لكل السوريين

الموليا.. الفلكلور الذي لا يتغير مع تغير الأزمان

 

يعتبر الغناء الفراتي من الفلكلور العربي الأصيل الذي تمتاز به الرقة والطبقة ودير الزور، وهذا الغناء مختلف الأنواع (الربابة, المولية, الزمارة)، وإلى اليوم ما زلوا محافظين على هذا الفلكلور ويتوارث من الكبار إلى الصغار.

وتمارس الأغنية الفراتية ببساطة، وهذه البساطة في الأفكار تجعلها قادرة على التعبير عن حقيقة ما يعانيه  الشاعر الفراتي وما يكابده، ولكل شعور تخصص ونوع معين من الغناء، فللحزن الشديد (لنعي والندب وللفرح والدبكات) وللسهرات والمجالس الطويلة( الموليا) وللأطفال وخصوصاً عند النوم الهدي وللعاطفة والحزن والغربة والتذكر وبث الهوى (العتابا والسويحلي والنايل والأبوذية ) فتنوع الأغنية الفراتية وتخصصها وشاعريتها وشفافيتها وعذوبة ألحانها من أهم مميزاتها.

ويعتبر العزف والغناء من التقاليد العريقة لدى سكان الرقة والطبقة ودير الزور شأنهم في  ذلك شأن العديد من المدن العربية وقد كانت آلة الربابة حاضرة في الكثير من مناسباتهم الاجتماعية، وقد اشتهر أبناء البادية بالاهتمام بها أكثر من غيرهم، حتى أن أغلبهم كان يقتنيها ويضعها في مكان بارز في بيته، وهم يقومون بصناعة الربابة والزمارة والدف.

وبعد انتشار الربابة في أرجاء المناطق الفراتية؛ تطورت صناعتها وتضم عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركب عليها الوتر الوحيد ومثبت أسفلها طارة الربابة وفي أعلاها مجرى يثبت بها الكراب الذي يعمل على شد الوتر من أسفل العصا لأعلاها، والجزء الآخر منها هو السبيبة وهو الوتر وهو عبارة عن شعرة من ذيل حصان، والجزء الآخر هو القوس الذي يصنع من عود الرمان أو الخيزران ليشد عليه الوتر.

أما النوع الآخر من الغناء والعزف الفراتي هو المولية الفراتية والزمارة التي لا تخلو مناسبة أو فرح أو عرس من غناء المولية الفراتية التي لا تزال صامدة إلى يومنا هذا بوجه الصهر الثقافي والتحريف التاريخي لحقيقة شعوب المنطقة العريقة، فتحافظ على جوهرها التراثي أمام ضياع واندثار الموروث الثقافي.

ويعد الغناء التراثي نمطاً فنياً راقياً في المجتمعات و حيث يدمج بين ثقافة الفائدة من جهة والمتعة والتسلية من جهة أخرى ويضم في طياته الكثير من وصف التعابير الإنسانية والحالات الاجتماعية كالحزن والفرح الذي يجسده غناء المولية.

إن الجذر التاريخي للمولية يرجع إلى القرن الثامن الميلادي وإلى نكبة البرامكة بالتحديد عندما هاجمهم الخليفة العباسي هارون الرشيد, لأن للبرامكة خدم وجواري وقد شاهد البعض منهم ماحل بأسيادهم البرامكة، فحزنوا عليهم وبكوا صائحين (وامولياه) وإن أول من قال كلمة الموليا هي إحدى جواري البرامكة بعد نكبتهم التاريخية المعروفة.

ومع كثرة الغازين وجلل مصاب أهالي المنطقة شاعت المولية لندب الأحبة والأهل، وقد سجو خلال النضال الثوري لتحرير الأرض، فاضحت المولية من موروث المقاومة الثقافية الأصيلة ولحن لمعارك البطولة، كما أصبحت اهزوجة تعبر عن المشاعر لاسيما الحب العذري.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المولية تغنى في مناطق الرقة على لحنين أساسين الأول على الزمارة وهو النوع الذي يلحن على آلة المزمار ويعد لحناً بطيئاً للمولية، أما اللحن الثاني هو المولية الدفية حيث يرافق الغناء القرع على آلة الدف.

هذا ويعود سر نجاح المولية وانتشارها في أرجاء المنطقة لقوة كلماتها وجزالتها، بالإضافة إلى اللهجة العامية المستخدمة فيها، حيث يصعب على غير سكان الفرات فهم مفرداتها.

وإلى هذا اليوم يتوارث الشباب هذا النوع من الغناء والعزف من آبائهم وهم متحفظين ومصممين أن يحافظوا على هذا الفلكلور الذي يعتبر من تراثهم.

تقرير/ محمود الأحمد