عبد الكريم البليخ
تعيش دمشق وريفها أزمة نقل خانقة تعكس تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. هذه الأزمة، التي تفاقمت منذ 8 كانون الأول 2024، ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات طويلة من التدهور الهيكلي والنقص المزمن في الموارد. تعود أسبابها إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها شح الوقود، ارتفاع تكاليف التشغيل، وغياب الدعم الحكومي الفعال.
تعاني محطات الوقود في دمشق من نقص حاد في المحروقات، مما أجبر السائقين على شراء المازوت من السوق السوداء بأسعار باهظة تصل إلى 15 ألف ليرة سورية لليتر الواحد. هذا الوضع لا يقتصر تأثيره على ارتفاع تكلفة النقل فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تقليل عدد وسائل النقل المتوفرة، ما يُفاقم الازدحام ويزيد من معاناة المواطنين.
إلى جانب شح الوقود، يواجه قطاع النقل مشكلات أخرى تتعلق بتكاليف الصيانة. النقص الحاد في قطع الغيار وارتفاع أسعارها جعل من الصعب على السائقين الحفاظ على مركباتهم. كما تزداد معاناة السائقين بسبب ارتفاع تكاليف الصيانة وإصلاح الأعطال في ظل غياب الدعم الحكومي. هذا الوضع دفع السائقين إلى تحميل جزء كبير من هذه التكاليف على الركاب، ما أدى إلى زيادة كبيرة في أجور النقل بنسبة وصلت إلى 300%.
داخل دمشق وضواحيها تتراوح أجور النقل بين 3000 و5000 ليرة سورية للمسافات القصيرة والمتوسطة، فيما بين دمشق والأرياف: تصل أجور النقل إلى 8000 ليرة سورية، بينما وصلت تعرفة باصات النقل الداخلي للراكب الواحد 2500 ليرة، وهو مبلغ مرتفع جداً بالنسبة للمواطن العادي قياساً إلى دخله الشهري.
وكان للأزمة تداعيات الأزمة على الحياة اليومية. وهناك ازدحام وتدافع يعود إلى قلة عدد وسائل النقل أدت إلى مشاهد يومية من التدافع في مواقف الحافلات، حيث ينتظر الركاب لساعات طويلة للحصول على وسيلة نقل. ناهيك بارتفاع التكاليف المعيشية. إن أجور النقل المرتفعة تزيد من العبء المالي على المواطنين، خاصة في ظل تدني القوة الشرائية، أضف إلى ما تتركه من توتر اجتماعي بين المواطنين، وهذا ما يعرض السائقون لاتهامات مستمرة بالجشع من الركاب، مما يخلق أجواء مشحونة ويتسبب في مشاحنات يومية.
يرى العديد من السائقين أن تحميلهم مسؤولية ارتفاع الأجور غير عادل، إذ أن السبب الرئيسي يعود إلى ارتفاع تكاليف الوقود والصيانة.
تعود أزمة النقل الحالية إلى جذور أعمق بدأت منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011. ضعف البنية الاقتصادية، وانخفاض الإنتاج المحلي للمحروقات، والاعتماد المتزايد على السوق السوداء، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الأزمة. ورغم محاولات حكومة بشار الأسد السابقة لتخصيص كميات محدودة من الوقود المدعوم، إلا أن هذه الكميات لم تكن كافية، ما دفع المواطنين للجوء إلى السوق السوداء حيث تُباع المحروقات بأسعار مضاعفة.
في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، أصبحت الحوالات المالية من السوريين المقيمين في الخارج مصدراً رئيسياً لدعم الأسر داخل البلاد. تُستخدم هذه الأموال لتغطية النفقات الأساسية، بما في ذلك تكاليف النقل التي أصبحت تُشكل عبئًا ثقيلًا على العائلات.
الحكومة الانتقالية الحالية، المكلفة حتى عام 2025، سبق أن وعدت بتقديم حلول تدريجية لتحسين قطاع النقل. ولكن مع استمرار الأزمات اليومية، وغياب خطط واضحة وسريعة، يبقى الوضع على حاله، ما يزيد من معاناة المواطنين.
أزمة النقل في دمشق هي انعكاس لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا. ارتفاع أجور النقل، شح الوقود، وغياب الدعم الحكومي كلها عوامل تجعل حياة المواطنين أكثر صعوبة. دون حلول جذرية وسريعة، ستظل الأزمة تتفاقم، ما يضع مزيداً من الضغوط على المواطنين الذين يكافحون يومياً لتأمين أساسيات العيش.