تقرير/ سلاف العلي
يعتمد كثير من الموظفين الحكوميين في مؤسسات اللاذقية، على مداخيل إضافية للاستمرار في الوظيفة، بعضها يحمل صفة رشوة صريحة تحت مسميات مختلفة (إكرامية، حق فنجان قهوة، حلوان.. إلخ)، ووفق المتعارف عليه والمنتشر، فإنه لكل موظف تسعيرة مختلفة، بحسب طبيعة عمله وأهميته لإنجاز المعاملة، سواء كان هذا العمل يقتضي التوقيع أو الختم على الأوراق الرسمية، أو حتى مجرد تمريرها إلى موظفين أعلى مرتبة للموافقة عليها، لقد تحولت الوظيفة في القطاع الحكومي إلى كابوس يومي خلال السنوات الأخيرة، يدفع فيه العاملون ثمن انخفاض قيمة رواتبهم التي بالكاد تكفي أجور الطريق، لتتحول الدوائر الحكومية في السنوات الأخيرة إلى مقار لأعمال إضافية بعيدة عن طبيعة الوظيفة.
ومؤخرا أصبحت ظاهرة التفييش واسعة الانتشار في مؤسسات حكومية باللاذقية، بموجب اتفاق بين الموظف ومديره، يحصل فيه الأخير على مبلغ مالي مقابل التغاضي عن غياب الموظف، وأضحت هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير لا سيما في المدارس حيث يترك الطلاب في الباحات معظم أوقات الدوام، وحين تراجع بعض المؤسسات تتوقف معاملتك عند موظف قد لا يعود قبل أسبوع، هذا عدا عن نظام المناوبات الذي يتبعه الموظفون فيما بينهم لتسيير الأمور مقابل تهربهم من العمل.
ومن جهة أخرى، ففي الشهور القليلة الماضية شهدت ازديادا كبيرا في أعداد الموظفين الراغبين في الاستقالة، وأن هذه الرغبة، جاءت بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي أثرت في الجميع، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم غير المسبوق، وبعض الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أن القطاع العام وصل للإفلاس الإداري نتيجة ضعف الأجور والفساد، وأن الرقابة تكشف عن اختلاس 10 ملايين يوميا، وأن 50% من الشباب الذين لديهم خبرة واسعة هاجروا ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة، ويشهد القطاع الحكومي استقالات من الوظيفة العامة من جراء انخفاض الدخل وإجبار الموظفين على العمل لساعات إضافية من دون تعويض مادي، خصوصا ضمن ما يسمى مشروع الإصلاح الإداري، وأدى ذلك إلى استقالة كوادر كفئة المهندسين والمدرسين، الذين إما هاجروا أو اتجهوا إلى الأعمال الحرة، رغم ان الحكومة عممت على جميع الوزارات دراسة طلبات الاستقالة بشكل جدي، وعدم منحها لمن يريد دون وجود أسباب صحية أو إدارية ترتبط بالموظف، واشترط حصوله على موافقة أمنية،حيث أن أغلب الاستقالات تحدث من موظفي الفئة الأولى الذين يعملون من دون تقدير لجهودهم لا ماديا ولا معنويا.
دفعت هذه الظروف بالسيد غياث إلى استغلال وظيفته عبر التعاون مع شبكة من السماسرة، من أجل استخراج أوراق أحوال مدنية للمغتربين (إخراجات قيد، تسجيل أولاد)، بغية تأمين دخل إضافي يصل إلى مليون ليرة شهريا، وهذا العمل الإضافي دفعه لتقاضي أجورا إضافية.
السيد وجيه موظف يتقاضى اجورا إضافية على أعمال إصلاحات شبكات الهاتف الأرضي أو تأمين خط هاتف أو بوابة إنترنت، ورغم أن هذه الخدمات يجب أن تكون مجانية، لكن عندما يقدم المواطن شكوى بأن هاتفه معطل، أو يحتاج لبوابة إنترنت، أو إصلاح للخط قد ينتظر دوره لشهرين أو أكثر حتى تستجيب مؤسسة البريد، يأتي إلى السيد وجيه ويطلب منه مساعدته بشكل عاجل، ومن الطبيعي أن يحصل على أجور مقابل هذه الخدمة.
يعمل السيد يحيى مدرس رياضيات في إحدى مدارس مدينة جبلة، حاول الاستقالة من وظيفته عدة مرات خلال الأعوام الأخيرة والتفرغ للعمل في متجره ببيع المواد الغذائية لكنه لم يحصل على موافقة، واستطاع بعد أخذ ورد طويل الوصول لاتفاق مع مدير مدرسته على اختصار وقت دوامه من 4 ساعات يوميا إلى ثلاث حصص أسبوعيا فقط، ما مكنه من مواصلة العمل في متجره بدل قضاء معظم وقته في المدرسة، وأضاف، “معظم المدرسين حاليا باتوا يعتبرون الوظيفة عملا ثانويا، فكيف لمدرس أن يعيش بمبلغ 150 ألف شهريا في أحسن الأحوال؟” وأردف، “بعض المدرسين يتعمد الغياب لأوقات طويلة من دون اكتراث بأي عقوبة أو فصل، وآخرون يعطون دروسا خصوصية داخل المدرسة ومن استطاع تأمين عمل آخر بالطبع لن يصبر على هذا الراتب”.
السيدة وداد وهي تدرس مادة الرياضيات في مدرسة حكومية باللاذقية قالت: بعد نهاية الامتحانات الثانوية تقدمت بطلب استقالة إلى مديرية التربية وأتت بعد شهر مع الموافقة عليها، وهي كانت تدرس في مدرسة تبعد عن مكان سكنها نحو 30 كم، وتقدمت خلال العام الدراسي الماضي بطلب تحديد مركز عمل في مدرسة قريبة، لكن مدير مدرستها رفض الأمر بحجة عدم وجود بديل عنها، ومع بداية العام الدراسي انتقلت ريم للعمل في مدرسة خاصة قريبة من منزلها، وأصبحت تؤمن حوائج بيتها قليلا.
مع العلم إن دخل الموظفين حاليا لا يتناسب مع أبسط احتياجاتهم الأساسية، وحتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من “خبزة وبصلة”، وذلك في حين يبلغ متوسط الرواتب 250ألف ليرة، ويعيش الأهالي أوضاعا معيشية صعبة وأزمة اقتصادية تتفاقم يوما بعد يوم، حيث شهدت أسعار معظم السلع والمواد الأساسية في الأسواق السورية ارتفاعات مستمرة، لقد ازداد أعداد السوريين الذي يعيشون تحت خط الفقر. وذلك في ظل الارتفاع اليومي للأسعار، وعدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، إضافة إلى قلة فرص العمل، وضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية المتدهورة.