تقرير/ أ ـ ن
رغم انخفاض أسعار السمك في محافظة طرطوس، إلا أنها ما زالت غير مرضية أو مقبولة بالنسبة للعديد من سكانها، فالأسماك اليوم وجبة بعيدة عن متناول سكان طرطوس، دون استثناء المتواجدين منهم في المدينة رغم اقترابهم من بحرها، وذلك بحكم عوامل عدة، والملاحظ أيضا أن هناك تفاوتا في الأسعار والجودة بين مسمكة وأخرى، لكن المفارقة التي يمكن التساؤل عنها هي التفاوت الكبير في السعر مع سوق السمك في مدينة بانياس المجاورة، والتي سجلت بشكل واضح فروقات كبيرة بالأسعار، مع عرض غني ومتنوع في موسم هذا العام، وكميات وفيرة من الأسماك المنتجة كالبلميدا والبوري والسردين وغيرها، ما جعل بعض السكان يتوجهون لسوق السمك الموجود في تلك المدينة لتلبية احتياجاتهم، والتفاوت الكبير في أسعار السمك مقارنة بسوق السمك في بانياس، إلى قلة كميات الأسماك المستخرجة من البحر المجاور لمدينة طرطوس، وغياب وجود سوق للسمك فيها ، كما لا يحقق سهولة تحرك الصيادين في ظل ارتفاع المحروقات، واضطرارهم للذهاب لسوق بانياس لعرض ما ينتجون من أسماك، أن الوعود منذ أكثر من أربعة سنين كانت بإنشاء سوق للسمك بطرطوس، أن يكون الموقع بجوار مرفأ الطاحونة لقرب ذلك المكان من جزيرة أرواد، ثم اختلف الموقع وتم تحديده مجاورا لنادي الضباط الجديد، إضافة إلى وعد آخر بإنشاء سوق مجاور لمرفأ الطاحونة لكن السياحة اعترضت على تواجده وما زال أهالي طرطوس في الانتظار حتى الآن.
وأوضح السيد مأمون ولديه مركب للصيد في بحر طرطوس وقال: أن معاناة الصيادين بطرطوس كبيرة اليوم خاصة مع قلة مخصصات المازوت ورفع سعره وبالتالي فهناك قلة واضحة في زوارق الصيد التي تتحرك في البحر وتمارس الصيد، فمن أصل أكثر من 150 زورقا ومركبا مسجلا في الجمعية هناك فقط 20 منها يتواجد بشكل يومي في مناطق الصيد ويكون معظم العرض والكميات المستخرجة في سوق بانياس، مع بقاء سوق السمك الموعود في طرطوس مؤجلا حتى إشعار آخر، حتى وقت قريب، كان صيد الأسماك عند كورنيش طرطوس البحري يعكس هواية عشقها سكان المدينة السورية المطلة على ساحل البحر المتوسط، غير أن الأزمة الاقتصادية جعلت الهواية مصدر رزق لكثيرين في ظل التدهور المعيشي الناتج عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
السيد فجر الذي يعمل مدرساً لمادة الرياضيات للمرحلة الثانوية، كان واحدا ممن يعشقون صيد الأسماك، وساعده شغفه بهذه الهواية على امتهان الصيد لتلبية احتياجاته اليومية، تكلم عن الوضع العام وقال: كل شيئ غال وارتفع سعره، الأسعار لا تعرف الاستقرار، تطير وتقفز كأنها في ماراثون، وراتبي اليوم لا يلبي 20 في المائة من احتياجاتي الأساسية، لذلك حولت هوايتي إلى مهنة لكسب الرزق واستكمال تلبية متطلبات الحياة في ظل الغلاء الحاصل، ومنذ فترة تعودت المجيء إلى الشاطئ عند الانتهاء من دوام المدرسة،أجلس على صخرة خلف سنارتي وأنتظر حظي في صيد السمك، ومهما كانت غلتي خلال الأيام التي أصطاد فيها، فإنها تبقى أفضل من اللجوء إلى المتاجرة بإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المدارس، وهو ما أرفضه كليا ، علينا العمل بأكثر من مهنة لنتمكن من العيش.
السيد حازم وكان جاسا أمام البحر ممسكا بيده سنارة يدوية بسيطة وإلى جانبه سلة، ينتظر أن يملأها بما يجود به اليم من كرم البحر، قال لنا: منذ سنوات أُحلت إلى التقاعد، وخلال تلك الفترة اقترح علي جاري الخروج معه في رحلة صيد على الشاطئ القريب بمنطقة بصيرة بدلا من الجلوس في المنزل، عندما ذهبنا، جلست أراقبه كيف يضع الطعم ويرمي سنارته في المياه إلى أن تعلق السمكة ويخرجها بهدوء، حتى اصطاد ثلاث سمكات، فجعل واحدة منها للغداء والثانية للعشاء والثالثة أهداها لي، في اليوم التالي، طلبت من جاري أن يعلمني الصيد، ومنذ ذلك الحين، كلما أرادت العائلة وجبة سمك اذهب إلى الشاطئ واقضي يومي هناك، إلى أن اتمكن من صيد كمية مناسبة تكفي لأفراد العائلة، إنه أمر متعب؛ لكنه يبقى خيارا أنسب من الشراء، نظرا لضيق الحال المادية.
اما السيد هواش، وهو أب لديه خمسة أبناء، فأوضح أنه في السابق، كنت أشتري الكيلوغرام من سمك غبص، وهو من أنواع الأسماك الشعبية الرخيصة، بخمسة آلاف ليرة، لكن السعر تضاعف ليصبح الآن 80 ألف ليرة؛ بمعنى أن أكلة (وجبة) سمك لأولادي باتت تكلفتها ما بين 250 الى 350 ألف ليرة، فهل يعقل أن أدفع راتبي لشهر كامل من أجل وجبة واحدة، السيدة هيام أشارت إلى أنها تدفع نصف راتبها لشراء كيلوغرام واحد من الأسماك، لا يشبع عائلتها المكونة من أربعة أفراد.
السيد طاهر وهو صاحب محل للأسماك بالمدينة، أوضح أن أسعار الأسماك ارتفعت 60في المائة خلال الشهر الأخير نتيجة لرفع الدعم عن المحروقات وتكاليف التبريد، لا سيما في ظل ما تشهده البلاد من تقنين قاسٍ لاستهلاك الكهرباء، واكد على ضعف حركة البيع خلال هذه الفترة، في ظل تراجع القدرة الشرائية وضعف الرواتب والأجور، مشيرا إلى أن أقل سعر للأسماك يتراوح بين 25 ألف ليرة و 35 ألفا للكيلوغرام الواحد، في حين قد يصل ثمن بعض الأنواع، مثل (اللقوز الرملي)، إلى 800 ألف ليرة للكيلوغرام، وان هذه الأسعار جعلت المواطن أمام أمرين أحلاهما مر، فإما أن يمتنع عن شراء الأسماك نهائيا، أو أن يجازف ويشتري كيلوغراما أو اثنين حسب عدد أفراد الأسرة.
السيد خليل وهو صياد قديم من جزيرة أرواد الواقعة قبالة ساحل طرطوس، فيقول: السمك لم يعد متوفرا بعرض الساحل، مثلما كان عليه الحال خلال السنوات الماضية، الثروة السمكية ضعيفة في المياه الإقليمية، والإنتاج لا يكفي حاجة السوق المحلية، عدد كبير من الصيادين توقفوا عن الصيد هذا الموسم لعدم توفر المازوت، فمخصصات كل مركب يتم تسليمها بحسب حجم المركب، وتبلغ ما بين 12 و24 لترا يوميا، وهي لا تكفي لجولة صيد واحدة، ناهيك بعدم الالتزام بتوقيت التسليم، وعزا خليل ارتفاع أسعار الأسماك إلى أن صيانة قوارب الصيادين وسعر زيت المحركات وصيانة الشباك؛ جميعها تكلفتها أصبحت مرتفعة. يتبع ذلك ارتفاع تلقائي في أسعار الأسماك ليستطيع الصيادون الاستمرار في مزاولة مهنتهم.
ان سوق السمك الجديد من المشروعات الحيوية التنموية المهمة في المدينة، والأول من نوعه على مستوى مدينة طرطوس، وذلك لتعدد الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية والسياحية فيه ولوجوده في منطقة حيوية مهمة.
مهنة صيد السمك من المهن القديمة لسكان مدينة طرطوس، وذات طابع اجتماعي وأصبحت من المهن المتوارثة لدى العديد من العائلات بقصد العيش، وتنتشر محلات بيع السمك بشكل عشوائي في كافة أنحاء المدينة، وتسبب الضرر للمناطق السكانية من ناحية الروائح الكريهة والفضلات الناتجة عن هذه المهنة، إضافة إلى العربات الجوالة المنتشرة في أرجاء المدينة، ويهدف المشروع إلى تنظيم مهنة بيع السمك في المدينة، بما يخدم المواطنين بالشكل الأمثل، ويحقق راحة للصيادين لتجنب صعوبة نقل السمك لكون الموقع على شاطئ البحر، وخلق فرص عمل جديدة للعديد من العائلات في المدينة، واستثمار موقع المشروع بما يحقق موارد مالية إضافية للمدينة.
إضافة للحد من الانتشار العشوائي لمحلات بيع السمك في كافة أنحاء المدينة، والتي تلحق الضرر بالمناطق السكانية، وتنشيط الحركة في منطقة السوق وخلق استثمارات جديدة نظرا لوجود كافتيريات ومطعم للاستثمار.
وتتمثل الصعوبات بالنسبة للصيادين في قلة الحصيلة اليومية من الأسماك بحيث تكون نفقات رحلة الصيد أكثر بكثير مما ينتجه الصياد، مع غلاء أسعار الأسماك في طرطوس باتت لقمة صعبة على المواطن بالرغم من فوائدها، ولكن في الآونة الأخيرة تم اصطياد كميات كبيرة من سمك البلميدا لينخفض سعره قياسا بأنواع أخرى، علما أن قيمته الغذائية تضاهي غالية الثمن، لينقلب الأمر إلى ضرر بسبب الفوضى في بيعه.
ما زالت مدينة طرطوس تنتظر أن يبصر سوق سمكها الجديد النور، وأن يكون منظما بإشراف مباشر من الجهات المعنية لضبط هذه المهنة وتنظيمها وتيسير أحوال العاملين فيها من صيادين وأصحاب قوارب، فيكون سوقا مباشر لا يوجد فيه دور كبير للسماسرة والتجار والمتحكمين بأسعار السمك، ويحقق صلة وصل مباشرة بين الصيادين والباعة وسكان المدينة، كما يضمن للمشتري حصوله على كميات طازجة معروفة المصدر وعالية الموثوقية، ويسهل على الصياد تنزيل صيده بشكل مباشر، فلسنوات مضت باعتماد سكان المدينة وحتى الزوار على سوق مزاد السمك القديم في سوق الهال البعد عن البحر والمدينة، أو كان الاعتماد على المحلات الأخرى الموزعة في المدينة والبسطات القريبة من البحر والسيارات الجوالة، والتي يكثر الحديث عن التلاعب بأسعار سمكها وجودته ونوعيته، بخلاف مدينة بانياس مثلا التي تضم سوق سمك منظم وكبير يكثر فيه العرض ويقصده الجميع، فمتى يرى سوق السمك الجديد النور، ورغم كثرة الحديث عن مواقع مختلفة إلا أن الاختيار قد وقع على العقار /9432/ على شاطئ طرطوس الجنوبي جنوب موقع نادي ضباط طرطوس, والذي يعود بملكيته لمجلس مدينة طرطوس, ومن شأن هذا المشروع حين يرى النور أن يكون من المشاريع الحيوية التنموية الهامة في المدينة، والأول من نوعه على مستوى طرطوس، حيث سيضمن سوق بيع الجملة للسمك إجراء المزادات وفق ضوابط الموقع والشروط الصحية المطلوبة، في حين أن المواقع الأخرى التي كانت ضمن الطروحات لا تحقق الشروط الفنية والصحية المطلوبة لما يسببه سوق السمك من تجمعات وضجيج وروائح وإشغالات للشوارع والأرصفة والساحات، وأن الإسراع بسوق السمك الجديد من شأنه أن ينظم مهنة بيع السمك في المدينة بما يخدم المواطنين بالشكل الأمثل ويحقق راحة للصيادين لتجنب صعوبة نقل السمك كون الموقع على شاطئ البحر، كما من شأنه خلق فرص عمل جديدة للعديد من العائلات في المدينة، إضافة أن استثمار موقع المشروع يحقق موارد مالية إضافية للمدينة، ويحد من الانتشار العشوائي لمحلات بيع السمك في كافة أنحاء المدينة والتي تلحق الضرر بالمناطق السكانية، ومن الأهداف المنتظرة هي تنشيط الحركة في منطقة السوق وخلق استثمارات جديدة نظراً لوجود كفتيريات ومطعم للاستثمار.
ومازال أبناء أرواد يطالبون بإعادة افتتاح صالة مزاد الصيد الذي كان موجود قديما عند ميناء الطاحونة لأنهم أصحاب البحر والمهنة، وهم يتكبدون عناء الوصول لمناطق بعيدة لبيع نتاجهم، ناهيك أن إعادة افتتاح الصالة سيخلق حركة تنافسية جيدة في سوق السمك وأسعاره، إضافة الى همومهم الأخرى من شح مخصصات المازوت على البطاقة الذكية، والتي لا تسمح لهم بأكثر من أسبوع عمل قبل التوقف للبحث عن المادة بالسوق الحرة والسوداء، أو التوقف بقية أيام الشهر عن العمل، ناهيك عن شكواهم المتكررة من مركب الجرف التابع للموانئ، والذي يجرف ما يجرفه من الأسماك ويضر بالثروة السمكية، وصولا لواقع ميناء الطاحونة والحاجة لتنظيفه وتأهيله بانتظار تجهيز ميناء أرواد الجديد قبل شاطئ الأحلام، ولتحسين واقع ميناء الطاحونة، يجب رصف حوض الميناء من الداخل بشكل متواصل ليصبح غير نفوذ ما يسمح بزيادة عدد الأرصفة دون الحاجة لتوسيعه، وأنه لا يوجد ميناء مخصص لزوارق صيد الأسماك باستثناء ميناء المارينا الذي يغلق بين الفترة والأخرى بسبب حركة الرمال التي تمنع حركة الدخول والخروج إلى الميناء، كما يوجد مزادين في طرطوس، في سوق السمك الجديد الواقع على الكورنيش البحري تحت المقاهي الرصيفية.
يذكر انه قد قامت المدينة في عام 2001 بنقل سوق السمك من مكانه (قرب الطاحونة على الكورنيش) إلى سوق الهال شرق المدينة، على أن يكون سوق جملة مع السماح ببيع السمك بالمفرق ضمن أسواق المدينة وبمحلات ترخص أصولا، وفي عام 2018 قامت المدينة بتوقيع عقدي استثمار رقم 8 و9 لاستثمار مسمكتي سوق الهال الغربية والشرقية لبيع السمك بالجملة وإجراء المزاد العلني لبيع السمك بقيمة 15 مليون ليرة سنوياً، وفي عام 2019 أصدر مجلس المدينة قراره المتضمن السماح بترخيص مهنة بيع السمك بالمزاد العلني فقط في مسامك سوق الهال شرق المدينة العائدة ملكيتها للمدينة بما يحقق الرقابة المالية والصحية، بعيدا عن التجمعات السكنية لما يسببه سوق السمك من تجمعات وضجيج وروائح وإشغالات للشوارع والأرصفة والساحات، مع ضبط وتنظيم سوق الجملة والمزادات في المدينة في أماكن مخصصة وذلك في سياق استكمال وضع الأرضية القانونية والتشريعية اللازمة لاستثمار مسامك سوق الهال التابعة ملكيتها للبلدية.