لكل السوريين

جيش الاحتلال يقتحم مخيم جنين.. ويدمر رموز مقاومته

بالتزامن مع العدوان الوحشي على قطاع غزة، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين شمال الضفة الغربية، وقامت آلياته وجرافاته بتجريف الشارع الذي يربط المخيم بمدينة جنين، وتدمير شبكة المياه  في محيطه، وحطم جنوده المحال التجارية، وأشعلوا النار فيها ووصلت ألسنة النار والدخان الكثيف إلى الطوابق العليا، حيث تكدست العائلات وأطفالها.

وقامت سيارات الإسعاف بنقل النساء والأطفال من محيط المخيم إلى أحياء أخرى، في مشهد يذكّر باجتياحه بداية شهر تموز الماضي الذي استمر ليومين وأجبرت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف المواطنين على ترك منازلهم بعد تهديدها بالقصف بالصواريخ، ما اضطرهم للنزوح إلى المستشفيات القريبة.

وبعد ساعات من محاصرة المخيم لم تتمكن خلالها قوات الاحتلال من الدخول إلى عمقه، وبقيت آلياته تحاصر مداخله وتطلق النار على المقاومين الذين اشتبكوا معهم.

وتمكنت كتيبة جنين من تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة ناسفة، وقالت إن مقاتليها تمكنوا من إصابة عدد من الجنود بشكل مباشر، بينما استشهد في الاقتحام الذي استمر ست ساعات، أربعة شبان فلسطينيين.

تدمير أقواس العودة

لم يتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من الدخول إلى المخيم، ولكنه صب كامل حقده على رموزه التي ارتبطت بتاريخه، فحطمت جرافاته أقواس العودة عند مدخل المخيم، في محاولة جديدة لطمس معالمه، والنيل من أي رمز يشكل قيمة لدى سكانه.

وشهد الإعلام العبري حالة غير مسبوقة من الاحتفاء بهدم قوس النصر والمقاومة في مدخل مخيم جنين، وصوّر العملية بالانتصار الكبير، وهلّل لها كما لم يحدث من قبل.

وكانت الأقواس قد بنيت في العام 2016، باعتبارها حدوداً مؤقتة للمخيم، وتكمن رمزيتها في أنها تمثل محطة انتظار مؤقتة للاجئين لحين العودة، حيث بنيت على شكل قوسين يعلوها مفتاح يرمز إلى العودة، مكتوب عليه “مخيم جنين.. محطة انتظار لحين العودة”، وتعتبر أحد أهم المعالم والرموز الخاصة بالمخيم.

ومع بدء انسحاب قوات الاحتلال مع ساعات الصباح الأولى، تجمع المواطنون أمام ركام الأقواس التي شهدت أكثر من مرة احتفالات مقاتلي كتيبة جنين وأهالي المخيم بإخفاق اقتحامات الاحتلال السابقة، وأكدوا على مواصلة تصديهم المستمر لاقتحامات جيش الاحتلال المتكررة.

تدمير الحصان

وعلى المدخل الشمالي الشرقي للمخيم، دمرت جرافة تابعة للاحتلال “دوّار الحصان”، وهو رمز فني صنع بعد معركة نيسان العام الماضي من بقايا سيارات الإسعاف التي قصفها جيش الاحتلال لمنع وصول المصابين والشهداء إلى المشافي، ويعدّ حصان جنين الحديدي أحد أهم الرموز الشاهدة على تاريخ المخيم، حيث تعاون الفنان الألماني توماس كيلبر خلال زيارته  للمخيم مع نشطاء فلسطينيين، لتنفيذ عمل فني من وحي المعركة التي استشهد فيها 58 فلسطينياً.

ونصب الحصان على المدخل الشمالي الشرقي للمخيم، واعتبره السكان رمزاً يمثّل الأصالة والثبات في مواجهة غطرسة الاحتلال واقتحاماته المتكررة للمخيم.

كما اعتبر مخيم جنين رمزاً النضال في الضفة الغربية يمثل الوحدة الوطنية والصمود ويعتز به كل الفلسطينيين، ولذلك يحاول الاحتلال من خلال إخضاع المخيم أو تدميره، كسر رمزيته.

ويرى نشطاء المقاومة في المخيم أن قوات الاحتلال لم تستطع دخول المخيم ومواجهة شباب المقاومة، لذا لجأت لتدمير معالمه ورموزه والبنية التحتية فيه بهدف كسر حاضنتهم الشعبية.

ملحمة مخيم جنين

أثارت مقاومة مخيم جنين مشاعر الاعتزاز لدى الفلسطينيين، وساهمت في استعادة ثقتهم بأنفسهم وبسعيهم لانتزاع حريتهم وحقوقهم، وأعادت تعريف معنى النصر والهزيمة في الصراع غير المتكافئ مع دولة الاحتلال العنصرية، فمجرد صمود المقاومة والتصدي لاقتحامات العدو، هو إنجاز غاية في الأهمية، وخطوة على صعيد تغيير معادلات الصراع العسكرية.

واستطاع المقاومون في المخيم فرض ملحمتهم المشبعة بروح التضحية والإصرار على عدم الرضوخ لمحاولات عدوهم فرض إرادته عليهم، ولعل ذلك جوهر الملحمة، نظراً للتفوق الهائل لجيش الاحتلال الإسرائيلي على عشرات من المقاومين بأسلحتهم الفردية، إذ لم تستطع إسرائيل من القضاء على المقاومين وفرض الاستسلام على المخيم، كما كانت تعلن دائماً.

وأكدت هذه الملحمة أن على الشعوب التي تكافح من أجل تحررها، مراكمة الانتصارات العسكرية والسياسية الصغيرة في نضالها طويل الأمد، وتجنب المواجهات المباشرة مع جيش المستعمِر المدجّج بالسلاح، والعمل على مواجهته في مواطن ضعفه، واستنزافه وإرهاقه بمختلف أشكال النضال الممكنة، مما يمكّنها من رفع كلفة احتلاله، وإثارة التناقضات في مجتمعه، ونزع الشرعية الأخلاقية والقانونية والسياسية عنه أمام الرأي العام العالمي.