تتعدد الأسباب التي تدفع المتقدمين بالعمر إلى الزواج من نساء وفتيات يصغرنهم بأعوام كثيرة، إلا أن هذه الظاهرة التي ازداد انتشارها في سوريا بعد الحرب خلقت جدلًا اجتماعيًا، ووزعت السوريين بين مؤيد لها، ومعارض، ومتحفظ عليها.
فبينما يراها البعض حلًا لتأخر زواج الفتيات، يعتقد آخرون أنها وسيلة جيدة لـ “الستر على زوجات ضحايا الحرب والمعتقلين”، وتنظر إليها فئة أخرى نظرة إيجابية على اعتبارها “خالية من نقد الشرع”.
إلا أن شريحة كبيرة من السوريين ترفض هذا الزواج، وترى فيه أمرًا سلبيًا يحمل الكثير من الأعباء النفسية والاجتماعية على النساء بالدرجة الأولى، وعلى الأطفال أيضًا.
وبالحديث عن خلفيات انتشار ظاهرة زواج المسنين في سوريا، يتوجب الحديث بداية عن تحذيرات عدة هددت المجتمع السوري وأرهبت إناثه من “شبح العنوسة” مع تخطي عدد الإناث في سوريا حاجز 65% من مجمل فئات المجتمع، وفق ما صرح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، لصحيفة “تشرين” الحكومية، في شباط 2017.
يقول أحد سكان ريف إدلب الجنوبي في لقاء له، إنه لا يرى ضيرًا في زواج الرجل المتقدم في العمر من فتاة صغيرة، وذلك بسبب تناقص أعداد الشبان إثر الحرب في سوريا، كما يشدد على أن هذا الزواج لا يحمل أي سلبيات.
أما حمد “النازح من مدينة حماة”، فيرفض زواج المسنين من فتيات صغيرات، معتبرًا أن التفاهم بين فتاة عشرينية على سبيل المثال ورجل خمسيني سيكون مستحيلًا كونها سترى فيه أبًا وليس زوجًا.
فيما يقول نازح أخر أن المرأة بحاجة للرجل إذ كانت أرملة، وأنا أفضل زواج الرجل بأرملة”، كما ساق شبيب لتأكيد موقفه رأيًا شرعيًا يقول بضرورة تعدد الزوجات.
أما خالد الحلبي فذهب إلى تحليل أسباب هذا الزواج، واعتبر أن الوضع المادي للرجل هو المعيار، ومن وجهة نظره فإن بعض الأهالي لا ينظرون إلى “عمر وخُلُق ودين الرجل”، بل إلى أمواله.
هل يمكن أن تتأقلم الزوجة وأطفالها مع رجل مسن؟
من منظور آخر، يرى علم النفس أن لزواج المسن من فتاة في مقتبل العمر آثارًا نفسية قد تطال الزوجة وأطفالها، ومنها شعور الزوجة بـ “الظلم” وأنها ليست بالمكان الصحيح، ما يشكل عندها حالة قلق مزمن لا تعرف مصدره بالضبط، وفق ما قالت الدكتورة زهراء بيطار.
الدكتورة بيطار، الاختصاصية في الطب النسائي، أوضحت أن الزوجة من الصعب أن تتأقلم على العيش مع رجل بعمر والدها، وغالبًا ما تتخلل علاقتهما مشكلات كبيرة قد لا تطفو على السطح، بسبب انعدام التقبل النفسي عند المرأة وشعورها بأنها سُلبت حياتها وشبابها ما يعرضها لحالات اكتئاب.
ومع ذلك ترى الدكتورة زهراء بيطار، التي وثقت حالات عدة كهذه خلال عملها، أن وجود زوج كبير بالعمر له تأثير على الأطفال أيضًا، من ناحية شعورهم بـ “الانتقاص” إذا كان الأب كبيرًا بالعمر، خاصة أن صعوبة سيطرته عليهم يفقدهم “الراعي الأخلاقي” الأول في حياتهم لقلة تأثرهم بهم، حتى وإن كان ميسورًا ماديًا.
وتابعت الدكتورة بيطار “الأثر الأكبر في حياة الأطفال أن والدهم المسن قد يموت، ما يجعلهم عرضة إلى فقدان المعيل، والمرشد الأول في حياتهم”.
وعن التأقلم، قالت بيطار إن كلمة تأقلم “كبيرة جدًا”، إذ إنها غالبًا ما تصبح صعبة التحقّق عند مواجهة ظواهر خارجة عن المألوف، كأن تعيش المرأة مع رجل بعمر والدها مثلًا.