تقرير/ سلاف العلي
الضغوط الاقتصادية الكبيرة على معيشة البشر والمواطنين، تكون أكبر عند قدوم فتح المدارس، أجواء الأسواق تتغير وإقبال المواطنين يتفاوت لشراء مستلزمات المدارس الضرورية وسط غلاء الأسعار ومحدودية دخل المواطنين.
أعلن حكوميا تاريخ افتتاح المدارس في الرابع من أيلول، ومنذ تلك اللحظة، ضغط كابوس حقيقي على رؤوس أصحاب الاسر حول السبل والاليات التي تساعدهم في تأمين اللوازم المدرسية لأولادهم، حيث ارتفعت بشكل فظيع أسعار هذه اللوازم من دفاتر وأقلام وحقائب وبدلات مدرسية وألبسة وغيرها.
السيدة ميرفت من أهالي اللاذقية ولديها ثلاثة أطفال طلاب مدارس قالت لنا: وفي ظل الارتفاع الفلكي لأسعار الحاجيات المدرسية، هناك العديد من هذه الأسر تجبر أن تحرم حالها من احتياجات أساسية أخرى لتؤمن لأولادها بعضا من اللوازم المدرسية، فهناك من ليس بمقدوره أن يعمل ويؤمن المونة مثلا، ومعظم الأسر تخلت عن الكثير من الأمور والاحتياجات والأكلات الشعبية التي كانت تزين موائدها باستمرار، ونلاحظ ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية من 50-70 % مقارنة بالعام الماضي ، ورغم إعلان المؤسسة العامة السورية للتجارة عن فتح باب التقسيط على هذه اللوازم للعاملين وبلا فوائد إلا أن ذلك لا يحل المشكلة ولا يمكن ان يكون علاجا ناجعا، لاسيما وأن ضعف الرواتب والأجور وبالتالي ضعف القوة الشرائية حال دون لجوء آلاف العاملين إلى ذلك، وسيبقى الكثير من الأسر ينتظر مبادرات المجتمع المحلي والجمعيات الخيرية لتأمين هذه المستلزمات لها، وخاصة أن هذه المبادرات لم تغب منذ سنين عدة، ويبدو أن رب الأسرة بات يحتاج في هذه الأيام أكثر من مليوني ليرة لشراء ما يلزم من المستلزمات المدرسية لطالبين اثنين لديه، بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة مع الدخل المادي للكثير من الأسر، وخاصة ذوي الدخل المحدود، فكيف إذا كان لديه أكثر من طالبين، إضافة الى تكلفة المبالغ الأساسية، فإن المعلمات يطلب من الطلبة بعد المباشرة في الدوام مواد إضافية والألوان والأشغال والمعجون. بالإضافة إلى مبلغ مقابل دفتر للطلائع ومبلغ تعاون ونشاط يقدمه الطالب للمدرسة وهذا المبلغ كان مفروضا قبل الأحداث ولكن اختلف المبلغ عن ذي قبل بكثير، حتى أن المعلمة تطلب من كل طالب أن يحضر معه قلما مع المحبرة خاصا به ليكتب على السبورة والذي يفترض أن يكون مسؤولية الإدارة، زوجي موظف لدى الحكومة يتقاضى راتبا لا يتجاوز400 ألف ليرة، ولكن راتبه لا يكفي مصروف المنزل لأسبوع في ظل الغلاء المعيشي، حيث يقوم بالعمل بعد دوامه الحكومي في معمل للإسمنت كعامل يحمل أكياس الإسمنت وينقلها للسيارات (عتال)، وفي أيام عطل المعمل يقوم بالعمل في الأراضي الزراعية عندما تسنح له فرصة عمل شاق بحفر الجور وضرب الصخر أو قطف الثمار، وسيعمل في قطف الزيتون في الأيام القادمة، إن المواطن لا يستطيع العيش إن لم يعمل أكثر من عمل، ومع ضغوط شهر المدارس، نلتف على حاجاتنا الأساسية من اجل تأمينها، للتخفيف من أعباء الغلاء في الأمور المدرسية، لكل مادة دفتر ويشترط المدرسون ذلك، وبالنسبة للباس لا يستطيع أحد شراء البدلة مستعملة فحتى قماش الزي المدرسية الرسمية لم يعد يباع بنوعية جيدة، وأحيانا تضطر الأم لشراء أكثر من بدلة خلال العام الواحد لسوء نوعية القماش المتوفر في السوق، ويمنع الطالب من اللباس المدني وإن قام بلباسه يتعرض للتأنيب ويطلب ولي أمره فورا، وإن كان الأمر ضرورياً واضطرت الأم لإرسال ابنها ببنطلون لونه مختلف عن لون البدلة الرسمية يجب عليها إخبار الادارة بذلك واستئذانهم قبل إرسال طفلها باللباس المدني وخاصة عندما تكون بدلته متسخة وتحتاج لغسيل ورغم ذلك يجب عليه في اليوم التالي أن يلبسها، يريدون الطالب أن يلبس البدلات الرسمية حتى وإن شحذ سعرها، وأمام هذه الأسعار الكاوية، بات الكثير من الأسر مرغما على التوجه بالحقائب القديمة إلى محال الخياطة لإعادة تدويرها واستخدامها من جديد.
السيد جلال وهو مهندس كهرباء وموظف باللاذقية، ولديه ثلاثة طلاب بالمدرسة أوضح وبشكل عصبي وقال: التعليم الحكومي مجاني، إلا أن اللوازم المدرسية القرطاسية والزي الرسمي، والأقلام التي تستخدم للكتابة على السبورة البيضاء وغيرها من المبالغ الإضافية، ترهق العوائل وقد تصل قيمتها إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سورية للطالب الواحد، لقد ازدادت أسعار المستلزمات المدرسية أضعافا مضاعفة هذا العام لدرجة تفوق قدرات المواطن المتوسط الدخل وتزيد من أعباء الحياة عليه، حتى أنها اضطرتنا للاستدانة.
فمستلزمات طالب الإعدادي أو الثانوي، لهذا العام: القميص ما بين 80الى 120الف ليرة، البنطال ما بين 175-250 ألف ليرة، أما المريول المدرسي، فقد تراوح سعره ما بين 100 الى 150ألف ليرة، وسعر حقيبة مدرسية ما بين 75-150 ألف ليرة فما فوق الى 500 ألف ليرة، كما يحتاج 24 دفتر لكل المواد الدراسية، ويبلغ سعر الدفتر الكبير 100 ورقة بـ 12 الى 17 ألف ليرة، والصغير 50 ورقة بـ 6الى10 آلاف ليرة سورية، دفتر رسم حجم كبير بـ 12-15 ألف ليرة، بينما سعر القلم الواحد تراوح سعره ما لبن 5الى 10آلاف ليرة، إضافة إلى كل ذلك فالتعليم دون المستوى في المدارس الحكومية لدينا في محافظة اللاذقية، فالمواد الأساسية كالرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية تحتاج لمدرسين خصوصيين لعدم اجتهاد المعلمين بالتدريس في المدارس وتكلفة الساعة ما بين 10 إلى 15الف ليرة ، كأقل سعر، حتى أن المعلمة في الصف تطلب من الطلاب أن يذهبوا إلى منزلها بعد الدوام حتى تعطيه ساعات إضافية، الغلاء المعيشي أدى بالمعلمين والمعلمات إلى العمل من بلا ضمير، فقط للحصول على المال، والطالب الذي لا يأتيها إلى المنزل لا تهتم به، لست واثقا بالتعليم في المدارس حيث أصبح اعتماد الأهالي على الدروس الخصوصية في المنازل أكثر مما يتلقاه الطالب في المدرسة، وصلت إلى درجة أن طلاب الابتدائي يسجلون بدورات يومية، وهذا بالطبع يشكل عبئا على الأهالي فليس بمقدور الجميع وضع أطفاله لدى مدرسين خصوصيين، فيما يخص جودة الكتب كل الصفوف تقدم لها الكتب قديمة جيدة نوعا ما أو مهترئة ممزقة، فالجميع يستلم كتب قديمة وفي غالب الأحيان مهترئة ويتم إجبار الطالب على تجليدها وتسليمها في نهاية السنة سليمة أو يغرم بسعرها.
السيد بشار وهو صاحل مكتبة لبيع القرطاسية والكتب بين لنا وقال: أن إقبال المواطنين على شراء القرطاسية في المكتبة محدود جدا هذا العام مقارنة مع العام الماضي نتيجة الغلاء الفاحش وضعف دخل المواطنين، وإن أغلب المواطنين يفضلون الذهاب إلى مؤسسة السورية للتجارة على باقي المكتبات لشراء مستلزمات أبنائهم من القرطاسية والحقائب، لأن أسعارها مناسبة وبمتناول المواطنين رغم قلة جودتها، والمواطن يختصر كثيرا من القرطاسية وباقي المستلزمات، والموظف يلجأ إلى قرض بقيمة 500 ألف ليرة للحصول على القرطاسية من المؤسسة السورية للتجارة والتي ساعدت المواطنين بشكل كبير، الله يعين الذي عنده أكتر من ولد في المدرسة، يحتاج الى ميزانية، واقع حال الأسر في هذه الظروف المعيشية صعب.
بعض الأهالي لجأوا إلى إعادة التدوير، وإصلاح المستلزمات المدرسية ومنحها للأشقاء الأصغر سنا، لتوفير أموالهم، وانتشر ما يسمى بسوق الدراسة عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال عرض مستلزمات مدرسية قديمة للبيع بسعر متوسط، وسابقا كان الناس يهدون المستلزمات القديمة لأقاربهم أو جيرانهم المحتاجين، لكن مع اتساع دائرة الفقر باتوا يلجؤون لبيع تلك الأغراض عوضا عن إهدائها، صاحب محل لتصليح الأحذية بمدينة اللاذقية، قال: إنه وخلال هذا الأسبوع اقتصر عمله على إصلاح الأحذية المتهالكة ذات النمر الصغيرة والعائدة لطلاب وطالبات، ولديه الكثير من الطلبيات لإصلاح الأحذية الصغيرة.
توضح هذه الصورة العامة مشهد التعليم في محافظة اللاذقية في الوقت الراهن، وتشير إلى مستقبل غامض ومنقسم للأجيال التي ستتخرج من هذه المدارس، وارتفاع معدلات الفقر، وفوق ذلك نصف الاجيال من الشرائح الشابة التي تبحث عن تعليم يؤهلها للدخول الى أسواق العمل، ترافقت هذه الأوضاع مع نقص حاد في أعداد المعلمين، وبعد أن كان هناك فائض في أعدادهم، والأسباب مرتبطة في جزء كبير منها بالواقع الأمني في الجغرافيات السورية، واستدعاء المدرسين للخدمة العسكرية والضغط الاقتصادي الذي دفع مدرسين كثر لترك التعليم بحثا عن مهن أخرى تعيلهم مع عوائلهم، مع انخفاض رواتبهم وقضاء التضخم على معظم مدخراتهم، ومع خروج عدد منهم خارج البلاد باحثين عن حياة آمنة.
دفع مجمل هذا الوضع جزءا من الأجيال الصغيرة إلى الارتداد عن الدراسة والدخول مبكرا في سوق العمل الفاقد لأدنى شروط الأمان والحماية لهم، وذلك بدعم من أهاليهم. وتركز هذا الانزياح بالدرجة الأولى في أبناء الأحياء الشعبية والعشوائيات وارياف اللاذقية كافة، بدرجات مختلفة تتبع البيئة.
أدى انخفاض مستوى التعليم الحكومي وارتفاع تكاليفه وضعف جودته، إلى البحث عن بدائل عملية تتيح تحقيق جودة في النتائج التعليمية التي يتطلبها سوق العمل، وانتشرت بشكل واسع المعاهد التعليمية الخاصة والدروس الخصوصية في المنازل والمقاهي. وعلى الرغم من محاولة مديرية التربية منع الظاهرة، عبر إصدار تعميمات تمنع الدروس الخاصة في المنازل وإرسال دوريات لمراقبة ذلك.
وبقدر ما أدخل التعليم العام المجاني ملايين النساء في التعليم، وسمح لهن باكتساب خبرات ومهارات عدلت من ذكورية سوق العمل، وغيرت صورة البنية الاجتماعية كليا حتى في قلب المجتمعات المحافظة، فإن الانكفاء واتساع نطاق التعليم الخاص وارتفاع تكاليفه يؤدي إلى عزوف الإقبال النسائي، وإلى عودة نغمة المرأة للمنزل، إضافة إلى خسارة مكتسبات أخرى اجتماعية واقتصادية.