لكل السوريين

عشر سنوات من التناحر…. هل من رابح ؟

صالح مسلم

بعد عشر سنوات من المآسي والآلام والتشرد والقنل والدمار يجب على سوري أن يقف ويلقي نظرة على هذه السنوات متسائلاً : من المسؤول ؟ وأين أخطأنا ؟ وإلى أين نتجه ؟ وما العمل ؟ . لنبحث عن إجابات لتلك الأسئلة ولو بشكل مقتضب فمآسينا أكبر من أن يتم التعبير عنها في مقال قصير.

من المسؤول : لا شك أن رب البيت هو المسؤول عن خراب البيت لأنه لم يجيد إدارة شؤون البيت. ثمة من يلقي باللوم على المؤامرات الخارجية، هذا صحيح ولكن أليس من مسؤوليات رب البيت أن يرى تلك المؤامرات ويتخذ التدابير اللازمة ؟  ومن تلك التدابير أن تزرع الثقة بين الشعب والنظام من خلال المعايير الديموقراطية، وتمنح الحرية للشعب للتعبير عن أفكاره وتطلعاته وتوجهاته ليكون شريكاً في القرار السياسي والمشاركة من خلال فتح أبواب الحوار والتنظيم في مؤسسات المجتمع المدني، بل وفي أحزاب سياسية تجمعها ثوابت وطنية سورية جامعة. وكل ذلك لم يحدث.

الأنظمة الإستبدادية عبر التاريخ تطلعت دائماً إلى صنع مجتمعات القطيع التي تنظر إلى شفاه المستبد وتنفذه دون تفكير، وحتى الدائرة المحيطة بالحاكم تكون منصاعة للحفاظ على مصالحها ومشاركتها منافع احتكار السلطة والثروة وبذلك تكون شريكة في دعائم الإستبداد وتحويل المجتمع إلى قطيع. وعندما يستسلم المجتمع إلى مفهوم الراعي والرعية أي يصبح ما يشبه القطيع لا يهتم بهوية وممارسات الراعي بل يستسلم لأصوات الأجراس التي تصدر من الراعي لينقاد خلفه، مما يعني أن الإنسان فقد حكمته وحرية التفكير في مصيره لينقاد خلف من يقرع الجرس. بالطبع رب البيت هو الذي يضع مجتمعه في هذا الوضع لسهولة إقتياده. ولا يفكر يوماً بأنه سيأتي آخرون ليدقوا أجراساً أعلى صوتاً وأعذب رنيناً لينقاد القطيع خلفه حتى ولو كان ذئباً بثياب الراعي. وهكذا تعدد الرعاة وتعددت الأجراس المقروعة أمام المجتمع السوري وتم خوض التناحر والولاءات، ولا زال يبحث عن القيادة السليمة التي تنظر إلى المجتمع كمجموعة بشرية حرة ذات رأي وإرادة لتحترم الرأي وتتوحد مع الإرادة. وقيادة من هذه الشاكلة توحد الرأي وتتكامل مع المجتمع، ستكون مكروهة من جميع الرعاة ورعاياها.

عندما كان السيد بشار الأسد يمشي يداً بيد مع حفيد العثمانيين في سوق الحميدية وقابالي جارشي متجاهلاً كل المكائد العثمانية القريبة والبعيدة ومتناسياً التاريخ العثماني وممارساته في سوريا، كان عليه إدراك ما يحاك للوطن السوري، وكيف يتم حفر قير السوريين، وعندما يعجز عن ذلك فيجب أن لا يلوم الآخرين. فالآخرون كانوا ذئاباً متربصة دائماً، وعملاً بمفهوم الراعي والرعية فالمسؤولية تقع على عاتق الراعي. وهكذا تحولت تركيا إلى بوابة الشر ومنفذاً لكل التدخلات والمصائب والويلات التي تعرضت لها سوريا. ولو كان هناك شيء من الديموقراطية والرأي الحر وإحترام إرادة الشعب لما فتحت هذه البوابة.

أين أخطأنا : أكبر خطأ كان السكوت أو الإستسلام للشعارات البراقة من طرف النظام حول الوطن والتحرير والكرامة الوطنية وما إلى ذلك، والتغاضي عن الفساد والإستبداد والممارسات التعسفية بحق شرائح المجتمع السوري ووضع كل من لا يوافقه الرأي في خانة الأعداء والخونة. وبث روح التفرقة والعداء من خلال الحزبية والولاء. والسكوت عن مفهوم “حلال على الشاطر” الذي أباح كل أشكال السلب والنهب والفساد، وأصبح وبالاً على المجتمع عندما أصبح الشاطر عميلاً للقوى التي أرادت الشر لسوريا والسوريين. بينما كان من المفروض أن تقوم القوى الطليعية بتنظيم وتوعية الشعب بتوجهات النظام الخاطئة، رغم صعوبة هذا التوجه في ظل الإستبداد.

إلى أين نتجه : وطننا السوري تحول إلى أرض مشاع تتواجد فيها كل القوى العالمية بشكل أو بآخر، ولكل طرف أطماعه ومآربه ومشاربه، البعض يدعي الصداقة والبعض الآخر يحتل، والسوري لا زال يخلط بين الصديق والعدو والمحتل والزائر. بعضنا مشرد خارج الوطن يتسكع أمام أبواب الآخرين محروماً من الكرامة وعزة النفس، وبعضنا الآخر لا زال في مخيمات اللجوء في البرد القارس شتاءاً والقيظ اللافح صيفاً، وقد تحول إلى مصدر لتصدير المرتزقة إلى الداخل والخارج، أو وسيلة للإبتزاز والتحايل على الدول والمنظمات الإنسانية العالمية . أما من بقي في الداخل فيعاني من فقدان أبسط اللوازم الحياتية بسبب العقوبات وفرض الحصار، بعضها على النظام وبعضها الآخر على مناطق خارج سيطرة النظام لأسباب تخص القوى الإقليمية، فباتت كل سوريا تحت المقاطعة والحصار. وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو فسوريا تتجه إلى دولة فاشلة منقسمة والإحتلال سيرسخ الإنقسام بعد التغيير الديموغرافي، وهذا ما لا يريده أي سوري.

ما العمل : الآن وقد مضت عشر سنوات عجاف على سوريا وانكشفت الألاعيب والمؤامرات والأطماع باتت مفضوحة إلى درجة كبيرة لم يكن متاحاً في السابق، والنظام بذهنيته وممارسته لا زال مصراً على العودة إلى ما قبل 2011 وهي الأوضاع والظروف التي انتجت هذه المعاناة، وهناك قرارات أممية متخذة في المحافل الدولية، وبعض الأطراف الدولية والإقليمية تعرقلها لأنها لا تتوافق مع أطماعها، وتعتقد أنها قادرة على إجراء التغييرات التي تطلبها من تغيير ديموقرافي وإحتلال قبل تنفيذ القرارات الأممية. ورغم كل ذلك تدعي جميع الأطراف أن القرار بيد الشعب السوري. فما دام القرار بيد الشعب السوري فلماذا نحن لا نتخذ القرار الذي هو بيدنا بعيداً عن رغبة ونفوذ كل الأطراف المتورطة في المأساة السورية بما فيها النظام ؟. والحوار السوري السوري هو السبيل الوحيد إلى ذلك، وقد جرت محاولات سابقة ولكن لم تكن كافية للتوصل إلى نتائج ملزمة نظراً لأن البعض لم يتخلص من ذهنية السلطة والبعض الآخر لم يتخلص من مخاوفه وهواجسه والتزاماته، علماً بأن الحوار الصريح يكفي لإزالة كل ذلك. والأحرار فقط هم يستطيعون الاتفاق والإلتزام.