لكل السوريين

استلهام أبو فراس الحمداني في قصائد معاصرة

جمع لقاء أدبي قائمٌ على المحبة والتفاهم الدكتورين راتب سكر شاعراً، وثائر زين الدين دارساً وناقداً، في فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب عنوانه: “استلهام أبي فراس الحمداني في قصائد حديثة”، بحضور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب الدكتور إبراهيم زعرور وإدارة الروائي أيمن الحسن.

استهلَّ الأديب زين الدين دراسته، أنَّنا حين نقرأ قصيدة لشاعر عربي معاصر يستحضر شخصية ما، مستلهمة من التراث الأدبي أو التاريخي يتسارع إلى أذهاننا التساؤل عن البواعث الدافعة للشاعر لفعل ذلك، وما جدواها فنياً وفكرياً وغيرها من الأسئلة المطروحة، وسبقنا للإجابة عنها بعض النقاد ومنهم الدكاترة: “نعيم اليافي، عبد السلام المسدي، علي عشري زايد”، واختصر الأخير من الناحية الفنية جوهر تعامل الشاعر العربي مع موضوعه، وتكون وفق مرحلتين حيث تُعبِّر الأولى عن الشخصية، كما فعل أحمد شوقي في منظومته التاريخية “دول العرب وعظماء الإسلام”، وعزيز أباظة في مسرحياته الشعرية: “قيس وليلى، الناصر، شجرة الدر”، لافتاً إلى أنَّ المرحلة الثانية تمَّ فيها توظيف الشخصية التراثية أو التعبير بها وتختلف كلياً عن السابقة بسبب إدراك الشاعر أنَّ دوره لا ينحصر في العودة إلى التراث بهدف نبشه وإحيائه بل لينطلق منه من جديد في مرحلة مغايرة، مزوَّداً بالقيم الخالدة في التراث بعد تجريدها من آنيتها وارتباطها بعصر معين.

الدكتور زين الدين انتقل بالحديث عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش واستحضاره شخصية أبي فراس الحمداني في ديوانه “عاشق من فلسطين” المحتوي قصيدة تحمل العنوان نفسه، مستعيراً صوت أبي فراس زين الشباب ضمن تقنية الاستدعاء العرضي، المعتمد عليه منذ عام ١٩٦٦، ثم عاد إلى الشخصية ذاتها في عام ١٩٩٥ أي بعد ما يقارب ثلاثة عقود ٢٩ عاماً ليستحضرها واجداً ضالته الفنية والمعنوية للتعبير عن تجربة اعتقاله في سجون “الاحتلال الصهيوني” لكنَّه سيفعل ذلك وفق ما أسماه الاستغراق الكلي في الشخصية وسيلبسها قناعاً يتحدث من خلاله بعد أن امتلأ بها، منوِّهاً بتشابه تجربتهما في الأسر وانتظار الخروج إلى الحرية وترقُّب أخبار الأهل ورسائلهم وخاصةً الأم المنتظرة على جمر الألم والحزن أنباء الأقارب، من خلال القناع يستعيد درويش تجربة سجنه عندما كان في حيفا، وسابقاً كتب قصيدته “أحن إلى خبز أمي” لأنَّ التجارب الأليمة الموجعة لا يمكن أن يمحوها الزمن وستلاحق صاحبها مهما حاول نسيانها، إضافة إلى نضوج تجربة الشاعر كثيراً بعد اطلاعه على تجارب كثيرة في الأدب العربي والعالمي، ما جعلها تزداد عمقاً وثقافة ومعرفة في شتى وجوه المعرفة وفي حقل الأدب بالتحديد.

ثم لفت الشاعر ثائر إلى بواعث استدعاء شخصية أبي فراس الحمداني ومنها فنية ووطنية وقومية، كما لا تغيب البواعث النفسية والعاطفية، والباعث الثقافي سببه تأثر شعرائنا المعاصرين والروَّاد بها، موضِّحاً أنَّ الاستغراق الكلي في شخصية أبي فراس لمسناها في ثلاث قصائد ومنها: “روميات أبي فراس” لعبد الوهاب البياتي، الظاهرة في مجموعته “الموت في الحياة” عام ١٩٦٨ ومن يوميات الشاعر محمود درويش ومجموعته الشعرية “لماذا تركت الحصان وحيداً” عام ١٩٩٥، و”في انتظار أعرابي يواري زين الشباب الحمداني الثرى” للدكتور راتب سكر ظهرت مجموعته الشعرية” ملاءة الحرير” عام ٢٠٠٠.

لا يستدعي الشاعر في قصائده المذكورة الشخصية في فقرة أو مقطع أو ركن من أركان القصيدة فحسب، بل يشغل استحضارها قصيدة كاملة، لاجئاً إلى التقنية ذاتها حين يشعر أنَّ علاقته بالشخصية بلغت ذروتها وتستطيع أن تنهض بملامحها التراثية بأبعاد تجربته الخاصة فإذا به يتقمَّصها ويتحدث بلسانها، ويضيف إلى ملامحها ما يخدم رؤاه الفكرية.

ثم بيَّن الدكتور زين الدين أنَّ الشاعر سكر تساوت عنده حاله مرميَّاً في العراء تحت النجوم في قرية “صدد” التابعة لمحافظة حمص بحاله الآن مرمياً على فراشه شاخصاً إلى السقف حسيراً من جراء ملمَّة لا بدَّ أنها ألمَّت به وراح يُلمِّح لها تلميحاً، لكن الشاعر بالرغم من ذلك يأمل أن له في حمص صديقاً لن ينكر الودَّ وملاعب صبا درج عليها فأنشد:

جمهراتٌ

من تراتيل نجوم

سجَدَتْ فوقَ عرائي

مُفرَدٌ في ليلةٍ من كلمات

أغلقَتْ أسرارَها

وحشةُ دَرْبِي

عزَّ فيها

طيفُ خِلٍّ

أو نَصِيرْ

بدوره الدكتور راتب سكر أكَّد أنَّه من النادر أن يكتب أديب عن جهود أديب آخر؛ وغالباً ما تغلب المنافسات بين الجيل نفسه.