لكل السوريين

في اليوم الدولي للاعنف، ٩,٣ مليون سوري يعانون من العنف ولا حلول مرتقبة

حاوره/مجد محمد

حياة وقيادة المهاتما غاندي، الذي ساعد في قيادة دولة الهند نحو الاستقلال، كانتا مصدر إلهام لجميع حركات ألاعنف والحقوق المدنية والتغيير الاجتماعي في جميع أصقاع العالم، يحتفل العالم جميعاً في اليوم الدولي للاعنف في ٢ تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، وهذا التاريخ هو تاريخ ولادة المهاتما غاندي زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف.

وبمناسبة ذكرى هذا اليوم الذي صادف في هذا الأسبوع الجاري، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ عيسى مطر، مدير العلاقات الدبلوماسية لمنظمة (ترابط) المحلية للمجتمع المدني، ودار الحوار التالي:

*أستاذ عيسى مرحباً بك بداية، بين العنف واللاعنف، شرح بسيط من فضلك؟

اهلاً بك، عندما نتحدث عن اللاعنف يجدر بنا بدايةً التحدث عن العنف لمعرفة نقيضه، فالعنف هو الغلظة والفظاظة في الأقوال أو الحركات أيضاً والانتهاك لممتلكات الآخرين والتعدي على أرزاقهم وحرياتهم، هذا من باب أخلاقي أو وجداني ويمكن القول إنه استخدام للقوة بهدف الاستيلاء على السلطة أو الانعطاف بها نحو أهداف غير مشروعة وهذا من باب سياسي، فلا يمكننا حصر فكرة العنف في إطار معين فهي تختلف من ميدان إلى آخر وكذلك بمستويات متفاوتة، ومن خلال ما ذكرت لك عن العنف فأن صورة اللاعنف قد أصبحت واضحة وقد اتضحت معالمها في كونها صورة من الروعة بحيث لا تمت إلى القوة بصلة، ومن خلال هذه الصورة يمكن تقديم تعريف لمبدأ اللاعنف على إنه وسيلة من وسائل العمل السياسي والاجتماعي تستبعد القوة في الوصول إلى أهدافها وتفتقد التعدي على حقوق الآخرين وتقوم على أساس الاعتراف بالآخر.

*المهاتما غاندي يعتبر الأب الروحي وفيلسوف مبدأ اللاعنف، ما هي سياسته في هذا المبدأ؟

من دون الدخول في التفاصيل والأحداث التي حصلت في ذلك الوقت حينذاك من مسيرة الملح وقصة معامل غزل ونسيج لاكشير، فالسياسة التي أتبعها غاندي المتمثلة بالتوعية وشرح مشكلته بدون عنف، تتجسد بعدة أشكال منها الاعتصام، والمظاهرات، والعصيان المدني، ففكرة اللاعنف تقوم على أن سلطة الحاكم تعتمد على موافقة الرعية، والحاكم يصبح عاجزاً دون انصياع قطاعات رئيسية من الشعب، ومصيره الفشل إذا لم يحظ بشرعية الشعب وإذا أصر الشعب على رفضه، أما إذا سكت الشعب فعندها يسيطر الحاكم الظالم، ومبدأ اللاعنف صار فلسفة تدعى(ساتياغراها) فلسفة تقوم على عدد من المبادئ والأسس الدينية والسياسية والاقتصادية عند غاندي، فاللاعنف هو الحقيقة والحق والصلابة والتصميم من أجلها واللاعنف لا تعني الاستسلام للمحتل وإنما المقاومة السلبية التي تهدف لإلحاق الهزيمة به، وكذلك هو عندما يعي الناس بعمق الخطر المحدق فإنهم سيواجهونه، وكذلك فلسفة تعني تثوير السياسة بالأخلاق، وقهر البغض والكره بالحب، والعنف بالمعاناة والصبر، فهو ليس عجزاً، وإنما قرار بأنني لن أعاقب عدوي ولكني لن أغفر له.

* اليوم الدولي للاعنف، قليل من يعرفه أو سمع به، أغلب الأشخاص لا يعرفون أنه يوجد يوم دولي بهذا الخصوص، هل قلة الاحتفال به سبب هذا الشيء أو عدم التركيز على الاهتمام به من قبل الحكومات؟

تتخذ الاحتفالات باللاعنف أشكالاً متنوعة عبر لقاءات وندوات وفعاليات تسلط الضوء على ظاهرة العنف المتزايد وتدعو إلى تدابير للحد منه، وترسيخ ثقافة السلام، كما إنه الآن تشهد عواصم العديد من المدن بالمناسبة احتفالات بالذكرى ١٥٤ لميلاد موهانداس كرمشاند غاندي، المعروف باسم المهاتما، والتي تعني الروح العظيمة والمسار الطويل الذي قطعه رفضاً لكل أشكال العنف والتمييز والكراهية، وتؤكد الأمم المتحدة أن إحياء اليوم الدولي هو مناسبة لنشر رسالة اللاعنف، بما في ذلك عن طريق التعليم وتوعية الجمهور، وذلك استناداً لقرار الجمعية العامة المؤرخ ١٥ حزيران/يونيو ٢٠٠٧، ويشدد القرار على الأهمية العالمية لمبدأ اللاعنف والرغبة في تأمين ثقافة السلام والتسامح والتفاهم واللاعنف، فاللاعنف يحتفل به في العالم أجمع ولكن في منطقتنا يتم الاحتفال به شكلياً إن تم الاحتفال به أصلاً، لكن مؤخراً مع كثرة عدد منظمات ومؤسسات المجتمع المدني تم نشر التوعية بهذه الفكرة وهذا اليوم.

*صحيح، وهذا ما لاحظته في السنوات الأخيرة من توزيع بروشورات وإعلانات طرقية في الشوارع للحد من العنف، الكثير أو غالبية المجتمع يرى بأن اللاعنف يعني خوف أو خنوع أو استسلام أو حتى تقاعس، ما رأيك؟

للأسف هذا صحيح لأن الناس عاشوا مع العنف ردحاً طويلاً من الدهر، ويجب توعية الناس بهذا الشيء فينبغي عدم الخلط إطلاقاً بين اللاعنف وبين التقاعس عن العمل أو السلبية، فاللاعنف هو فعل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل هو أكثر قوة وفعالية من فعل العنف، والنشاط اللاعنفي ليس محصوراً في مجاله، بل هو مسار عمل يمكن اتباعه على كل الأصعدة، واللاعنف لا يعني لا عمل، ولا يعتبر نقاش، وهو ليس للخجول أو الضعيف، اللاعنف عمل جاد، فهو الرغبة في التضحية، وهو الصبر على الانتصار، وهو سلاح قوي وعادل، ويقطع دون أن يجرح ويجعل من الإنسان الذي يستخدمه نبيلاً، إنه سيف يشفي وبهذا الشيء فأنه بعيد كل البعد عن الخوف والخنوع، وإن فريضة السلام لن تصير واقعاً بجريرة الخوف، ومن المحال أن يدافع عنها أو يوفق في تطبيقها الجبناء، فالغايات العظيمة لا تصير واقعاً إلا بروح من المجد والعظمة.

*في حياتنا اليومية لا يمر يوم إلا ونسمع حالات عنفية من قتل وضرب وايذاء، أو سلوكيات كثيرة تدل على العنف نراها بشكل يومي في الشارع ولكننا اعتدنا عليها، ما الأسباب وراء كل ذلك؟

أتوقع أن العصبية وعدم التحكم بالنفس هما من أهم أسباب انتشار سلوكيات العنف المجتمعي، أضف إلى ذلك، الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة والخلل الثقافي في فهم النفس وفهم الآخرين وانعدام حالة الحوار، مما أودى باستخدام سلوكيات بديلة ترفع وتيرة العنف المجتمعي، ضمن أوضاع لا تستهجن هذه الممارسات ولا ترفضها، لأنها أصبحت ضمن السياق اليومي أفعالاً عادية، فالأم لا تخجل وهي تضرب طفلها في مكان عام، بل أحياناً تشعر بالبطولة، والرجل لا يخجل أيضاً وهو يعبر بسيارته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مع أن هذا التجاوز هو عنف نفسي لأصحاب السيارات الأخرى، وقد يصل إلى عنف جسدي في حال حدث تصادم بين السيارات، وأمثلة أخرى كثيرة جداً للأسف اعتدنا عليها كما ذكرت في سؤالك، فالابتعاد عن الشدة والعنف مع الطفل ليس تخاذلاً تربوياً، إنما هو تربية على الهدوء والتحكم بالنفس، وإيجاد جيل جديد يستهجن أخطاء جيلنا.

*إذاً للوصول إلى مبدأ اللاعنف يجب محاربة أو الابتعاد عن العنف، ما هي نصائحك أو ما الحلول التي تراها مناسبة للابتعاد عن العنف؟

حلول كثيرة وذلك حسب كل نوع عنف ممارس سواء إن كان اقتصادي، أو اجتماعي، أو حتى سياسي، وسواء إن كان واقع على الأطفال أو النساء أو على مجتمع معين بطريقة معينة أو بأسلوب معين، لكل حالة حلول ونصائح، ولكن سأقول نصائح شاملة قد تسري على معظم الحالات التي نراها في مجتمعاتنا وأولها مساعدة الشباب في الحصول على أعمال تشغل فراغهم وتضمن مستقبلهم ومساعدتهم على الزواج وبناء الأسر، والتأكد من الصحة النفسية والعقلية لكل من الزوجين عند إقبالهم على الزواج حتى لا يؤثر ذلك على الأطفال، وتشديد العقوبات المترتبة على القائمين بالعنف، والعمل على القضاء على البطالة والفقر لأن تدني المستوى الاقتصادي للأسرة قد يدفع ببعض أفرادها لتفريغ شحنات معاناتهم السلبية نتيجة الضغوط المعيشية فتكون النتيجة تعرض بعض أفراد الأسرة للعنف، وزيادة الوعي الثقافي بين الناس لتعريف المواطن بحجم ظاهرة العنف وأسبابها والآثار المترتبة عليها، وبدورهم في الوقاية والحماية من العنف، والابتعاد عن مشاهدة مناظر العنف على القنوات الفضائية والأنترنت، وتعزيز الحريات السياسية، للابتعاد عن حالات الكبت السياسي التي قد تظهر في صور سلبية متعددة من بينها الاعتداء على الأطفال، ودراسة وضع الأنظمة والتشريعات التي تضبط أسلوب التعامل مع الأطفال في المدارس، والعمل على زيادة الوعي الديني والأخلاقي والتربوي، والتعريف بحقوق الطفل وواجبات المربين من خلال تنظيم محاضرات وندوات توعوية.

*ختاماً، العنف في سوريا، المجال مفتوح لك..

للأسف الشديد في سوريا بدل من أن نصل إلى مراحل متقدمة في اللاعنف نكتشف إن الوضع يسوء باستمرار ونعود إلى مرحلة العنف الكارثي، فنحن كمنظمات مجتمع مدني عاملة في سوريا رغم الجهود الحثيثة ومبادرات كبيرة وحملات ضخمة ولكن للأسف نطاقنا محدود ببقعة جغرافية معينة لا تشكل جميع سوريا، ففي أخر إحصائية للأمم المتحدة جاء إنه نحو ٩,٣ مليون شخص في سوريا يتعرضون للعنف ومعظمهم من النساء والأطفال حيث إنه يواجه السوريين كل يوم آلة حرب ناهيك عن المعتقلين في السجون وقيوداً على الحركة وإمكانية محدودة للوصول إلى فرص العمل وخدمات الحماية والرعاية الصحية، وغيرها من المساعدات الحيوية، ففي سوريا الشعب يعيش العديد من التحديات، والتباطؤ الاجتماعي والاقتصادي المستمر في سوريا والأعمال العدائية المستمرة والعنف في أجزاء من البلاد والقيود المفروضة على الوصول، هي أمور تبعث على القلق وتستدعي جهود كبيرة على مدار سنين لتحسين الوضع.