لكل السوريين

مع اقتراب الامتحانات.. تدني التعليم يجبر الطلاب على الدروس الخصوصية

تقرير/ سلاف العلي

يتم تجاهل حق التعليم أثناء الحروب والصراعات، وقد لا يشكل هذا الحق مصدر قلق فوري مثل غيره من الحقوق الإنسانية، إلا أنه في الواقع مهم جدا خلال حدوث الأزمات والكوارث الإنسانية وبعد انتهائها، حيث يؤثر تعطيل التعليم على إمكانية توفير الاستقرار والسلام الداخلي للأطفال واليافعين والكبار وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية، وحرمانهم من التعليم يجعلهم غير متأهبين للمساهمة في التعافي الاجتماعي والاقتصادي لبلادهم، ويضر ذلك بالقدرة على بناء مجتمع قوي ومستقر، يتجاوز آثار الحرب و ينطلق منها لبناء مجتمع متماسك وبلاد متعافية شيئا فشيئا.

وكان قطاع التربية والتعليم أكثر المتضررين من هذه الأزمات حيث تم خروج عدد كبير من المدارس – يقدر بالآلاف – عن الخدمة في المناطق الساحلية، منها ما هو مدمر كليا والباقي بحاجة إلى إعادة تأهيل

لقد أدى النزوح المتكرر للسكان الناجم عن المعارك والقصف المستمر والعشوائي في مناطق أخرى إلى زيادة كثافة أعداد الطلاب في الصفوف وعودة المدارس إلى الدوام الصيفي وتقصير اليوم الدراسي والحصة الدرسية وإعادة توزيع المعلمين المتكرر على المدارس في اللاذقية وريفها، وبالتالي تراجع نوعية التعليم وزیادة تكاليفه وانخفاض جودته. أما التأثيرات غير المباشرة والبعيدة المدى فيصعب حصرها والتعبير عنها رقميا ولعل أخطر تلك التأثيرات هو تراجع العديد من المكتسبات التربوية في العقود الماضية سواء ما تعلق منها بتحقيق أهداف التعليم للجميع والتعلم مدى الحياة أو الأهداف الانمائية والتنمية المستدامة وضياع الاستثمارات الهائلة التي وضعت فيها بفعل الحرب ونتائجها.

لقد تراجع أداء الكوادر التعليمية في المدارس العامة على حساب تميزهم في المدارس الخاصة والدروس الخصوصية، امام ضعف الأجور وارتفاع المستوى المعيشي كما أن انخفاض الدافعية لدى المعلمين لعدم وجود أليه تقييم حقيقيه وصعوبة التعامل مع الأعداد الكبيرة للتلاميذ والخلل في توزيع الكوادر التعليمية نتيجة إعادة توزيع العاملين بسبب الظروف الراهنة وعدم استقرار الواقع التربوي للطلاب وانقطاعهم عن الدوام واضطرارهم الى تغيير أماكن اقامتهم عده مرات خلال العام الدراسي كل ذلك أسهم في ظهور الفاقد التعليمي بشكل كلي أو جزئي.

مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية في كل عام دراسي ينشط موسم الدروس الخصوصية والمكثفات كالعادة، لتبدأ معه معاناة الطلاب وذويهم جراء الأعباء المالية الكبيرة المترتبة على أسعار تلك الدروس، والتي وصلت في الآونة الأخيرة إلى أرقام خيالية.

فمن وجهة نظر الطلاب وذويهم تكمن المشكلة الأكبر بالعبء المادي الذي يتكبدونه لتغطية تكاليف الدروس الخصوصية والمعاهد الخاصة، أما الأزمة الكبرى فهي بالأسباب التي دفعت الأسرة نحو الدروس الخصوصية لتعويض الفاقد العلمي لأبنائها، والأسباب التي دفعت المعلمين لامتهان التعليم، وتحويله من مهمة إنسانية عظيمة إلى مهنة تعيش وتكسب، انها شذوذات أصبحت ضرورات فرضتها السياسات التعليمية التفريطية واللا مسؤولة، التي أودت بالقطاع التعليمي نحو المزيد من التراجع والتدهور والترهل.

فقد تم تكريس الدروس الخصوصية خلال السنوات الماضية كسوق وبورصة، بلا رقابة ولا ضوابط، تحكمها حاجة التلميذ لترميم الفجوة العلمية في بعض المواد لزيادة كفاءته تمهيدا للتقدم للامتحانات وتجاوزها، وحاجة المعلم إلى دخل إضافي يكفيه مساوئ العوز هو وأسرته، كما تتحكم بها الأطماع الاستغلالية المرتبطة بهذه الحاجات والاحتياجات.

تراوحت التكلفة الوسطية للدروس الخصوصية في العام الماضي في مدينة جبلة واللاذقية ومدنها كجبلة والقرداحة، ما بين 10-40 ألف ليرة لكل ساعة، حسب بعض الطلاب وأسرهم.

وقد ارتفعت تكلفة الدروس الخصوصية هذا العام بنسبة 200% بالمقارنة مع العام الماضي، حيث بلغت ساعة درس مادة الفيزياء أو الكيمياء 45-60 ألف بحدها الأدنى، أما ساعة درس الرياضيات فتراوحت بين 60-80 ألف ليرة، وبالنسبة للغة العربية تراوحت بين 50 الى 75 ألف حسب المرحلة، في حين سجلت اللغات الأجنبية 40 الى 70 ألف للساعة الواحدة.

مع الإشارة إلى أن الأسعار أعلاه هي الحد الأدنى، فهي تختلف حسب المرحلة التعليمية، وسمعة وكفاءة المعلم، والمنطقة، وبحال كان الدرس في بيت ذوي الطالب أو في منزل المعلم، وكذلك ترتفع الأسعار مع اقتراب الامتحانات.

أما ما يطلق عليها مكثفات – المراجعة النهائية للمنهاج- فلها حسبة وتكاليف وأسعار أخرى في المعاهد الخاصة التي تقيمها، إذ تجاوزت تكلفة دورة المكثفات لبعض المواد كالرياضيات المليون ليرة سورية، ولتتراوح تكلفة باقي المقررات ما بين 700 الى مليون ليرة، بحسب المعهد والمنطقة وعدد الساعات.

مديرية التربية باللاذقية، بالإضافة إلى تقليص وتراجع دورها ومهامها في المدارس الرسمية، لا تريد إيجاد حلول لمشكلة الدروس الخصوصية، فما بين انكار وجودها على نطاق واسع، وبين الإعلان عن الاشراف على المعاهد الخاصة، مع العلم أنه سابقا كانت التربية لا تتدخل بأقساط هذه المعاهد، ولكن نظرا لارتفاع أجورها، تم هذا العام تنسيق الدورات التعليمية بين مراكز المدن ومركز المحافظة، ومع ذلك فإن الغاية من التدخل الرسمي ليس بغاية الحفاظ على جودة العملية التعليمية أو مصلحة الطلاب، بل جوهر الأمر على ما يبدو هو إيجاد صيغة تسووية مقبولة للتنافس بين المعاهد والمدارس الخاصة، فتنامي واستفحال ظاهرة الدروس الخصوصية والمعاهد الخاصة، تتمحور مسبباتها بشكل أساسي حول السياسات الحكومية التي دفعت بالمنظومة التعليمة إلى الهاوية، فالتلميذ والمعلم كانوا ضحايا وقرابين السياسات التعليمية بشكل خاص، حيث أصبحت المدارس عاجزة عن توفير أهم مستلزمات العملية التعليمية فيها، كوسائل الإيضاح والقرطاسية وبقية الاحتياجات الشبيهة، إضافة إلى التجهيزات العلمية والعملية والتقنية، وإلى جانب ذلك تفتقر معظم القاعات الدراسية إلى الإنارة الجيدة والتدفئة والتهوية، وشروط الراحة النفسية التي يحتاجها الطلاب، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد في القاعات الدراسية، نضيف الى ذلك ، أن معيار دخول الجامعات من خلال آليات المفاضلة العامة المتبعة، يتوقف على العلامات المحققة بنتيجة امتحان الثانوية العامة فقط، وهذا المعيار غير صحيح وغير كاف في ظل واقع الترهل والتراجع في العملية التعليمية في المرحلة ما قبل الجامعية.

فكيف يمكن للمعلم، الذي أنهكه التفكير بتأمين مستلزمات الشهر من خبز وغذاء ودواء، أن يقف بكامل قواه وذهنه ليقدم المعرفة لطلابه في الصف، إضافة إلى المهام الموكلة إليه من وضع أسئلة وتصحيح ومحصلات وسجلات، فالمعلم مستنزف في الوقت والجهد حتى الرمق الأخير، لقاء أجر زهيد لا يتناسب مع جهده وتعبه، ولا يتوافق مع ضروراته المعيشة.