لكل السوريين

رحيل هنري كيسنجر ثعلب الدبلوماسية الأميركية وحامي إسرائيل

توفى هنري كيسنجر عن عمر ناهز مئة عام أمضى جزءاً كبيراً منه في العمل السياسي والدبلوماسي كمستشار للأمن القومي ووزير للخارجية، وكان شخصية بارزة في المؤسسة السياسة الخارجية الأميركية.

ولد هنري كيسنجر عام 1923 في مدينة فويرث الألمانية لعائلة يهودية هربت من ألمانيا بسبب الاضطهاد النازي، ووصلت إلى نيويورك عام 1938، وحصل على الجنسية الأميركية عام 1943، وخدم مدة ثلاث سنوات في شعبة استخبارات الجيش الأميركي بألمانيا، ثم دخل “جامعة هارفارد” وحصل على شهادة الدكتوراه ليصبح واحداً من أبرز عناصر “مجمع العقول” في الإدارة الأميركية.

ورغم أنه ترك منصبه في منتصف سبعينيات القرن الماضي، استمر دوره السياسي من خلال استشارة أجيال من القادة له والعمل بمشورته لعقود من الزمن، ليصبح عراب معظم التغييرات في العالم، من الحرب الباردة إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا اللاتينية.

وكان من أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية التي تركت بصماتها على المنطقة العربية، ولا سيما في وقف حرب تشرين عام 1973، وعملية السلام بين مصر وإسرائيل بعدها، ثم توقيع الطرفين على معاهدة كامب ديفيد عام 1978.

مهمة إنقاذ إسرائيل

بعد حوالي أسبوعين من تسلّم كيسنجر حقيبة وزارة للخارجية مع احتفاظه بمنصبه في البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي، اندلعت حرب السادس من شهر تشرين الأول عام 1973، بهجمات منسقة على إسرائيل من قبل مصر وسورية، وهددت وجود إسرائيل.

ووفق مذكراته، فوجئ كيسنجر بحجم الإنجازات التي حققها الجيشان المصري والسوري في الساعات الأولى للحرب، واختراق خط “بارليف” على الجبهة المصرية، و”آلون” على الجبهة السورية، وبحجم الانهيار الذي شهدته إسرائيل في تلك الساعات.

وبدأ جهوده المكثفة لإنقاذ إسرائيل ومساعدتها على استعادة زمام المبادرة، وتعديل الموازين العسكرية وتأجيل أي محاولة لانعقاد جلسة لمجلس الأمن لإقرار وقف الحرب قبل ضمان تدفق السلاح النوعي بشكل عاجل إلى إسرائيل، وإتمام التعبئة فيها وبدء هجومها المضاد.

وحسب مذكراته، فقد كان “من غير المقبول أن تتعرض إسرائيل للهزيمة حتى وإن أدى ذلك لتدخل أميركي، كما يجب منع العرب بأي حال من تحقيق انتصار مؤثر بسلاح سوفياتي، حيث يجب ألا يظهر الاتحاد السوفياتي باعتباره المنقذ الوحيد للعرب وصانع انتصاراتهم”.

وتشير مذكراته إلى أنه كان يتصرف بانحياز كامل لإسرائيل، وبدا وكأنه جزء من الدبلوماسية الإسرائيلية، حيث طلب من السفير الإسرائيلي في واشنطن استنفار جماعات الضغط الإسرائيلية للضغط على الكونغرس والرئيس الأميركي للموافقة على كل طلبات إسرائيل العسكرية.

وفي أيلول 1975، وقع “مذكرة تفاهم” مع الإسرائيليين تلزم الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو التفاوض معها ما لم تعترف “بحق إسرائيل في الوجود” كدولة عنصرية تؤمن بالتفوق اليهودي.

كيسنجر والعراق

بعد الإطاحة بشاه إيران الصديق المقرب لأميركا وإسرائيل، سعي كيسنجر إلى تسليح العراق ليقف في وجه المد الإسلامي القادم من  إيران، وعمل على ضرب إيران بالعراق بهدف استنزاف قوة بلدين “لا يمكن الاطمئنان إليهما معا على المدى الطويل”، حسب تعبيره.

وسمّيت هذه السياسة فيما بعد بسياسة “الاحتواء المزدوج”، وقد عبر عنها كيسنجر بقوله “هذه أول حرب في التاريخ أتمنى ألّا يخرج بعدها منتصر، وإنما يخرج طرفاها وكلاهما مهزوماً”.

وقال إن “الهدف الذي نحاول الوصول إليه من خلال هذا النزاع يكمن في القضاء على من نعتبرهما قوتين معاديتين لأميركا، لا نحب العراق ولا إيران، كلاهما عدو لمصالحنا الاستراتيجية في المنطقة وفي العالم بأسره”.

وبعد اجتياح الولايات المتحدة وحلفائها للعراق عام 2003، عقد كيسنجر اجتماعات مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني لتقديم المشورة لهما بشأن السياسة هناك، وقال لهما إن “الانتصار على التمرد هو استراتيجية الخروج الوحيدة”.

وفي مقال بصحيفة واشنطن بوست نشر عام 2010، تحت عنوان “لا تنسوا العراق”، حذّر من إهمال العراق، ودعا إدارة الرئيس باراك أوباما آنذاك إلى التركيز على العراق واستمرار السيطرة عليه باعتباره محوراً استراتيجياً في المنطقة.

يذكر أن كيسنجر لم يغيّر موقفه من القضية الفلسطينية طيلة حياته، حيث أدان قبل وفاته بشهر بشكل حاد ما سمّاه “هجوم حماس الإرهابي” على إسرائيل، ودعا إلى ردعها بقوة، وطالب بتخفيف الوجود العربي في ألمانيا حيث جذوره اليهودية التي استغلها لخدمة إسرائيل على مدى عمره، وكرس لذلك الهدف كل مهاراته السياسية ونفوذه الدبلوماسي.