لكل السوريين

التغيير الديمغرافي في سوريا.. الهدف السامي الذي سعى له المحتلون

المسألة التي دائماً كانت هي الأكثر جدالاً بين المحللين والسياسيين في سوريا؛ مسألة التغيير الديمغرافي في سوريا، فقد شغلت هذه القضية عدد كبير من الدول الكبرى على رأسها دولة الاحتلال التركي، وعدد من الدول التي ترى من سوريا الممر الرئيسي الذي يربط بين الشمال والجنوب.

الديموغرافية دراسة الخصائص السكانية لرقعة جغرافية معينة من حيث توزيع الأفراد على مجموعة معدلات نسبية، مثل: الولادة، والوفاة، والفئة العمرية، والمرحلة الدراسية، والقوم، والجنس، والدين.

تأتي خطة التغير الديمغرافي عبر عدة أغراض هامة، فمنها ما يسعى للاحتلال وإبدال الشعب الأصلي بشعب آخر أي بمعنى توطين أناس مكان السكان الأصليين، كأمثال تركية وإيران. في حين تسعى دول أخرى برز ثقلها مؤخرا على الساحة السورية إلى تحقيق مصالح اقتصادية كروسيا.

التغير الذي تطمح له دولة الاحتلال التركي

تسعى دولة الاحتلال التركي منذ تدخلها في الشأن الداخلي في سوريا عام 2012 إلى إحداث اضطرابات في الداخل السوري وزعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، من خلال أمور تخدم مخططاتها في إعادة الهيمنة على الشرق والأوسط وإخضاع العالم تحت الرحمة التركية وتأتي في عدة خطوات.

من أولى الخطوات التي عملت عليها دولة الاحتلال هي زرع الإرهاب من خلال نقله من دول العالم إلى سوريا عبر حدودها، وتقديم الدعم اللازم كأمثال الـ “اللوجستي والعسكري” وغيرها، كما كشف عدد كبير من أجهزة الاستخبارات الدولية والعالمية عملية توريد الأسلحة من خلال المنظمات التي تدعي أنها إنسانية.

ومن جهة أخرى؛ تعمل دولة الاحتلال على تغيير ديمغرافي من خلال سرقة كافة الآثار الموجودة في سوريا، نظراً للأهمية التي أخذتها هذه المواد في حياة الشعب السوري، وهدم جميع المؤسسات الدينية والخدمية في المناطق التي سيطر عليها مرتزقة الجيش الوطني مؤخرا، وقبله عدة تنظيمات إرهابية حتى يتم تغيير المظهر الخارجي للمدينة، وإجبار الأهالي على تكلم باللغة التركية وتعليمها في المدارس بشكل رسمي.

وتعمل في المناطق التي سيطرت عليها حديثاً على تجويع الشعب وسرقة ممتلكاته وحرق البيوت عن طريق المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانبهم، ومن ثم لتدخل فصائل مرتزقة أردوغان الإرهابية للعب دور المنقذ للشعب من خلال تقديم المساعدات التي لا تساوي قيمة 10$ للسلة الواحدة.

وفي المنطقة التي احتلتها تركيا ومرتزقة الجيش الوطني مؤخرا، مارست القوى المحتلة كل أشكال التغيير الديمغرافي وتحديدا في منطقتي رأس العين وتل أبيض، حيث عمدوا إلى تغيير أسماء القرى والمناطق من تسميتها السورية إلى تسميات عثمانية.

وفي عفرين المحتلة وضواحيها؛ تم تسمية الدوار الرئيسي باسم سلطان عثماني، كما فرضت تركيا اللغة التركية على المدارس هناك، فحتى أسماء القرى تم تغيير تسميتها الأصلية وتسميتها بأسماء مشاهير أتراك، يضاف إلى ذلك أن تركيا بدأت تلعب دورا كبيرا في تدهور الليرة السورية حيث فرضت التعامل بالليرة التركية في العديد من البضائع النفيسة.

القضاء على الديانات

يحاول الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إعادة النهج العثماني إلى سابق عهده في القضاء على الأقليات التي تقطن المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، كمذبحة الأرمن التي افتعلها الاحتلال العثماني قبل أكثر من مئة عام.

وكان المفوض الأعلى لشؤون الشتات الأرمني زاريه سينانيان اتهم القوات التركية بمنع أرمن تل أبيض من العودة إلى منازلهم، مبيناً أن الأتراك وضعوا شروطاً مسبقة تحدد من يحق له العودة إلى تل أبيض ومن لا يحق له العودة.

وأضاف سينانيان “لقد تم إخبارنا بأن الأرمن هم من بين هؤلاء الذين لا يحق لم العودة لمنازلهم بعد سقوط المدينة بقبضة الاحتلال والمرتزقة التابعون له، مشيراً إلى أنه في الوقت الحالي من غير الممكن التواصل مع الأرمن المقيمين في هذا الجزء من سوريا”.

وفقاً للتقديرات التي نشرها راديو أرمينيا, فإن 3000 أرمني يعيشون في الجزء الشمالي من سوريا، إذ أن العوائل الأرمنية أجبرت على مغادرة تل أبيض بعد أن تعرضوا للتهديد من قبل تركيا التي شنت حملة عسكرية لاحتلال مدنهم شمال شرق سوريا عقب الانسحاب الأمريكي.

الميلشيات الإيرانية أيضا عملت تغييرا ديمغرفيا

منذ بدأ الأزمة السورية حصلت بعض الطوائف ولا سيما التي قاتلت النظام السوري على تعاطف دولي، فسعى النظام السوري إلى إحداث تغيير ديمغرافي لكي لا يعود الذين تحركوا ضد حكمه لتكرار السيناريو مرة أخرى.

كانت أولى العمليات التي قام به النظام السوري هي “العقاب الجماعي”، فقد تمحورت الجهود حول الحملات الأمنية والعسكرية للسيطرة على الموقف الميداني في منطقة الحراك، وهذا ما أدى إلى حركة نزوح قسرية واسعة منذ عام 2011.

التطهير المكاني؛ لعب كلا طرفي النزاع السوري على إحداث تطهير مكاني، فالنظام السوري عمل على تهجير كل من شارك بالتمرد على الدولة، في حين أن التنظيمات الإرهابية وبعد أن تمكنت من فرض سيطرتها بقوة السلاح، وادعت أنها تتبع الدولة المدنية، وبعد أن سيطرت اتضح نهجها التكفيري، فقامت بفرض إتاوات على الطوائف الأخرى مما جعل تلك التنظيمات تعمل على تهجير كل مواطن سوري غير سني.

ومن ثم تطورت عملية التغيير مع دخول الميليشيات الإيرانية واللبنانية عام  2013 فقد تركزت على تواجد النظام بين دمشق والساحل، وتمكين حزب الله اللبناني من تشكيل منقطة عازلة على الحدود اللبنانية السورية تحميه من الارتدادات السلبية للصراع الدائر في سوريا.

استخدمت الميلشيات الإيرانية كافة الوسائل للتغيير الديمغرافي من خلال التهجير القسري، فقد قامت وتحديدا في المناطق الشرقية من دير الزور بحملات تهدف من خلالها التشييع الكامل، حيث أن الحسينيات التي بُنيت في ريف دير الزور الشرقي أكبر دليل على حالات التغيير الديمغرافي، وهذا الحال ينطبق على منطقة السيدة زينب في العاصمة دمشق، بالإضافة إلى منطقة القصير في حمص السورية، التي تحولت إلى مدينة شيعية بامتياز.

الإدارة الذاتية وموقفها في عدم التغيير

منذ إعلان قوات سوريا الديمقراطية حربها على الإرهاب وبدأ الانتصارات التي حققتها، تم إعلان المناطق المحررة تحت نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، وقد ضمت الإدارة جزء كبير من الجغرافية السورية التي يسكنها بحسب عدد من الجهات الإعلامية 5 مليون نسمة.

بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي شهدت المناطق التي حررتها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية توافد آلاف من الأهالي الذين نزحوا أثناء حكم داعش، بالإضافة إلى توافد العديد من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة ميلشيات إيرانية مساندة للقوات الحكومية.

وتضع الإدارة الذاتية نصب أعينها هدفا يسمو بالحكم الديمقراطي الذاتي، حيث فعلت الإدارة هذا النظام الديمقراطية في كافة المناطق التي حررتها، وبذلك يلزمها هذا المشروع وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بمنح الحقوق الأساسية لجميع سكّان المناطق.

وعملت الإدارة على تقديم تسهيلات عديدة من أجل إعادة المدنيين الذين غادروا سوريا طيلة فترة الحرب، والمساعدة على إعادة بناء عدد كبير من المساجد والكنائس التي دمرت زمن التنظيم، بالإضافة إلى تفعيل دور أبناء المنطقة التي تكثر فيها الأقليات ليديروا أنفسهم بأنفسهم.

وبعد العمل الدؤوب والمستمر من قبل الإدارة تمكنت من إعادة الحياة إلى طبيعتها وحافظت على مكونات الشعب السوري وتمكنت من القضاء على الإرهاب عسكريا، فيما لا تزال تواجه محاولات الأتراك إعادة هذا الإرهاب من خلال عدوانها الأخير على الشمال الشرقي من سوريا.

تقرير/ فهد الخلف