تقرير/ سلاف العلي
خلال سنوات الحروب وكرد فعل واع او غير واع، انتشرت وبكثرة ظاهرة الزواج المختلط في الساحل السوري عابرة للطوائف والقوميات والاثنيات متجاوزة لكل ما انجبته الحروب في سوريا وعليها.
السيدة أم مهند وهي من أهالي درعا متزوجة من شاب من ريف جبلة أخبرتنا: “أنا وجميع أفراد أسرتي والعديد من السوريين من العامة نرفض أن تكون الطائفية سمة من سمات التلاقي والتعامل بيننا، وما حالات الزواج المختلط التي تشهدها مختلف المناطق السورية ومنها المنطقة الساحلية، وهي بوابة لفهم بعض النواحي الاجتماعية في البلاد، فالدم والموت لم يمنعا التقارب بين الساحل السوري وأقصى الجنوب، من خلال زيجات أبت الدخول ضمن دائرة الصراع السياسي وبمظاهره الطائفية، وإن بعض حفلات الزفاف في بعض المناطق الساحلية كجبلة وبانياس واللاذقية وطرطوس جمعت عشاقا من معظم الأراضي السورية.
السيد جعفر وهو عسكري في الجيش السوري من بلدة صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس، يروي لنا قصة زواجه من السيدة عائشة وهي من أهالي بابا عمرو في حمص ويقول: “كنت على خطوط التماس المجاورة، وتعرفت على الفتاة المحجبة رغم تحديات المعركة والضغوط الاجتماعية، وأخبرت أهلي حول مقصدي بالخير ورغبتي بالزواج من هذه البنت، وفي البداية رفضوا الأمر وحتى العلاقة وإن ذلك يعرض حياتي للخطر، وأضافوا هنالك اختلاف في العادات والتقاليد بيننا وبين الفتاة وأهلها واختلافا بين بيئتين مجروحتين من الحرب، لكنني أصريت على الزواج وإن هذه الأمور نتاج الحرب وما يتعلق بالموروث والعادات فكلنا سوريين والاختلاف بالمظاهر لن بشكل عائقا بيننا، وعد عدة سنوات أثبتت أن التأقلم والعشرة هما أساس إنجاح الزواج، وليس هذه المظاهر او الشعارات البراقة، وليس خافيا على أحد أنه في البداية كنا جداً حذرين في إبداء الكثير من الآراء، وبعد الزواج لفترة مناسبة يصبح التفاهم والتأقلم هو الأساس وأصبحنا مضرب مثل، ولا يخلو الموضوع من بعض الآراء غير المصرح بها أمامنا، ولكن كان يكفينا أن البعض يراقبنا من بعيد ويرى أن خيارنا هو الصحيح ولو كانت البدايات صعبة.
وفي إحدى قرى المحورية في ريف اللاذقية أشار إلينا السيد عمر وهذا اسمه الأول الحقيقي ويعيش به، وهو من أهالي حلب ويعمل بمهنته الأصلية بيع الفول المدمس والحمص والفلافل ومعروف ومحبوب بمهنته والزحمة عنده دائما، قال لنا “إن الكثير من زملائه ومعارفه وأقربائه تزوجوا من بنات الساحل ومنهم من عاش وبقي هنا والبعض عاد مع أولاده وأسرته إلى حلب والبعض هاجر، لم يوقفهم الهاجس الطائفي التافه عن المضي في زواجهم ممن يحبون، وهذا يعود الى وعي السوريين واحترامهم لبعضهم ويضيف قائلا: زوجتي مدرسة ابتدائي وكانت شريكتي الداعمة، وعائلتها التي تعيش في ريف اللاذقية كانت من الطيبة والبساطة، بحيث احتضن أفرادها زواجنا، واعتبروني أحد أولادهم”.
عائلة زوجتي، لم تتأثر بالانقسامات الحاصلة، بل رأت أن الشاب لا يختلف عن أي واحد من أفراد القرية والقرى المجاورة، وباركت الزواج.
بدورها، تروي مها وهي مدرسة في طرطوس، ظروف زواجها من عبد الغفور، ابن غوطة دمشق الذي رفض تسلح عائلته، وانضمام أبنائها إلى صفوف ما يسمى بالجيش الحر واختار الارتباط بالأنسة مها، رغم معارضة أهلها لهذا الزواج، غير أن الأخيرة اختارت الارتباط بمن تحب رغم ما قاله لها شقيقها قبل الزواج: أنت خائنة، إذ تمضين نحو من يقتلون أهلك والأبرياء في بلادك. لكن مها وجدت أنها غير معنية بهذا الكلام، إذ تقول: لم أقبل أن أحيا بعقدة حرب البسوس الغابرة. يلزمنا الكثير لنغير موروثاتنا. الحرب تودي بالعقول إلى الوراء والتخلف والالم والخسارات بل وتؤثر في تمسك المواطنين بوحدة بلادهم، ولم أعتبر نفسي خائنة. كنت مجرد عاشقة، وتؤكد على موقف والدها الداعم لها، فقد قال لي وأنا أخرج من بيته كزوجة: إنه خيارك. أتمنى لك التوفيق.
وإن كان النزوح قد شهد أقسى أنواع التعامل مع المرأة السورية، وتعددت فيه حالات الاغتصاب وزواج القاصرات والاتجار بالنساء، إلّا أنه في الوقت ذاته شهد الكثير من حالات الزواج القائمة على توافق الطرفين المختلفين اثنيا وطائفيا، ولعل حكاية منذر، الشاب الجامعي من طرطوس الذي ذهب ليدرس في حلب، وقع في حب الفتاة النازحة من الرقة، وهي زميلة له في كلية الهندسة الميكانيكية وحظي بموافقة والدها حين تقدم لخطبتها والزواج منها، والعيش بمدينة طرطوس ودون أن يطلب مهرا، وتخرجوا ويعيشون بهدوء مع ولديهما، بحسب ما يقول.
إن كانت بعض أهداف هذه الحرب تدمير انتماء السوريين إلى وطنهم أولا، إلا أن البعض آثر تأكيد ذلك والتحدي في رباط دائم عبر خيارات لا تكون الطائفية والمذهبية جزءً منها.