لكل السوريين

دمشق.. عاملات في مواقف مأجور يضطررن للعمل رغم المضايقات

دمشق/ مرجانة إسماعيل

دفعت الظروف المعيشية السيئة بالنساء السوريات إلى العمل في مهن لم يعتد المجتمع على رؤية النساء فيها، ما عرضّهن بشكل مباشر إلى المضايقات، في ظل حاجتهن للعمل لتأمين لقمة العيش.

ومنذ العام 2021، انتشرت فكرة المواقف المأجورة (المصفّات) للسيارات في المناطق التجارية والخدمية بالعاصمة دمشق، إذ استقطبت الشركة المستثمرة لخدمة “مصفّات” الشباب والشابات بمختلف أعمارهم للعمل مقابل “أجور زهيدة” بوظيفة “قاطع تذاكر”.

تقول دعاء 26 عاما من سكان منطقة الدويلعة، بأنها بدأت العمل منذ إنشاء خدمة “مصفّات”، ورغم أنّها موظفة مقسم في إحدى مؤسسات الحكومة بدوام صباحي، فإنَّ المرتّب “الحكومي” غير الكافي دفعها إلى الالتحاق بهذه الوظيفة الصعبة بالنسبة للنساء.

وعن ظروف العمل: “لم يتقبّل بعض الناس وجود النساء في عمل كهذا، إذ ينظرون إلينا بفوقية رغم كونه عملاً (شريفاً)، ولم يتردد أحد أصحاب السيارات حينما اقتربت منه لقطع التذكرة، بالسخرية مني (صاروا يشغلوا النسوان؟)، لكنني تجاوزت الأمر ولم أعلّق”.

ولا يخلو العمل من المضايقات مثل طلب رقم هاتف الموظفة للتعارف أو مغازلتها بكلمات عابرة، إلى جانب الوقوف ساعات طويلة في الشارع لمراقبة السيارات، وهذا يعني تحمل البرد شتاءً والحرارة العالية صيفاً من دون وسائل مُساعدة للموظفات.

أمّا عن المرتبات فهي لا تكفي وحدها للعيش، لكنها جيدة إذا ما كانت مصدر دخل إضافي، تقول الشابة: “زادت الشركة لنا المرتبات في الشهرين الأخيرين من 130 ألفاً إلى 186 ألفاً، ويصل دخلي الشهري الكلي مع الوظيفة (الحكومية) إلى ما يقارب 425 ألف ليرة سوريّة”.

على الرغم من الأجور القليلة التي يتقاضاها العاملون في هذه الخدمة، فإنّ استمرار بعض الشبان والشابات فيها يأتي لأسباب مختلفة مثل: مرونة ساعات العمل، والقدرة على العمل مساءً بينما يلتزمون بدوامهم الجامعي أو وظيفة أخرى صباحاً، عدم وجود صاحب عمل متسلط عليهم في المكان نفسه، عدم الرغبة في الالتزام بدوام مكتبي أو في مكان مغلق.

ومع أن دعاء تشتكي من عدم العدل في توزيع المواقف على الموظفين، فإذا ما وجد المُشرف المسؤول عنهم موظفاً متفانياً وقوي الشخصية يسلّمه مواقف إضافية أو حتى شوارع إضافية ما يعني مجهوداً مضاعفاً، لكنها تستمر بالعمل لشعورها بالحرية، موضحةً: “أشعر بأنني مسيطرة على المواقف، دون أن يتحكم بي أحد”.

بادر بعض أصحاب المحال التجارية في مناطق الشعلان وشارع الحمرا والحريقة، بتقديم شكوى إلى محافظة دمشق بعد أن فرضت عليهم “مصفّات” دفع 500 ليرة سورية في الساعة مقابل ركن سياراتهم قرب محالهم ومواقع عملهم، ما يعني اضطرارهم إلى دفع مبلغ قد يصل إلى 8 آلاف ليرة سورية يومياً مقابل وقوف سياراتهم فقط.

وقد جاء الرد من “مديرية هندسة المرور” في محافظة دمشق، بأن الخدمة باقية وأنّه بإمكانهم الاستفادة من المرائب “الحكومية” مثل مرآب ساحة المواصلات الطابقي، ومرآب شارع النصر باشتراكات سنوية لتوفير كلفة ركن سياراتهم.

وبيّن عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق أمين زيدان، مطلع العام الحالي، أنه سيتم رفع تسعيرة الساعة في خدمة “مصفّات” من 500 إلى 1000 ليرة سورية، مع إمكانية زيادتها إلى 1500 ليرة؛ ما يعني زيادة الكلفة على أصحاب المحال التجارية كونهم المتضرّر الأول من هذا الاستثمار.

استطاعت شركة “الخدمات البرمجية الذكية” الحصول على عقد استثمار لـ 3500 موقف مأجور (مصفّ) بقيمة 2.1 مليار ليرة سورية ولمدة 7 سنوات بدءاً من 2021، وبتسهيلات من محافظة دمشق.

تنتشر المواقف المأجورة في الشوارع الرئيسية من دمشق، وفي المناطق التجارية والخدمية، مثل: الشعلان، الحمراء، ساحة المحافظة، باب توما، ساحة القصور، المرجة، شارع خالد بن الوليد، كفرسوسة، المرجة.. وغيرها.

وتُقطع تذكرة لكل سيارة تقف في المواقف المأجورة بقيمة 500 ليرة سورية لكل ساعة، إذ يستخدم الموظفون جهازا خاصا لقطع التذاكر ويتم تسليمه في نهاية اليوم مع “الغلة” للمشرف المسؤول عن منطقتهم، الذي يسّلم بدوره الأجهزة والأموال للشركة الواقع مقرها في ساحة عرنوس وفي البناء نفسه التابع لقسم شرطة عرنوس.

والشركة أسّسها شادي خوري -كان موظفاً إدارياً في عدد من البنوك في دمشق- خلال سنوات الحرب السورية، عام 2014، وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الشركات السورية أغلقت أبوابها أو نقلت عملها إلى دول مجاورة، فإن الشركات فرضت وجودها وقوتها في ظل غياب المنافسين وتسهيلات الحكومة.