لكل السوريين

الغازات السامة والغبار تهدد حياة أهالي قرى طرطوس المحيطة بمعمل الإسمنت

تقرير/ أ ـ ن

تنتج مادة الأسمنت، عن احتراق عدد من المواد الطبيعية مثل الحجارة الكلسية، الغضار، الجير الكلسي، بدرجات حرارة عالية، وعبر مراحل العمليات الإنتاجية (التفجير، التعدين، النقل، التكسير، الطحن، الحرق، التبريد والتعبئة)، ونتيجة عملية الاحتراق تلك تنبعث من مداخن المعامل العملاقة عدة ملوثات، تتبع تراكيب المواد الخام المستعملة أو نوعية الوقود المستخدم. ومن تلك الملوثات الخطرة جدا على الصحة والبيئة عموما نذكر غاز ثاني أوكسيد الكبريت (SO2)  الذي يبقى في الجو لفترة 4 إلى 25 يوما متحولا بعدها إلى غيوم من حامض الكبريت الذي يؤدي إلى تشكل الأمطار الحمضية، كذلك تنبعث من المعامل مواد سامة مثل الزئبق والكادميوم، إضافة إلى أنواع عديدة من الغبار المحمول PM10 بأقطار صغيرة (من 20 وحتى 100 ميكرون)، وبعضها أصغر من 10 ميكرون، وتصل جميعها إلى مسافات بعيدة (15 كم) عن المعمل، وهي ذات تأثير خطير على صحة الانسان والحيوان والنبات، فعلى سبيل المثال ينتج عن استنشاق غبار الأمينت بكل أحجامه، تليف خطي يصيب الشعيبات التنفسية والرئة، ويتطور هذا التليف لينتهي إلى سرطان الرئة المعروف.

لقد وضعت المنظمات العالمية المعنية بالبيئة صناعة الأسمنت على رأس لائحة الصناعات الملوثة لكوكبنا، ذلك أن هذه المصانع تنتج كميات كبيرة من الغازات السامة والغبار المسرطن، فجميع الدراسات تؤكد أن إنتاج طن واحد من الأسمنت يؤدي إلى انبعاث ما يقارب 900 كغ من ثاني أوكسيد الكربون، و2,2 كغ من أول أكسيد الكربون، فيما تبلغ نسبة الانبعاثات الناتجة من صناعة الأسمنت نحو 5 بالمئة من مجموع الانبعاثات الناجمة عن النشاطات البشرية كلها.

وينتج عن عملية الاحتراق تلك أيضاً غازات سامة أخرى، كأكسيد النتروجين NO وثاني أوكسيد النتروجين NO2 (أحد أهم مسببات الأمطار الحامضية)، وتتحول أكاسيد النتروجين بمجرد دخولها الغشاء المخاطي للجسم البشري، إلى حمض الآزوت الذي يفتك بالجهاز التنفسي، كما تلعب اكاسيد الكبريت دوراً أساسياً في تدمير طبقة الأوزون، فثاني أوكسيد الكبريت تحديدا يقوم بتدمير طبقة الأوزون محولا إياها إلى أوكسجين.

أما استنشاق غبار الأسبستوس المنبعث من مداخن مصانع الاسمنت، فيؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة، فيما يسبب استنشاق غبار أوكسيد السليسيوم أو السليس الحر، وهو عبارة عن جزيئة قطرها أقل من (5 ميكرو)، مرض تصون الرئة.

ويرتفع الحد الأعلى المسموح به عالمياً للغبار المنبعث من صناعة الأسمنت في طرطوس، وهذا يعود إلى أن مصانع الأسمنت فيها قديمة ولم يكن هناك تشدد من جانب الحكومة تتعلق بالبيئة.

يقول الدكتور حسين: نحو 20 بالمئة ممن يعيشون بجوار معامل الأسمنت، وفي دائرة قطرها 20 كم، يعانون من الربو القصبي، التهاب القصبات المزمن، السعال التحسسي، وأن حالات السرطان أكثرها ابيضاض الدم وسرطان الثدي وأورام خبيثة في الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وأن عدد الحالات السرطانية في تزايد، لقد تجاوز عدد الحالات التي تم اكتشافها من خلال التصوير الشعاعي وبالأمواج فوق الصوتية (الإيكو)، المتوقع، معظمها مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية (الليمفوما) وبعض الحالات مصابة بمرض تحجر الرئة (السيليكوسيس) ، وأن السبب الرئيسي لمثل هذه الأمراض يعود بالدرجة الأولى إلى استنشاق مادة (الاسبيستوز) التي تبثها مداخن معامل الأسمنت في أجواء البلدة، ويضيف للأسف العلاج شبه مستحيل في حالات مرضية ، وقد خسرنا الكثير من خيرة أهالي البلدة بسبب التلوث اليومي الفظيع، وهذا مدمر حقيقي لكل أشكال الحياة، رغم ان مطالباتنا مستمرة ودائمة وعلى جميع المستويات، لكن ليس من مجيب.

عن الآثار السلبية للأغبرة الناتجة عن معامل الاسمنت يقول المهندس الزراعي منذر: إن الغبار المنبعث من المعمل يؤدي إلى انخفاض في انتاجية بعض المحاصيل الزراعية (القمح، الشعير، الخضروات بأنواعها…الخ)، ونتيجة لترسب الغبار عليها، تتكون طبقة ناعمة تؤدي إلى سد مسامات الأوراق (النباتات الصغيرة او الاشجار المثمرة) فيؤثر على عددها ووزنها ومساحتها، كما يؤدي إلى موت أجزاء من الشجرة أو موت كلي للنباتات ذات الأوراق العريضة، إضافة إلى أن غبار الأسمنت بكل أشكاله وأحجامه، يسبب اختلالا في الدورة الزراعية)، ويضيف قائلا: لقد لاحظنا أن التربة الزراعية في بعض المناطق القريبة من كتلة معامل الأسمنت قد أصبحت غير صالحة لزراعة أي شيء.