديد وتقطعات متكررة، مما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات الأهالي، وتتفاقم مشكلة الإنترنت بشكل خاص في المحيط والقرى، هنالك انعدام شبه كامل لتغطية الإنترنت.

أما الصرافات الآلية، فقد أعلن عن إعادة تشغيلها، مع إدخال خدمات الدفع الإلكتروني كجزء من التحديثات، وأن الإجراءات المتبعة في إدارة العمليات المصرفية هي تدابير مؤقتة، تهدف إلى تيسير الخدمات في هذه المرحلة الانتقالية، مع الوعود أن هذه الإجراءات سترفع تدريجياً مع العمل على تطوير نظام خدمات مصرفية متكامل يلبي احتياجات السكان بشكل أفضل في المستقبل، رغم ان انتشر ازدحامات كبيرة على الصرافات من قبل الأهالي في محاولة لسحب أجزاء من مدخراتهم التي بقيت لأكثر من أسبوع حبيسة البنوك من دون القدرة على سحبها، وهذا ما يؤكد ان معظم الخدمات الأساسية ايام نظام الطاغية، في حالة متدهورة وتحتاج إلى جهود حثيثة لإعادة تأهيلها.

ومعظم سكان جبلة وريفها أكدوا أنهم اعتادوا على الأزمات التي كانت تعصف بهم خلال سنوات سيطرة النظام، فقد أصبح التعايش مع نقص الخدمات والارتفاع المستمر في الأسعار جزءاً من حياتهم اليومية، ولديهم امل كبيرفي أن تكون هذه المرحلة الانتقالية بداية لنهاية هذه الأزمات، على أن يحصل السكان مبدئيا على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بشكل جيد، ويرى السكان أن تحسن الأوضاع مرهون بتحقيق استقرار سياسي شامل في البلاد، مما قد يفتح الباب أمام إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية على المدى الطويل.

يعاني سكان قرى جبلة وأحياء المدينة من استغلال اللصوص لحالة غياب المخافر الشرطية ودورياتها، ما أدى إلى انتشار أعمال النشل والسرقة وتعرضت عدة سيارات لسرقة محتوياتها أو سرقتها بالكامل، وسرقة البنزين من السيارات ليلا، إضافة إلى عمليات نشل تنفذها دراجات نارية يقودها ملثمون.

والعديد اشتكى بأن دراجات نارية ملثمة تجوب الأحياء ليلاً بحثا عن سيارات لكسرها وسرقة محتوياتها أو سرقتها، وانتشرت سرقة المحال التجارية والسيارات، إضافة إلى انتحال صفة رجال الأمن بهدف دخول المنازل للسرقة، ما دفع السكان إلى تشكيل دوريات ليلية ومناوبات لحماية القرى والاحياء ومنع دخول الغرباء، الأمر الذي أسهم في ردع اللصوص وتقليل عدد السرقات بشكل ملحوظ.

ويخشى سكان جبلة وقراها من فوضى السلاح وانتشار اللصوص بعد فتح السجون الجنائية، وأشار السكان إلى مخاوفهم من تسلل أصحاب السوابق أو الشبيحة السابقين للنظام وإلى اللجان المسلحة، في محاولة لغسل ماضيهم، كما أبدوا استياءهم من إطلاق النار العشوائي الذي يمارسه بعض حاملي السلاح بين الحين والآخر من دون أي مبرر، حيث طالبوا بضرورة التعامل بحزم مع هذه القضية وتشكيل جهاز شرطي تابع للحكومة، مع دوريات واضحة بلباس موحد، متخوفين من انزلاق المجتمع نحو مشكلات أكبر.

تضاف إلى ما سبق، معاناة السكان من عدم فعالية أرقام الهواتف الخاصة بالأمن العام التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا تعمل باستمرار، كما اشتكوا من غياب أرقام واضحة للدفاع المدني، وعدم وجود منصات رسمية وموثوقة يمكن الرجوع إليها لمعرفة التعميمات والبيانات الرسمية والأخبار الأمنية.