لكل السوريين

جرائم التهجير القسري والتطهير العرقي

أعداد انعام إبراهيم نيوف

التهجير القسري هو سلوك وممارسة تنفذها قوى حكومية أو شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية، بهدف إخلاء مدن وقرى وأقاليم لإحلال مجاميع ومجموعات سكانية مختلفة عرقيا أو مذهبيا أو طائفيا بديلا عنها، ليصار إلى تغيير سكاني – ديمغرافي.

ووفق القانون الدولي الإنساني هو: الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة، وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، وان عمليات التهجير القسري، تعد وفق المادة (49) من اتفاقيات جنيف الأربع في 12اب 1949، والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977، جرائم حرب دامغة. وتشكل عمليات التهجير القسري انتهاكا فاضحا: لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1948، والتي تعد -في مادتها الثانية- أن كل ما يؤدي إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بمنزلة إبادة جماعية.

وهنالك العديد من أساليب ووسائل التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، ومنها:

إعادة التنظيم العمراني وإطلاق مشاريع كبرى، وشراء العقارات- اقتراف المجازر ونشر الرعب في صفوف المدنيين – تزوير بيانات وقيود السجلات العقارية وتزوير وكالات ووثائق الكتاب بالعدل وغيرها مما يتعلق بنقل الملكيات العقارية، ومن ثم نقلت الملكيات، إما مباشرة عن طريق دوائر السجل العقاري، أو استصدار أحكام قضائية لدى المحاكم المدنية- سياسة الحصار والتدمير- والتخيير بين التهجير والإبادة – محاصرة المدن والقرى وتجويعها وحرمان أهلها من مقومات الحياة.

وهذه الممارسات ترقى إلى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، وتتراوح المواقف الدولية مما يحدث عادة، من تهجير قسري وجرائم حرب من مواقف سلبية تحاول التستر والتهرب من مسؤولياتها بتصريحات وتنديدات لفظية جوفاء إلى تواطؤ وتورط بأشكال عدة في التهجير القسري إن كان بأساليب مباشرة أو غير مباشرة، تلعب الأمم المتحدة دورا متأرجحا، وتراوح دورها بين الوساطة غير الأخلاقية في اتفاقيات التهجير القسري أو الإشراف عليها.

اما جريمة التطهير العرقي، تؤكد الصكوك والاتفاقيّات القانونية الدوليّة ان (جريمة التطهير العرقي) هي عملية الطرد بالقوة لسكان غير مرغوب فيهم من إقليم معين على خلفية تمييز ديني أو عرقي أو سياسي أو استراتيجي أو لاعتبارات ايدولوجية أو مزيج من الخلفيات المذكورة. وهي محاولة خلق حيز جغرافي متجانس عرقيا او دينيا، في المنطقة المقصودة، بإخلائه من مجموعة معينة. ويتم تنفيذ ذلك باستخدام القوة المسلحة، والتخويف او من خلال الاعتقالات، الاغتيالات، والأكثر وضوحا هو عمليات الترحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الخصوصية الثقافية واللغوية والإثنية، عبر القضاء عليها نهائيا أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يراد له أن يسود. والهدف النهائي من ذلك هو السيطرة على مناطق تقطنها المجموعة التي يجري تهجيرها او تجعلها غير قابلة للسكن من قبلها مرة اخرى. وقد تكون عمليات التطهير العرقي، وفي حالات عدة، مترافقة مع مجازر ترتكب ضد الجهة المستهدفة، مع تعد واضح على ممتلكاتها وخصوصياتها، فهي جريمة ضد الإنسانية ومن الأفعال المحظورة والمحددة في نظام المحكمة الجنائية الدولية لعام : عندما ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق، ممنهج وموجّه ضد مجموعة (محددة) من السكان المدنيين بالأساليب والطرق المبينة في اعلاه. والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب في الحرب أو السلام، اي بصرف النظر عن وقت ارتكابها، والمهم ايضا انها تخضع للعقاب بغض النظر عن مكان ارتكابها. وتقع مهمة العقاب عليها على كل الأجهزة المختصة في الدولة اعتبارا من اعلى السلطة الى الوحدات الموجودة في الميدان وبعكسه فأن كل هؤلاء يمكن ادانتهم في المحاكم الدولية المختصة او في محاكم الدول التي تعاقب على ارتكاب هذه الجريمة بغض النظر عن جنسية مرتكبيها (وهو ما يقع ضمن مفهوم الولاية القضائية الدولية).

الالتزام المفروض على المجتمع الدولي في التصدي لمثل هذه الجرائم في ديباجة النظام تنص على عبارات واضحة مثل: وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني ومن خلال تعزيز التعاون الدولي”. وتضيف انها وقد عقدت العزم على وضع حدّ لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم، ثم تؤكد “بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين.

في هذه الجرائم الخطيرة والمعقدة، والمتداخلة المراحل، قد يكون من يرتكب هذا النوع من الجرائم أجهزة ترتبط فيما بينها برابط هيكلي، وقد تكون عمليات التنفد تجري من خلال افراد محددين تابعين لها يتم اختيارهم بدقة للتنصل من الفعل فيما بعد والقول انها عمل مجموعة اجرامية او عمل فردي. ولذلك غالبا ما ترتكب هذه الأفعال ضمن تعليمات يصدرها القائمون على مجريات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، ولكن ينفذها الأفراد في محاولة لتنصل المسؤولين الرئيسيين منها والافلات من العقاب. والمهم هنا، هو هذا الشكل الممنهج الذي تنفذ فيه وضمن خطة للاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد ضد الطرف الآخر. وقد تشترك عدة أطراف، او مجاميع، ويتولى كل طرف منها القيام بجانب معين من فصول الجريمة. قد يكون التخطيط، الرصد، جمع وتوريد وتوزيع الاسلحة، التدريب، الخطب الدينية والتجييش الطائفي، التهديد، الاعتقال، التنفيذ بالنقل القسري، تتشارك وتتشابك الحلقات والأفعال لاقتراف هذه الجرائم وقد تكون بطريقة غير مفهومة الملامح لغير المتابع التفصيلي لها فتختلط الرؤى والاسباب ويضيع هنا القصد الجنائي الواضح، وهو الخيط الذي يربط عمل كل المشتركين وينقل الجريمة الى مصافي الجرائم الدولية الخطيرة جدا.