لكل السوريين

أهالي طرطوس مجبرون على السكن بالأرياف البعيدة لغلاء العقارات في المدينة “1”

تقرير/ أ ـ ن

ارتفعت إيجارات البيوت خلال سنوات الأزمة في محافظة طرطوس وريفها القريب، ولم تعد تتناسب مع متوسط الأجور ولا بأي شكل من الأشكال، وان واقع في سوق العقارات والبناء يبين أن ارتفاع أسعار العقارات بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء التي تضاعفت عدة مرات، إضافة الى تكاليف النقل، ما انعكس على سعر المتر المربع، وبحسبة للجدوى الاقتصادية لإيجارات المنازل فإنها خاسرة ولكن الإمكانيات المالية للمواطن ضعيفة، مما زاد الطمع لدى التجار والمتعهدين والسماسرة، يمكن اعتبار ارتفاع أسعار الألبسة والاحذية واسعارالخضار والفواكه واللحوم الجنوني أمرا محتملا في حال مقارنته بالارتفاع الكبير الذي شهدته إيجارات المنازل في طرطوس وريفها، ويمكن التخلي عن جزءا من الألبسة والاحذية، واللحوم تستبدل بالخضار، ويمكن حذف نوع من الفاكهة من المائدة ، لكن لن يكون بسهولة استبدال مكان السكن، وبالتالي لن يكون سهلا حذف إيجار المنزل من قائمة فواتير المواطن.

السيدة أم محمد جورية من ريف حلب ولديها ثلاثة أطفال وزوجها يعمل ميكانيكي سيارات بالمنطقة الصناعية بطرطوس ، قالت لنا: لقد وصل إيجار المنزل في ريف طرطوس في مناطق الشيخ سعد وصافيتا ومعمل الاسمنت والبلاطة إلى المليون ليرة ، مقابل 800 ألف ليرة في غيرها متل عرب الشاطئ ويحمور والسودا، وذلك على حسب الخدمات في المنطقة، لكن الجديد الذي حدث الان هو تراوح إيجار الغرفة للواحدة بين 250 و300 ألف ليرة في الأحياء الشعبية، لتتجاوز 450 ألف ليرة ضمن مدينة طرطوس، وهذا ما جعل بعض الخبراء يصنفون مدينة طرطوس بأنها من أكثر المدن بالعالم بارتفاع الإيجارات، مقارنة بالدخول المنخفضة.

السيد أبو طنوس صاحب مكتب عقاري في دوير الشيخ سعد قال: هذا الارتفاع بالإيجارات يعود الى سبب تزايد السكان في طرطوس وريفها مقارنة بباقي المحافظات السورية، وهنالك عدد كبير ليس من سكان طرطوس، وأن السكن ضروري، وليس رفاهية ليتمكن المستأجر من التخلي عنه عندما يرغب، خاصة في ظل قلة العرض وزيادة الطلب، لكنه أشار وقال على الرغم من هذه الارتفاعات إلا أن الحركة لم تقل بالشكل المتوقع، خاصة في الأحياء المخدمة أكثر، والقريبة من الشارع الرئيسي ومركز المدينة، واكد على أن مبلغ المليون ليرة المفروض على ايجار المنازل في بعض الضواحي لا يشمل الفرش، فالبيوت المفروشة يرتفع إيجارها الضعف ليصل إلى مليوني ليرة، وهو الرقم نفسه الذي تؤجر به البيوت في ضواحي أخرى.

السيد ماهر وهو صاحب مكتب عقاري في طرطوس أوضح: لا يوجد ما يسمى بارتفاع أسعار وأجور العقارات، وأكد أنه يوجد ما يسمى بتراجع القدرة الشرائية للمواطن، ويرى أنه وعند العودة لأي معيار سعري خلال الفترة الماضية نجد أن الأسعار والأجور تنخفض، وقال : لنأخذ متوسط إيجار أي بيت حاليا، مثلا 500 ألف ليرة، هذا المبلغ كان منذ سنة قادراً على شراء سلة غذائية معينة، اليوم المليون ليرة لا تشتري نفس السلة الغذائية ولا نصفها، وهذا كله يعود لانهيار القدرة الشرائية لليرة السورية، الأمر الذي يعطي منعكس بارتفاع أسعار الإيجارات بشكل وهمي وغير صحيح، وان ما يتم تداوله عن ارتفاعات جديدة قادمة في أجور وأسعار العقارات، يترافق مع انهيار القدرة الشرائية لليرة السورية، ما يولد هذا الارتفاع غير المسبوق في ظل غياب أي معالجات للوضع المعيشي الصعب وارتفاع الأسعار الساعي الذي تشهده السلع والمواد، فالمؤجر هو أيضا مواطن يعيش من إيجار بيته، وأضاف هنالك يوجد مؤجرين باتوا يطلبون إيجارات المنازل بالعملة الصعبة أو بالذهب، وهو ما يخلق مشكلة أخرى للمستأجر، ويتم تنظيم عقد الإيجار لسنة واحدة أو ستة أشهر، ولكن بعد مضي هذه المدة المنصوص عنها بالعقد، يتم رفع الأسعار، وختم بالقول : إن أسعار وإيجارات العقار مرتفعة كثيرا، وبالنسبة لليرة السورية فالعقار الذي كان سعره مئة مليون أصبح اليوم مليار ليرة، لكن بالعودة لتقديره بالعملة الصعبة أو الذهب، فعلى الرغم من ارتفاعه بالليرة السورية ألف بالمئة لكن بالمؤشرات السعرية الثانية فهو منخفض بنسبة 60 إلى 70%، وهو ما يعني انهيار بالقدرة الائتمانية للمستهلك، فكما معلوم أن كل شخص في هذه البلاد يريد الاستثمار أو ائتمان نقوده فهو لا يتجه للبنوك، بل يتجه باتجاه العقار وهو ثقافة قديمة تفيد أن العقار لا يخسر لكن للأسف العقار أصبح يخسر وهذا مستمر، ومنذ بداية الأزمة حتى اليوم خسر قرابة 60% من القيمة الفعلية له بناء على مؤشرات سعرية ثانية، أن إيجارات المنازل ارتفعت وزادت إيجارات العقارات ذات المواقع المميزة إلى مليون ونصف المليون وأكثر، حيث طالب بعضهم بـ4 ملايين إيجار منزل مفروش، وأضاف أن العقار بالمدينة الذي يبلغ ثمنه مليارا لا يمكن أن يطلب لإيجاره أقل من مليونين ونصف المليون وأكثر لأن القيمة المالية للمليار إذا ضخت بأي عمل تجاري فستدر له أكثر من ذلك بكثير، وبالتالي من حقه أن يطالب بهذه الأرقام.

أشارت السيدة عائشة إلى أن غياب السكن الطلابي مدينة جامعية في طرطوس يشكل عقبة كبيرة أمام الطلبة المستأجرين الذين باتوا غير قادرين على الاستمرار بالإيجارات الحالية، ومعظمهم يبحث عن عدد أكبر في الشقة ليتقاسموا المبلغ، علما أن معظم هؤلاء الفتيات عاملات بعد الظهر، وهنالك قسما كبيرا من المهجرين لا يزال يعيش مستأجرا في طرطوس وريفها ولاسيما ممن ليست لهم مصالح كبيرة في محافظاتهم، أما الأغنياء وأصحاب الورشات والمعامل فعادوا إلى مناطقهم التي هجروا منها بعد تحريرها لكن قسم كبير اشترى هنا،  وقد تضاعف بدل الإيجار عدة مرات عما كان عليه الأمر قبيل الأزمة، وأن الطلب على إيجارات المنازل في طرطوس لا يزال كبيرا حتى بعد استقرار الأوضاع في معظم المحافظات، وأن بدل الإيجار يتحدد حسب مساحة المنزل وموقعه وكسائه وأغلى الايجارات يقع في أحياء شارع الثورة والحمرات والكرامة والقصور والغدير وجمعية المصارف والمنشية، وهناك أحياء لا توجد فيها إيجارات أو لا يرغب أصحابها بتأجير منازلهم كالسجن والبرانية والقيصرية والساحة، بالرغم من عودة معظم المهجرين إلى ديارهم، لكن الفقراء منهم ما زالوا مستأجرين ويجددون عقودهم مع زيادة متفق عليها، أن أسعار إيجارات المنازل والمحال التجارية ارتفعت خلال سنوات الحرب بشكل كبير نتيجة ازدياد الطلب وعدم قدرة الناس على الشراء لارتفاع أسعارها، لقد وصل إيجار المنزل في أحد أحياء طرطوس الى ارقام نووية، بينما لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي ال 300 ألفا, لقد تضاعفت هذه الأجور هذا السنة 2024لنفس العقارات بنسبة تزيد على 500 بالمئة , مقارنة بالسنة الماضية2023.

السيد أبو خليل أحد المواطنين، وكان يساوم ويجادل في مكتب عقاري بالمدينة، حول آجار بيت يريد أن يحصل عليه، بعد ان شاهد المنزل المطلوب مع أحد عمال المكتب، ودخلنا على الخط وحاولنا نسمع منه ومن صاحب المكتب عن المصيبة الواقعة، وعلى الفور اجابنا السيد أبو خليل:  أن المعيشة غالية ولا احد يرحم المواطن لا الدولة ولا التجار، اجار البيوت هنا جهنم حمرا، ودائما أصحاب المكاتب يقولون لنا ان اصحاب المنزل هيك حاطين سعر اجار البيت، تصوري ان بيت غرفتين ومنتفعاتهم وغير مفروش وطابق ثالث وبالضاحية, والعقد فقط لستة اشهر, ويريدون الاجرة400الف ليرة شهريا، وما في امامي حل لأنه هذا الارخص, ونحاول قدر الإمكان ليكون العقد لمدة سنة على الأقل، أما صاحب مكتب العقاري أبو ميلاد، أخبرنا، انهم سماسرة ووسطاء بين أصحاب العقارات بيوت ومحلات وليس لهم اية علاقة بأرقام اجارات البيوت او المحلات، هذه الأرقام التي لا تعرف رب ولاسما، على حد قوله، ويأخذون أجرة سمسرتهم فقط، بنسبة معروفة 2,5%, ولا يوجد رقيب ولا حسيب للإيجارات، وصاحب الملك هو من يتحكم بالأرقام، وكلها مرتبطة بحركة سوق، مواطن يريد مكان يسكن فيه، وصاحب ملك يريد ان يستثمر عقاره بيت او محل، واحد يعرض بضاعته والثاني بحاجة اليها ويريدها، ولا يوجد بينهما الا نحن الوسطاء فقط، وأن تحديد أجرة العقارات, بيت او محل، يتم بحسب الطلب والموقع والخدمات وقربها من المؤسسات، كالجامعة والمشافي وكراجات الانطلاق ومحطة القطار، إضافة الى موضوع تجهيز العقار والإكساء الذي يتميز به، والحقيقة أنه ليس بمقدور كل المواطنين الاستئجار في تلك المواقع لذا يتجهون إلى الأحياء الشعبية والضواحي ومناطق المخالفات الواقعة خارج المخطط التنظيمي لمدينة طرطوس لكون العقارات تكون فيها أرخص، او الى مناطق بعيدة عن المدينة في بعض القرى القريبة من المدينة كمنطقة الطريق الجديدة او طريق صافيتا أو دوير طه, وهذه أيام الجامعات والطلاب, وهذا ما زاد الطلب على العقارات وبالتالي ارتفاع إيجارها.

السيد أبو ضياء من أهالي بانياس أضاف: إنه على الرغم من عمله نهارا وليلا، إلا أنه لا يستطيع تأمين متطلبات الحياة اليومية، نتيجة الارتفاع اليومي للأسعار، ومن بينها أسعار ايجارات البيوت والمحلات، والتي ترتفع كل ثلاثة اشهر, ويقولون كلمتهم الدائمة لنا : اذا ما عجبك الله معاك, يعني يطردونا طرد, البيت الذي أسكن فيه مع عائلتي يتجاوز قيمة راتبي الحكومي الذي لا يتجاوز250 ألف ليرة سورية، وكل ثلاثة أو ستة أشهر يأتي صاحب المنزل ويرفع الإيجار، ويبرر ذلك بارتفاع الأسعار, وأن له أيضا الحق في رفع إيجار منزله, وان الحي الذي نسكنه بالمساكن الشعبية، ونحن مضطرون للإيجار لكوننا لا نملك أي مكان نسكن به ما يضطرنا لعمل إضافي إلى جانب عملنا الأساسي لتلبية متطلبات الحياة المعيشية الصعبة، أن عملية البحث عن عقارات للإيجار في المدينة كل ستة أشهر أو عام بعد انتهاء عقد الإيجار ما يؤدي الى فوضى وقلق وتعب وكفر في هذه الحياة، ويزيد ضغط الطلب على العقارات الأمر الذي يؤدي لارتفاع إيجارات المنازل مجددا، وما تزيد صعوبة الأمر والضغط على المستأجرين، هو أن أغلبية أصحاب العقارات السكنية يطلبون دفع قيمة الإيجار مقدما لمدة عام أو لمدة 6 أشهر وفق عقد الإيجار المنظم مع المؤجر.

ايجار ومبيع وشراء العقارات في طرطوس تشهد ارتفاعا مستمرا منذ عدة سنوات، وذلك لعدة أسباب، من بينها زيادة أسعار مواد البناء، وانخفاض قيمة الليرة مع بقاء الانخفاض في الدخل، واهم الأسباب تتعلق بتصرفات حكومية خاطئة، رافق ذلك ركود في السوق، أن التجارة الداخلية حاليا في حالة ركود بسبب تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية وتقلبها المستمر، اما الذين يلجؤون إلى بيع منازلهم للمتاجرة بها واستئجار منزل آخر للسكن. وهم يفعلون هذا لأن تكاليف العقارات مرتفعة نسبة إلى الدخل، الأمر الذي يجعل الإيجار أقل أشكال الاستثمار تكلفة، هذا ويعاني الأهالي من ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية، الأمر الذي زاد الطين بلة مع الارتفاع الأخير في أسعار المحروقات والمواد الاساسية، في ظل انهيار الليرة السورية وضعف القدرة الشرائية للمواطن وانخفاض الاجور في القطاعين العام والخاص.