لكل السوريين

السياحة الداخلية تنتعش بين دمشق وريفها ومناطق سورية أخرى

دمشق/ مرجانة إسماعيل

قبل قرابة شهر واحد فقط كان معظم السوريين يخططون لشيء آخر تماماً غير زيارة سوريا، البحث عن بلد لجوء جديد أو فرصة عمل أخرى، أو البحث عن منحة دراسية أو تعلم لغة على الإنترنت أو ما شابه، لم يكن التوجه إلى سوريا غاية أحد بل الهروب منها هو الأساس الذي كان يشغل بال الجميع تقريباً في ظل نظام خنق شكل الحياة وطابعها.

قبل 8 كانون الأول 2024 بعد الساعة الأولى لهروب بشار الأسد، وصل السوريون المهجرون إلى ساحة الأمويين بدمشق، ومنذ ذلك اليوم يصل عشرات الآلاف من الزوار إلى ذلك الميدان لالتقاط الصور مع السيف الدمشقي وعلم الثورة السورية، في المكان الذي كان من بين الأكثر تشديداً أمنياً.

وشملت السياحة معظم المحافظات السورية وتركزت في دمشق العاصمة السورية، والثقل السياسي والرمزي والمعنوي وخصوصاً أن ساعة نهاية حكم البعث وعائلة الأسد دقت من هناك، فكل السوريين يريدون رؤية تلك المدينة التي تنفست الحرية وما زالت غارقة بالعتمة في ليالي الشتاء الطويلة مع وعود من هيئة تحرير الشام بتحسينها قريباً.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ترى صور وفيديوهات من مقاه ومطاعم وحمامات سوق ومساجد قديمة وحارات ضيقة مليئة بالسوريين الذين يشاركون لحظات فرحهم وهم يرفعون علم الثورة ويغنون أغانيها وأهازيجها ويهتفون هتافاتها في لحظة ولادة حقيقة لسوريا الجديدة من دون الأبد والاستبداد.

دخلنا إلى سوق الحميدية أهم وأشهر أسواق سوريا وهو مغطًّى بالكامل بسقف من الحديد مملوء بالثقوب الصغيرة التي تنفُذ منها الشمس في النهار ومبلَّط بحجر البازلت الأسود وكان يعج بالناس والمارة.

كان سوق الحميدية أحد أشهر الأماكن التي يأتي إليها السياح، ويرون بائع “العرقسوس أو التمر هندي أو المعروك أو الذرة أو البوالين” ومعظمهم رجال مخابرات أو متعاونون معهم تغيرت النظرة اليوم، وباتت البسمة هي التي تغطي وجوه الناس في فرح من الحاصل وتفاؤل بالغد كما يقول معظم من التقينا بهم من الباعة.

يزيد الازدحام عند باب “بوظة بكداش” أشهر محال صناعة المثلجات في سوريا وأقدمها على الإطلاق، وقد وضع على نافذة المحل علم الثورة أسوة بجميع المحال وسعّر منتجاته بالليرة السورية والليرة التركية والدولار.

وصلنا إلى الجامع الأموي بدمشق ودخلنا إلى باحته لنرى تجمع الناس ويلتقطون الصور ويصلون والأطفال من حولهم يمرحون ويضحكون ورغم أن هناك حرساً مسلحاً على بابه لا يشعر الناس بالخوف، بل يتوافدون بعشرات الآلاف يومياً وبمئات الآلاف يوم الجمعة لرؤية أحد أهم المعالم التاريخية في سوريا، بحسب ما قال لنا أحمد عبد القادر أحد زواره.

وقال أحدهم إنه من مدينة حمص وقد جاء إلى الجامع الأموي لرؤيته لأول مرة، كما أنه يزور دمشق أيضاً للمرة الأولى فهي سياحة إسقاط النظام وتعرّف إلى البلد.

وأردف أن الجامع الأموي هو أهم معلم كان يريد زيارته منذ طفولته ولكن لم تتح له الفرصة، ثم اندلعت الثورة السورية وهجر إلى حي الوعر بحمص ومنها هجر مرة أخرى إلى الشمال السوري، وعندما سقط النظام عاد إلى دمشق لـ “رؤيتها بدون عائلة الأسد حرة كما كانت وستبقى”.

ودعا السوريين إلى العودة من جديد ورؤية بلدهم وهي حرة فعلياً، لا ينغص الفرحة سوى شيء واحد فقط هو مشاهد السجون واختفاء المعتقلين الذين قتلهم النظام وأعوانه على مدار 14 عاماً.

وعلى مقربة من الجامع الأموي تجد مقهى النوفرة، وهو أقدم مقهى في دمشق، ويتجاوز عمره الـ 500 سنة يطل على الجهة الخلفية الجنوبية للجامع الأموي ويتكون من صالة داخلية تبلغ مساحتها 60 متراً مربعاً ويتكون أيضاً من صالة خارجية مساحتها 30 متراً تقدم به المشروبات الساخنة والباردة والنرجيلة بأنواعها.

وفي السياق، قال فادي الرباط من أحفاد مؤسسي قهوة النوفرة في دمشق، إن السياحة في دمشق ليست ضمن المعهود قديماً ولكنها جيدة إلى حد كبير، والناس هنا تأتي إلى قهوة النوفرة لرؤيتها خصوصاً من المحافظات الأخرى الذين لم يزوروا دمشق من قبل أو الذين يحنون إليها من أبناء الشام.

وأضاف أن حركة السياحة نشطت قليلاً ولكن من الممكن في الأيام المقبلة أن نشهد تحسناً أكبر بما يخص عدد الزبائن ونسبتهم، خصوصاً أن ملايين السوريين يتشوقون للعودة إلى سوريا.

تخرج من النوفرة متجهاً إلى حي القيمرية ماراً بعشرات المطاعم والمقاهي التي تعج بالناس، ولكنها باتت تغلق مبكراً، رغم أن الجميع يتحدث عن وجود الأمان والهدوء وانتشار العناصر الأمنية لحماية ومراقبة المارة احتياطاً من أي خرق أمني.

بالخروج من أحياء دمشق القديمة إلى أحياء الصالحية والحمراء والشعلان، تقل الأعداد ليلاً باعتبار أن هذه المناطق هي أسواق ألبسة وبضاعة إلا أن بعض المطاعم يوجد عليها إقبال، في حين أن المقاهي المشهورة مثل الهافانا والروضة تعد الأكثر إقبالاً.

ويومياً تشهد هذه المقاهي والمطاعم تجمعاً لمئات الصحفيين والناشطين العاملين في الثورة السورية الذين جاؤوا من الشمال السوري وبلدان اللجوء لنقل ما يجري في دمشق إلى العالم، مع ارتفاع صوت الأغاني الثورية مؤكدة على مرحلة بدء استقلال جديد في دمشق.