طرطوس/ أ ـ ن
أسواق محافظة طرطوس معروفة بعراقتها وخبرتها وهي قادرة على تنظيم نفسها بما يضمن مصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ويمكن تحييد أي قوى تحاول العبث بسلاسة عمل الأسواق وتوازنها، وبعد أزمة المحروقات الأخيرة، شهدت الأسعار في الأسواق ارتفاعا كبيراً، إذ برر التجار ذلك بارتفاع تكاليف النقل، ليضاف إلى ذلك موجة اللجوء اللبناني وعودة السوريين بعد التصعيد الإسرائيلي على لبنان، إذ احتكر البعض من التجار سلعاً أساسية، تمهيدا لرفع أسعارها، وفي الوقت ذاته، ولا توجد أي طريقة تسمح لنا التأكيد على أن جهة ما حكومية أو غير حكومية تأخذ على عاتقها مسؤولية تحديد وضبط أسعار جميع المنتجات في أسواق طرطوس، بقدر ما يجب أن تنصب الاهتمامات على تنظيم جهود المنتجين والموردين والموزعين وفق قوانين وضوابط عامة.
تتعرض الأسواق في محافظ طرطوس بين الحين والآخر إلى موجة ارتفاعٍ في الأسعار، من دون حسيب ورقيب، حيث يبرر التجار الارتفاع المفاجئ بارتفاع أسعار المحروقات تارة، والأزمات في الدول المجاورة تارة أخرى.
لكن الإشكاليات التي يعاني منها المواطنون تتطلب المعالجة، ما يفترض العودة إلى جذور هذه الإشكاليات وعدم الاكتفاء بمعالجة آثارها، والتركيز على مكافحة الاحتكار وضبط أسعار السلع، وهو ما يفترض توفير كل الاحتياجات التموينية بأنسب الأسعار، تأمين انتقال هذه المواد من المنتج إلى المستهلك بأقل التكاليف، وتنفيذ القوانين والأنظمة المتعلقة بالتموين وقمع الغش والاحتكار والاستيلاء وتنظيم حيازة المواد التموينية والاتجار بها، عبر وضع الخطط ورسم الاستراتيجيات لتأمين الحاجة من المواد الأساسية، وتنفيذ سياسة دقيقة في شؤون الأسعار، ومتناسبة مع الأجور.
فما يفهم الجميع أن المدينة أمام أزمة مركبة من الناحية الاقتصادية، فرفع الأسعار مستمر، بالرغم من عدم القدرة على تقديم رواتب كافية للعاملين، ما سيؤدي إلى مزيد من الفساد، وأن أسعار المواد أساسا ترتفع دون رفع أي سلعة حكومية، وإن مبررات رفع سعر المازوت وعدم تأمين المادة سيؤدي إلى رفع سعر المازوت في السوق السوداء وليس محاربتها، وإن القرارات الحكومية لم تساهم في الحد من مستويات التراجع في المعيشة، وذلك على اعتبار أن الحكومة استمرت بسياسات التمويل بالعجز لفترة طويلة، سيما وأن البلاد تفتقر إلى الموارد.
والحكومة السورية باتت اليوم عاجزة عن تأمين رواتب وأجور تكفي العاملين لتحقيق حياة كريمة. ومع بدء فصل الشتاء، تستمر أزمة المحروقات، من دون وجود بوادر لحلها، حيث انعكست هذه الأزمة على أسعار جميع السلع، بينما هنالك عجز أمام عن تأمين جزء بسيط للتدفئة، بينما تُباع أسطوانة الغاز المنزلي في السوق الحر بـ نصف مليون ليرة، في خضم تأخر رسائل شراء الغاز بالسعر المدعوم لتتجاوز 80 يوما، علماً أن قسماً من سكان طرطوس ومدنها باتوا يعتمدون على السوق السوداء المزدهرة، التي يمكن من خلالها الحصول على المحروقات بكميات غير محدودة، لكن بأسعار تفوق القدرة الشرائية لغالبية الأهالي، ومما زاد من تفاقم الفقر ، تراجع قيمة صرف الليرة السورية، بينما بقي الحد الأدنى للأجور عند مستويات متدنية، لا تلبي حاجة أسرة ليوم واحد فقط، وان نسبة الفقراء في المحافظة ارتفعت في السنوات الأخيرة، مع انخفاض الإنتاج الزراعي ونسبة المساحة المخصصة للزراعة المنتجة والمستدامة، واصبح جزء كبير من المواطنين، يعمل على تأمين المواد الغذائية، من اجل القضاء على الجوع، في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل حاد، خاصة الأسمدة والمحروقات، وضعف القدرة على استخدام التقنيات الحديثة ذات التكلفة المرتفعة.
أن الأسعار في الأسواق ماضية في الارتفاع تجاوباً مع انخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وهي مسؤولية الحكومة، ما أدى إلى فجوة بين الدخل والأسعار، بالتالي ضعف القدرة الشرائية، وحدوث انكماش اقتصادي.