لكل السوريين

تغييرات متوقعة ومخاوف من تفكيك الاتحاد.. اليمين المتطرّف يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبي

كرّست الانتخابات البرلمانية الأوروبية صعود اليمين المتطرّف بما قد يتسبب بتحوّل عميق ستشهده أوروبا بالتوازي مع ما يحدث في محيطيها الإقليمي والدولي.

وتصدّر اليمين المتطرّف نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في إيطاليا والنمسا، وحل ثانياً في هولندا وألمانيا، واعتبر زلزالاً سياسياً في فرنسا التي تعتبر أحد أقطاب الاتحاد الأوروبي والمختبر الرئيسي لقياس مؤشرات التحوّل السياسي والاجتماعي في دوله بشكل عام.

ووقفت خلف هذا الصعود عوامل متعددة من أبرزها قضايا الهويّة والهجرة، حيث أخفقت أحزاب اليمين واليسار المحافظة والمعتدلة في إيجاد حلول عملية لطمأنة المجتمعات الأوروبية إلى أن المهاجرين لا يشكّلون مصدر تهديد للهوية والثقافة الأوروبية، ولم تعمل على تشجيع المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم على المواءمة بين انتماءاتهم الدينية والثقافية وبين انتماءاتهم الوطنية، بما يساعد على تشكّل تركيبات مجتمعية قائمة على قيم التنوّع والتعايش والتسامح.

ولا يعود هذا الصعود إلى انحسار الخطاب الحزبي والسياسي التقليدي، بقدر ما يعود إلى متغيّرات ثقافية ومجتمعية شهدتها القارة العجوز بسبب عجز حكوماتها عن إدارتها بالشكل المناسب.

وستدفع معظم المجتمعات الأوروبية ثمن عجز نخبها التقليدية عن التصدّي لمشكلات الهجرة واللجوء بجدّية، مما صب في مصلحة اليمين المتطرّف الذي وجدت تشكيلاته في ذلك فرصة لتوسيع قواعدها الاجتماعية والانتخابية.

تغييرات متوقعة

بعد تقدم أحزاب اليمين المتشدد في البرلمان الأوروبي، يبدو أن نهج الاتحاد الأوروبي سيتغير في العديد من القضايا.

ووفق محللين سياسيين أوروبيين فإن ملفات الهجرة والوحدة الأوروبية وحرب أوكرانيا والطاقة ستأثر بشكل واسع في الدول الأوروبية.

وتعليقا على النتائج، قالت الخبيرة في الشؤون الأوروبية نيكولا زوكالوفا إن “النمو التدريجي لأحزاب اليمين المتطرف دعوة لاستيقاظ الأحزاب الرئيسية التقليدية التي تراجعت”.

وتوقع مركز أبحاث في بروكسل أن “ينعكس هذا النمو على أي مشروعات قادمة لتوسيع الاتحاد الأوروبي، بأن يكون من الصعب زيادة نموه ليشمل أوكرانيا ودول أخرى خلال دورة البرلمان الأوروبي المقبلة”.

وفيما يتعلق بملف الهجرة، يتوقع محللون أن يتم وضع إجراءات مكثّفة لتقييدها، حيث يعتبر التصدي للهجرة الكثيفة ملفاً أساسياً في برامج الأحزاب اليمينية، ويهيمن الخوف من تأثير هذه الهجرة على الهوية وفرص العمل ومستوى المعيشة على خطابها في كل من إيطاليا وفرنسا وهولندا والمجر وغيرها، وقاد هذا الخطاب بعض الأحزاب إلى الحكم، ومنها حزب الحرية في النمسا في انتخابات 2021، وحزب “إخوة إيطاليا” عام 2022، وحزب الحرية في هولندا في انتخابات العام الماضي.

مخاوف من تفكيك الاتحاد

يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في الحفاظ على التماسك بين دوله، ويرجح المراقبون أن تتفاقم هذه الصعوبات في ظل انكماش كل دولة على مصالحها، ورفض تحكم سلطة بروكسل فيها، حيث يمكن أن تؤدي الاختلافات السياسية المتصاعدة والضغوط التي تمارسها الحركات الشعبوية إلى إضعاف التضامن داخل الاتحاد بما قد يدخله بأزمة جديدة في وقت يحتاج فيه إلى بذل المزيد من الجهود المشتركة للتصدي للتحديات العالمية، ويزيد من مخاوف تفكيك الاتحاد.

ويزيد من هذه المخاوف سعي بعض الأحزاب اليمينية الفائزة في الانتخابات الأوروبية إلى إقامة علاقات وثيقة مع روسيا، مما قد يؤدي إلى تبني نهج أوروبي مختلف في التعامل مع حرب أوكرانيا، وكانت تلك الحرب قد فاقمت من الأزمات الاقتصادية في القارة الأوروبية، مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بوقف المساعدات الضخمة التي تقدم لأوكرانيا من قبل معظم دولها، وتصاعد مطالبة أحزاب اليمين المتطرف بوقف دعم هذه الحرب.

ويعتبر رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، من أكثر السياسيين اليمينيين صراحة في التعبير عن عدم رضاه عن الحرب وعن العقوبات المفروضة على روسيا.

بينما يصرّ زعيم حزب الحرية النمساوي هربرت كيكل، على تحييد بلاده عن حرب أوكرانيا،

وبعد تحقيق حزبه تقدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي، بدأ يجاهر بانتقادات الدعم المقدم لأوكرانيا، والعقوبات المفروضة على موسكو.

إلّا أن تقارير أوروبية تشير إلى انقسام اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين بشأن الموقف من روسيا، قد يحد من حجم هذا التغيير في دورة البرلمان الأوروبي الجديدة.