لكل السوريين

“اللجنة الدستورية” دعمٌ لمصالح الدول الخارجية وإقصاء للشعب السوري، فباءت بالفشل

حسم الفشل مصير ما سميت باللجنة الدستورية السورية التي أقرت بها الأمم المتحدة، ومن خلال هذا الفشل اتضح أن هناك كثيرٌ من الخلافات والتوترات بين أعضاء اللجنة، نتيجة عدم التوافق في الآراء والمطالب، ومن جهة أخرى كان إقصاء مكونات الشعب السوري في شمال شرق البلاد هو الخطأ الذي أفشلها.
تعمل العديد من الدول العظمى المستفيدة من الأزمة السورية على رأسها روسيا على إفشال اللجنة، وذلك بهدف إطالة عمر الأزمة السورية والسيطرة على ما تبقى من الواردات الاقتصادية السورية، لأن نجاحها لو حدث كان سيجعل الروس والأتراك خارج الكعكة السورية والإيرانيين كذلك، حتى وإن كان هؤلاء الوحوش جزءا في تشكيلها.
اللجنة الدستورية بين السطور
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تشكيل اللجنة الدستورية التي تضم 150 عضوا، تختار دمشق خمسون منهم، وخمسون تختارهم معارضة أنقرة، وخمسون يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة بهدف الأخذ في الاعتبار آراء خبراء وممثلين للمجتمع المدني، واللافت في وفد المجتمع المدني أن معظم أعضائه لم يكونوا على معرفة ببعضهم قبل بدء العمل في اللجنة
وزعمت الأمم المتحدة أن الهدف من تشكيل هذه اللجنة هو إنهاء النزاع العسكري المستمر في سوريا منذ أكثر من ثمانية سنوات.
ومنذ تشكيل اللجنة؛ خرجت المئات من المظاهرات داخل وخارج سوريا مطالبة بإيقاف عمل اللجنة لأن الممثلين المتواجدين في جنيف الآن ليسوا ممثلين عن الشعب السوري إنما ممثلين أنفسهم ومصالحهم الشخصية.
أما بالنسبة لمكونات الشعب السوري شمال شرق البلاد؛ فإنه لم يستدعى أي طرف منهم ولا حتى إدارتهم الذاتية التي حررت المنطقة بأسرها من إرهاب أعتى تنظيم إرهابي في العالم.
ومن ثم لتأتي الدعوة الروسية لقوات سوريا الديمقراطية بالانضمام إلى الجيش السوري الشهر الماضي، ولكن الادارة الذاتية أبدت تحفظها على مبادئها، كما أعلن ممثلون عنها أن قوات سوريا الديمقراطية ستحافظ على خصوصياتها، وهو أمر رفضته حكومة دمشق.
وبالإضافة إلى تشكيلة اللجنة الدستورية، فإن الخلاف بين المعارضة والنظام تركز أيضا حول آلية عملها وتوزع المسؤوليات بين أعضائها، في حين طالبت المعارضة بصياغة دستور جديد لسوريا، أكدت دمشق أن أقصى ما تقبل به هو تعديل الدستور الحالي.
وتعثرت عملية تشكيل هذه اللجنة منذ الإعلان عنها في لقاء جمع بعض الأطراف السورية في منتجع سوتشي الروسي في يناير 2018، وتمثلت أبرز أسباب الخلاف في رفض السلطات السورية لعدد من الأسماء التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة السابق ستافان دي ميستورا.
ويواجه بيدرسون، الدبلوماسي المخضرم الذي تولى مهامه في يناير، عبئا صعبا يتمثل بإحياء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السوريتين في الأمم المتحدة، بعدما اصطدمت كل الجولات السابقة بمطالب متناقضة لطرفي النزاع.
اللجنة الدستورية مخالفات وتوترات
وصف محللون وصحفيون خطوة تشكيل لجنة دستورية بأنه مخالف تماما لبيان جنيف، وكان يجب الاعتماد على حكومة انتقالية لا طائفية ثم تطرح هذه الحكومة مسألة الدستور للاستفتاء الشعبي، وعلى حد تعبيرهم فإن اللجنة غير دستورية، لأنها قائمة بوجود حكم النظام، فهي لا تحقق مطالب أكثر من 12 مليون سوري رافضين لحكم النظام.
وترى معارضة أنقرة أن اللجنة الدستورية مدخل لتحقيق انتقال سياسي جاد وفق قرارات الأمم المتحدة بدءاً من بيان جنيف1 وصولاً إلى القرار الدولي 2254، وهو ما يرفضه النظام الذي يُصرّ على أن الدستور “شأن سوري”، داعياً إلى إجراء تعديلات شكلية على دستور وضعه عام 2012 ترى المعارضة الإرهابية أنه فُصّل على مقاس النظام الحالي ومنح منصب الرئيس صلاحيات مطلقة.
ومن داخل اللجنة تشهد العديد من الانقسامات والاختلاف في الآراء داخل كل فريق من الثلاث، فالمجتمع المدني ينقسم إلى قسمين الأول أقرب إلى هيئة التفاوض ويطالب بدستور جديد، وآخر أقرب إلى الحكومة يدعو إلى إصلاح دستور 2012.
فيما اعتبر الوفد التابع للنظام السوري أن دستور 2012 يتفوق على دساتير العالم أجمع، وفي الطرف المقابل وجهه الوفد المؤتمر تركيا الذي أبدى أكثر مرونة وديناميكية وإيجابية مع وجود أصوات مناهضة لإطلاق عمل اللجنة.
وعلى الصعيد السوري تعالت أصوات رافضة لتشكيل اللجنة وعملها عبر مظاهرات في مدينة إدلب، حيث خرج العشرات من طلاب جامعة إدلب بوقفات احتجاجية رفضا لتشكيل اللجنة وعملها في ظل الاحتلال الروسي حسب تعبير المتظاهرين واللافتات التي حملوها.
كما عبر الأهالي أنه لا يمكن تشكيل لجنة دستورية، بالتزامن مع القصف حتى هذه اللحظة على مدينة ادلب وريفها، بعد إعلان النظام وروسيا عن هدنة منذ شهر آب الماضي، كما تم وصفها بالخديعة من الأطراف الدولية لإطالة عمر النظام السوري وبقائه على رأس السلطة بحسبهم هم.
الجدية والضغط على ممثلين النظام السوري
مما سبق، ومن خلال المداخلات، تتضح تباينات بين طرفي وفد هيئة التفاوض ووفد الحكومة، من خلال المداخلات التي جرت بين الوفود المشاركة اتضح حجم الضغط على ممثلين النظام السوري وهيئة التفاوض، ومن أجل نجاح عمل اللجنة الدستورية لا بد من تحقيق التالي:
1ـ جدية النظام والتوقف عن تسمية وفد هيئة التفاوض السورية بالطرف الآخر، واتهامهم بالإرهاب والعمالة، بينما يجلس معهم ويكتب الدستور لسوريا الجديدة.
2ـ ضغط دولي من جميع الأطراف، وهي الأمم المتحدة ومجموعة دول مسار أستانة ممثلة بتركيا وروسيا وإيران، والمجموعة الدولية المصغرة، وهي الدول الغربية والعربية، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية.
3ـ البدء بتنفيذ إجراءات بناء الثقة والعمل الفوري على إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المغيبين، وهي إجراءات موجودة بالأساس في القرار الأممي 2254، الذي تُعتبر اللجنة الدستورية جزءًا منه.
4ـ البدء بالعمل على السلال الأخرى وهي (هيئة الحكم الانتقالي، الانتخابات والإرهاب). وهو ما طالبت به هيئة التفاوض عبر مذكرة رسمية سلمتها للأمم المتحدة، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم.
وعليه تُعقد الجولات القادمة للجنة الدستورية ، وتبدأ أعمالها بشكل حقيقي مترافقة مع النقاط الأربع السابقة، ولديها فرص كبيرة للنجاح وتحقيق تقدم في العملية السياسية، ما يشكل أملًا في رفع المعاناة عن السوريين جميعهم، وخاصة المتواجدين تحت القصف وفي بلاد اللجوء والاغتراب.
ولكن هذه المتطلبات لاقت الرفض التام من قبل وفد النظام، الذي يدرك هو والطرف الآخر كما يسميه بأن هذه اللجنة مصيرها الفشل المحتوم، فالنظام يسعى لتعديل الدستور الحالي، وبالتالي تكريس سياسة الحزب الواحد، في حين أن الوفد التابع لأنقرة يسعى لحكم انتقالي، وبالتالي تثبيت التواجد التركي في سوريا، مما يمهد لتركيا إجراء مصالحها على الأرض السورية، ومساعدتها على إعادة إحياء الدولة العثمانية.
اتهامات روسية مبطنة إلى موظفين مكتب المبعوث الدولي
تسعى موسكو إلى إفشال عمل اللجنة الدستورية السورية من خلال تعويل أطراف دولية، بالإضافة إلى الاتهامات التي توجهها إلى موظفين في مكتب المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن.
ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأمم المتحدة، إلى منع محاولات التدخل في عمل اللجنة، وحذر من محاولات لفرض إملاءات على عملها.
وأكد لافروف إن خطر التدخلات الخارجية، وفرض حلول من الخارج على السوريين ما زال متواصلاً، وعلى الزملاء في الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سوريا غير بيدرسن إيقاف المحاولات من هذا النوع بكل حزم، فيما لم يوضح عن طبيعة التدخلات التي يتحدث عنها.
وأضاف “إنه لا يستبعد عقد لقاء مع بيدرسن قبل نهاية العام الحالي، وقال إنه في حال حدوث هذا اللقاء، فإنه سيؤكد للمبعوث الأممي على ضرورة أن يلتزم بالتفويض الممنوح له، ويضمن احترام كل الأطراف من دون استثناء، لمبدأ توصل السوريين بأنفسهم إلى اتفاقات وعدم السماح بأي محاولات للتدخل في هذه العملية”.
فشل محتوم
نظرا لكثرة المتداخلين في اللجنة الدستورية التي لم تشهد أي تواجد سوري، وبما أن العديد من المحللين والنقاد أشاروا إلى أن اللجنة سيكون مصيرها الفشل الحتمي، لأنها لم تشمل كافة مكونات الشعب السوري، فلم يقبل النظام السوري ولا حتى معارضة أنقرة بإشراك الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، والسبب الرئيسي لعدم القبول وبحسب ذات المحللين هو أن النهج الذي تتبعه الإدارة هو نهجٌ ديمقراطيٌ بحت، ولا يلبي طموحات النظامين الإقصائيين السوري والتركي.
تقرير/ فهد الخلف